غضب في سورية بسبب قرار وزاري يحدد معايير ارتياد الشواطئ ولباس السباحة
- القرار يشمل تعيين منقذين وشرطة سياحية لمراقبة الالتزام، مع التركيز على احترام التنوع الثقافي والديني، مما اعتبره البعض تدخلاً في الحريات الشخصية.
- انتقدت ناشطات القرار باعتباره تقييداً للحريات وتعدياً على حقوق الأفراد، داعيات إلى قرارات تعزز السياحة وتحترم التنوع دون المساس بالحريات.
أثارت وزارة السياحة السورية موجة غضب واسعة في الأوساط المجتمعية، على خلفية تعليمات جديدة صدرت، اليوم الثلاثاء، تتعلق بمعايير ارتياد الشواطئ ولباس السباحة. وشملت هذه التعليمات تحديد أنواع ملابس السباحة المسموح بها، وفقاً لتصنيف الشواطئ بين فضاءات عامة وخاصة، ما اعتبره عدد من النشطاء نوعاً من الوصاية على الأفراد وتدخلاً في الحريات الشخصية، تحت ذريعة الحفاظ على الذوق العام.
وتضمن القرار في مادته الأولى إجراءات السلامة والأمان في الشواطئ والمسابح لمرتاديها من السياح والزوار، بما يضمن "الالتزام بالآداب العامة، ومراعاة الذوق العام، وخصوصية الآخرين". وشملت التعليمات تعيين منقذين ومشرفين لمراقبة الالتزام بالإرشادات، في حين تناولت المادة الثانية تعليمات "الالتزام بارتداء ملابس سباحة مناسبة تراعى الذوق العام ومشاعر مختلف فئات المجتمع، وذلك احتراماً للتنوع الثقافي والاجتماعي والديني في سورية".
ووفقاً للتعليمات، يطلب "ارتداء ملابس سباحة أكثر احتشاماً في الشواطئ والمسابح العامة (البوركيني أو ملابس سباحة تغطي الجسم بشكل أكبر)". أما في المنتجعات والفنادق المصنفة والشواطئ والمسابح والأندية الخاصة، فـ"يسمح بملابس السباحة الغربية العادية مع الالتزام بالآداب العامة ضمن حدود الذوق العام والسلوك الحضاري". وتنص التعليمات أيضاً على "ضرورة ارتداء ملابس فضفاضة وتغطية الكتفين والركبتين"، وعلى "منع ارتداء الملابس الشفافة أو الضيقة جداً".
وزارة السياحة تُصدر تعاميم لضمان السلامة العامة والأمان في الشواطئ والمسابح لمرتاديها من السواح والزوار.#الجمهورية_العربية_السورية #وزارة_السياحة pic.twitter.com/ToBhq1mABN
— وزارة السياحة السورية (@MOTourismS) June 10, 2025
وطلب القرار من رواد الشواطئ "ارتداء ملابس سباحة لائقة تراعي الذوق العام، مع ضرورة ارتداء ملابس أكثر احتشاماً أو تغطي الجسم بشكل أكبر، ومنع التنقل بملابس السباحة خارج الشاطئ دون غطاء مناسب". كما يسمح بارتداء "البوركيني" الإسلامي في جميع الشواطئ والمسابح، بعد أن كان مقتصراً سابقاً على بعض المواقع.
وأشار معاون وزير السياحة غياث الفراح في حديث لـ"لعربي الجديد" إلى تخصيص شرطة سياحية لمتابعة الالتزام ومنع التصرفات غير اللائقة، مؤكداً أن القرار جاء بالتوافق مع الجهات المختصة، ويتيح خيارات تناسب التنوع المجتمعي بين الأماكن المحافظة والمنفتحة، مع ضمان بيئة سياحية آمنة تحترم الخصوصية والكرامة.
وفي تعليقها على القرار، قالت ناشطة المجتمع المدني آية قواف لـ"العربي الجديد"، إنها فوجئت بهذه التعليمات، معتبرة أن القرار "مدروس من زاوية معينة ترتبط بانتماءات دينية أو توجهات محافظة"، مضيفة أن "غياب نصوص قانونية واضحة لحماية الحريات الفردية يدعم مثل هذه القرارات التي تقيّد حرية المواطنين".
