غزة... نقص المساعدات يوصد أبواب التكايا

15 يناير 2025
يعتمدون على المساعدات الغذائية في مدينة غزة، 11 يناير 2025 (عمر القطاع/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني تكايا الطعام في غزة من نقص حاد في المواد الغذائية بسبب الإغلاق المستمر للمعابر، مما أدى إلى توقف العديد منها عن العمل وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 30% إلى 50%.
- الأزمة تتفاقم بسبب العدوان الإسرائيلي، حيث تعتمد التكايا على التمويل المحدود والإمدادات الخارجية النادرة، مما أدى إلى إغلاق أكثر من 50% منها وتقليص الوجبات المقدمة.
- يعاني النازحون من سوء التغذية، ويطالب المسؤولون بفتح المعابر وتوفير الدعم المالي لإعادة تشغيل التكايا وتخفيف معاناة الأسر الفقيرة.

يتسبّب نقص المواد الغذائية والمواد الخام الأساسية بالتزامن مع شحّ المساعدات الإنسانية في تعطل وتوقف عدد من تكايا الطعام الخاصة بتوفير الطعام المجاني وتوزيعه على النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يعتمدون عليها بشكل شبه أساسي لتوفير قوت يومهم. ويؤثّر ضعف تدفق البضائع والإغلاق المتواصل للمعابر، وأبرزها معبر كرم أبو سالم، الذي يعد الشريان الرئيسي، في تكايا الطعام ويجعلها غير قادرة على تلبية احتياجات النازحين بفعل عدم قدرتها على تقديم المساعدات الغذائية باستمرار، في ظل النقص الحاد في المواد الأساسية مثل الدقيق، والزيت، والسكر، والحليب، والأرز.
تُضاف الأزمة الخاصة بتكايا الطعام إلى مجموعة أزمات معيشية يكابدها أهالي قطاع غزة بفعل اشتداد صعوبات الحياة اليومية الناتجة من تواصل العدوان الإسرائيلي للشهر السادس عشر على التوالي، الذي ألقى بظلاله القاسية على مختلف نواحي الحياة الإنسانية والصحية والأمنية والتعليمية.

وتترافق الأبعاد العميقة التي تعرقل عمل تكايا الطعام لمليوني نازح فلسطيني يعتمدون عليها بشكل كامل، وفقاً لتقارير رسمية وأممية مع شحّ المواد المتوافرة وارتفاع الطلب عليها. وارتفعت الأسعار بنسبة تراوح ما بين 30% و50%، أو يزيد في الكثير من الحالات، الأمر الذي أثر بقدرة التكايا على شراء كميات كافية من المواد الغذائية لتلبية احتياجات النازحين، وخصوصاً مع اعتمادها على التمويل المحدود.
وتزيد الأعداد الضخمة للنازحين في مراكز ومدارس ومخيمات النزوح من عمق الأزمة، وباتت تفوق قدرة التكايا على الاستمرار في عملها بمواردها المحدودة، في ظل ضعف التمويل والدعم الخارجي بسبب الحرب وصعوبة الوصول إلى القطاع، وخصوصاً أن العديد من التكايا تعتمد على الإمدادات والتبرعات الخارجية، أو دعم المؤسسات الخيرية الدولية لشراء المواد الغذائية وتغطية نفقات التشغيل.
وإلى جانب تلك التحديات التي تسببت بإغلاق أكثر من 50% من التكايا وفق تقارير محلية، وتقليص كميات ونوعيات الوجبات المقدمة من التكايا المتبقية، فإنها تواجه كذلك ضغوطاً تشغيلية بسبب انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة بفعل نقص الوقود، وعدم قدرة التكايا على تشغيل معداتها وحفظ المواد الغذائية، علاوة على توقف المواصلات الداخلية بسبب نقص الوقود الذي عرقل نقل المواد الغذائية إلى مراكز التوزيع.
ويقول مدير تكية تكافل، محمد مرشود، إن "التكية التي افتتحت بجهود شبابية أغلقت أبوابها بسبب نقص المواد الغذائية بشكل غير مسبوق"، مضيفاً أنه "خلال الأسابيع الأخيرة، لم نستطع تأمين أبسط المكونات مثل الدقيق أو الزيت أو الأرز والمعكرونة والبقوليات، في الوقت الذي تجاوزت فيه الأسعار المرتفعة إمكاناتنا المحدودة، الأمر الذي حال بيننا وبين مواصلة العمل في المبادرة غير المدعومة، واضطررنا إلى إغلاق أبوابنا في وجه العائلات النازحة".