وأوضحت قواف أنّه "من الطبيعي تنظيم بعض المسائل كارتداء اللباس عبر تخصيص مناطق معينة، كما هو معمول به في دول عدة، بحيث تُراعى خصوصيات مختلف الفئات، من المحافظين إلى من يختارون البوركيني أو حتى العري". وشدّدت على ضرورة أن تراعي القرارات تنوع المجتمع السوري، "دون المساس بحريات فئة ما لإرضاء أخرى"، مؤكدة أنه حتى الأغلبية ليست كتلة موحدة في مواقفها من الحريات الفردية.
يعني ما بعرف شو الواحد يحكي ، ما عاد تعرفو تتركو الامور طبيعية شو هاد لك شبكن خلص خلو الامور طبيعية يا حبايبي ، ممنوع تتفتل ممنوع مدري شو لك خلص خلص، حاج تعطوا اي حدا قصة يحكي فيها مشووو شغل #وزارة_السياحة_السورية#سوريا https://t.co/09VMvWbVza
— maher (@maheralmasrii) June 10, 2025
ولفتت إلى أنّ القرار "ينطوي على تمييز واضح، إذ يمنح الحريات لفنادق الأربع والخمس نجوم، ما يخدم الفئات الميسورة فقط، في ظل عجز معظم السوريين والمغتربين عن تحمّل تلك التكاليف بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة". وأضافت: "حتى السياح يفضّلون أماكن بأسعار معقولة لتجربة واقعية، لا فاخرة"، معتبرة أن القرار "قد يشكّل عائقاً أمامهم ويؤثر سلباً على القطاع السياحي".
ودعت قواف إلى إصدار قرارات تعزز السياحة وتحسّن صورة سورية باعتبارها بلداً منفتحاً، معتبرة أن البلاد بحاجة إلى سياسات تدعم الاقتصاد وتشجع الاستثمار وتحمي الحريات، لا أن تقيدها، خاصة في هذا الظرف الحساس. وحذّرت من أن مثل هذه القرارات قد تثير قلق السوريين في الخارج وتساؤلاتهم حول احتمال صدور قرارات مشابهة من جهات أخرى. وأضافت "يبقى السؤال المطروح: هل صدر هذا القرار فعلاً عن وزارة السياحة؟ إذ أشعر كأنه صدر عن جهة أخرى، وليس عن وزارة تعنى بتشجيع السياحة والانفتاح".
أثارت الضوابط الجديدة التي أقرتها وزارة السياحة السورية للشواطئ جدلاً واسعًا وغضبًا بين السوريين والتي تتعلق بتحديد قواعد لملابس السباحة المسموح بها للمصطافين، وهو ما أُعتبر تقييدًا للحريات الشخصية #سوريا #ضوابط_الشواطىء #وزارة_السياحة_السورية
— hendkhalifa (@hendkhalifa2) June 10, 2025
https://t.co/IJl0bB6Uqx
بدورها أكدت الناشطة الإعلامية غيمان أبو عساف في حديثها لـ"العربي الجديد" أن التعليمات المتعلقة بشؤون السياحة التي صدرت اليوم "تبدو مثيرة للجدل، وتحتاج إلى توضيح أكبر، لا سيما أنها تمس قطاعاً مهماً جداً، منتجاً، ويعد رافداً أساسياً للدخل. بالإضافة إلى ذلك، فإن السياحة تعد أحد أبرز مظاهر التحضر ومعايير التمدن".
ويبدو أنّ التوجه العام يتجه نحو التشدد، وفق أبو عساف، في مقابل تهميش التخصص، و"كأننا أمام فعل وردة فعل. وهنا لا بد من التذكير بأن النظام السابق أيضاً كان يمنع السباحة، مثلاً، باللباس الشرعي، وأحياناً خُصصت أماكن مغمورة تفتقر إلى الخدمات لتكون مخصصة للاستجمام لتلك الفئة تحديداً".
ومن المثير فعلاً خلط الاهتمام بالصحة مع فرض الممنوعات بما يتناسب مع طبيعة الحكم، كما بيّنت أبو عساف، التي قالت: "على سبيل المثال، تحديد نوعية اللباس للسوريين يعد تقييداً كاملاً للحرية، دون الانتباه من المشرّع أو الجهة القانونية إلى أن لباس السباحة، في الأصل، يجب أن يكون من نوعية تسمح بالسباحة الآمنة والصحية. في المقابل، ما نصّت عليه القرارات يعد تجاهلاً واضحاً لأهمية نوع ومظهر اللباس المخصص للسباحة".
وتابعت أبو عساف: "وفي الوقت ذاته، يُسمح للسائح غير السوري بارتداء ما يُطلق عليه اللباس الغربي، مما يخلق تمييزاً في المعاملة يخالف تماماً مبدأ الحرية الذي نص عليه الدستور. ويميل هذا القرار إلى التعسف، خاصة في ما يتعلق بإجراءات التصاريح والأذونات، بينما تمنح حرية التنقل للآخر دون قيود تُذكر. في الواقع، أجد أن الأمر يعاني غموضاً قانونياً كبيراً؛ إذ لم يتم تفسير التعليمات بوضوح، ولم تُحدد الفئات المستثناة من القرار من الجهات المنفذة، مما يفتح الباب أمام اجتهادات وتفسيرات فردية".
وتبدو حركة السائح السوري كأنها خاضعة للمراقبة، وفق ما أشارت إليه أبو عساف، و"تخدم أهدافاً قد تكون أمنية. وعندما يحاول قانون السياحة الجديد أن يبرز جانب المواطنة ومتطلباتها، لا ينجح في ذلك، بل يظهر مرتبكاً، خاصة عندما يمنع السباحة بعد تناول الطعام، ثم يقر بلباس غير صحي من حيث النوعية والمظهر"، وفق قولها.
في المقابل أوضحت المحامية آلاء عنتر خلال حديثها لـ"العربي الجديد" أن هذا التعميم في الواقع لم يغيّر من الوضع السائد، وقالت: "الفارق الوحيد أنه تم وضع قانون لارتياد الأماكن السياحية، ومن المعروف سابقاً أن الشواطئ العامة تكون نسبياً ملتزمة باللباس، على عكس المنتجعات والفنادق ذات الأربع والخمس نجوم، كونها تستقطب شرائح دينية وسياحية متنوعة".
وتابعت عنتر: "عموماً، لو كان التضييق يطاول المنتجعات والفنادق، لقلنا إننا بصدد انتهاك للحريات الفردية، أما التعميم الحالي فهو متوافق مع سلوكيات وشرائح المجتمع السوري، وفيما يتعلق بالتمييز بين السياح والسوريين المقيمين في الخارج أو داخل البلد، فهذه نقطة معقدة، خاصة إذا لم تكن هناك آلية واضحة لتحديد الفئات المختلفة، فغالباً ما يتم التعامل مع الجميع وفقاً للمعايير المحلية". وأردفت: "التصرف ضمن إطار الحرية الشخصية يجب أن يكون في حدود القانون والنظام العام، بحيث لا يتعدى على حقوق الآخرين أو يسبب ضرراً للمجتمع".
واعتبرت الكاتبة و المحامية ميادة سفر أن قرار وزارة السياحة يشكّل تعدياً سافراً على الحريات الشخصية في البلاد. وأوضحت في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ المجتمع السوري لم يعتد على مثل هذه القرارات التي تقيد حرية الاختيار في الملابس ونمط الحياة، خصوصاً في الأماكن السياحية، مشيرة إلى "مجتمع متنوع العادات والتقاليد، وإن اختلفت بين بيئة وأخرى، إلا أن هذا التنوع لم يكن يوماً سبباً للمشاكل بين أبناء الوطن الواحد".
وأضافت سفر أن الإدارة الحالية التي أصدرت هذه القرارات "غابت عنها حقيقة أن الشواطئ أماكن عامة لا يجوز فرض نمط معين من اللباس والسلوك عليها بناءً على أهواء الجهات المعنية"، مؤكدة أنه "ينبغي ألا تتحول وزارة السياحة إلى أداة لتنفيذ أجندات تخدم مصالح فئات معينة أو لإرضاء جماعات لا تمثل كل الشعب السوري، حتى من هم الأكثر محافظة". وأشارت إلى أن السوريين من مختلف المحافظات كانوا يتعايشون في المناطق الساحلية دون أن يثير لباس أحدهم أي استهجان أو اعتراض.
واعتبرت المتحدثة أنّ "إصدار هذه القرارات في ظل التوجس من توجه الإدارة الجديدة نحو أسلمة المجتمع وفرض نمط حياة محدد يثير تساؤلات مهمة، لا سيما مع ضمان الإعلان الدستوري في مواده 12 و13 للحريات العامة والخاصة". وأوضحت أن هذه القرارات "تمثل شكلاً من الوصاية على الأفراد، إذ تخنق الحريات الشخصية تحت ذريعة الذوق العام"، متسائلة "من سيقرر ما هو الذوق العام؟ أم أننا نعود إلى قاعدة "من يحرر يقرر؟".