خلال توزيع أطعمة في مخيم النصيرات في غزة، 11 يناير 2025 (إياد البابا/ فرانس برس)
خلال توزيع أطعمة في مخيم النصيرات في غزة، 11 يناير 2025 (إياد البابا/ فرانس برس)

ويلفت مرشود في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى الانعكاس القاسي لإغلاق التكايا على الأسر الفقيرة أو تأثر كمية أطباقها  ونوعيتها، موضحاً أن تلك العائلات تعتمد على وجبات التكايا اليومية باعتبارها وجبة أساسية. وبمجرد توقف التكايا، تواجه هذه الأسر الجوع يومياً. يضيف: "نرى أمهات يبكين عند الأبواب لأن أطفالهن لم يأكلوا منذ أيام، وهذا يوضح حجم المعاناة التي تسببها هذه الأزمة".
ويطالب مرشود بإعادة فتح المعابر فوراً لتوفير المواد الغذائية، وأن توفّر المؤسسات الإنسانية والدولية الدعم المالي العاجل لإعادة تشغيل التكايا لتجاوز أزمة الجوع القاسية والمروعة التي باتت تهدد الفقراء.
من جهته، يقول الفلسطيني سمير أبو الخير، وهو متطوع في التكية المغلقة، إن التكية كانت مكاناً مليئاً بالأمل، وتقدم مئات الوجبات يومياً، وكان يرى برفقة زملائه الفرحة في عيون الأطفال والنازحين. ويقول: "رغم الألم، كان هناك شعور بأننا نحدث فرقاً. لكن مع تفاقم الأوضاع ونقص الموارد، أصبح من الصعب الاستمرار في العمل".
ويستذكر أبو الخير موقفاً صعباً حصل معه خلال عمله في التكية، قائلاً: "جاءت إلينا أم تحمل طفلتها التي لم تأكل منذ يومين وطلبت وجبة واحدة. لم يكن لدينا شيء نقدمه سوى القليل من الخبز. مشهد الطفلة وهي تحاول أكل هذا الخبز كسر قلبي".
أما رحاب البلتاجي، وهي أم فلسطينية نازحة كانت تعتمد على تكية طعام توقفت عن العمل، فتوضح أن التكية كانت طوق النجاة لعائلتها بعد نزوحها من منزلها وخسارة زوجها لمصدر دخله. تقول: "عندما أغلقت التكية، اضطررت إلى طلب المساعدة من الجيران، لكنهم أيضاً يعانون، فيما ينام أطفالي جوعى معظم الأيام، الأمر الذي يفتت القلب".
وتلفت البلتاجي في حديثها لـ "العربي الجديد" إلى محاولات زوجها الحثيثة لإيجاد البدائل من دون جدوى، في ظل انعدام فرص العمل والارتفاع الجنوني في الأسعار. وتقول: "حتى رغيف الخبز أصبح حلماً. نحن لا نطلب سوى فتح المعابر وإعادة الحياة إلى طبيعتها. لا يوجد شيء أصعب من أن ترى أطفالك يتضورون جوعاً ويرتعدون خوفاً من دون أن تستطيع فعل شيء".

وتصف الفلسطينية رويدا زهد شعورها حين قصدت تكية طعام قريبة من دون أن تتمكن من الحصول على ما قد يمكنه من سد رمق أطفالها بأنها من أصعب اللحظات. وتقول: "نحن عاجزون عن فعل أي شيء. عندما أذهب إلى التكية وأجدها مغلقة، لا يخطر ببالي سوى سؤال واحد وهو أنه كيف يمكنني مواجهة يوم جديد من دون طعام لأطفالي". وتلفت زهد في حديثها لـ "العربي الجديد"، إلى تأثيرات نقص المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية بأطفالها الذين أصبحوا ضعفاء جسدياً، عدا عن التأثيرات النفسية التي تصاحبها، خصوصاً حين يسأل أطفالها عن أصناف الطعام الذي تعجز عن توفيره.
ويفاقم إغلاق التكايا من معاناة النازحين، الذين يعتمدون كثيراً على هذه الوجبات في ظل غياب دخل ثابت أو مصادر غذائية أخرى، فيما كانت فئتا الأطفال والنساء من أكثر الفئات المتضررة، وزادت معدلات سوء التغذية بين الأطفال بشكل ملحوظ.

المساهمون