عيد الفطر في مصر... الكعك والعيدية والزيارات تبقى من الأساسيات
عبد الكريم سليم
استمع إلى الملخص
- تختلف طقوس العيد بين الأجيال، حيث يفضل البعض الاحتفال في المنزل أو السفر، بينما يحرص آخرون على الأنشطة التقليدية مثل زيارة المصلى وتعليق الزينة، وتبقى العيديات جزءاً مهماً رغم القلق من استخدامها في شراء المفرقعات.
- زيارة المقابر صباح العيد عادة متوارثة، خاصة في الريف، لكنها تتراجع بين الأجيال الجديدة، حيث يفضل البعض تجنب الذكريات المرتبطة بالمقابر، بينما يحرص آخرون على الحفاظ عليها.
في عيد الفطر يستعيد المصريون طقوسهم المتوارثة، ويحرصون على صنع الكعك أو شرائه، وتبادل الزيارات، وإعطاء الصغار العيديات. ولم تنجح الحداثة في إلغاء هذه التفاصيل
قبل يوم من مغادرته مصر، كتب الشاعر أبو الطيب المتنبي قصيدة من ثلاثين بيتاً هجا فيها حاكمها كافور الإخشيدي، قال فيها: "عيد بأية حال عدت يا عيد ... بما مضى أم بأمر فيك تجديد". ولا يزال هذا البيت صالحاً للتعبير عن واقع الحال في مصر إذ لم تتحسن أحوال الكثير من المواطنين، لكن يبقى أن العيد حافظ على بعض طقوسه القديمة، منها صناعة الكعك، وتبادل الزيارات، وزيارة القبور، ومنح الصغار عيديات. إلا أن ما سبق لا يلغي العصرنة.
في القرى والأرياف، لا تزال عادة صنع الكعك على حالها. تجتمع النساء في البيوت حول صواني الكعك إلى جانب الأفران الحديثة بدلاً من تلك الطينية التي لم تكن تخلو منها البيوت الريفية. تقول إيمان عبده، وهي معلمة في إحدى مدارس أسيوط جنوباً: "أجتمع مع زوجة شقيق زوجي بإشراف حماتنا، التي تدقق في كل خطوة من خطوات صنع الكعك بدءاً من المقادير، مروراً بطريقة قطع العجين وصولاً إلى وضعه على الصواني ثم داخل الفرن". تضيف لـ"العربي الجديد": "نحاول استرجاع بهجة أيام الطفولة الأولى، حين كنا نتجمع حول جدتي ونساعدها في صنع الكعك. الاختلاف أن الفرن كان طينياً بدائياً. كنا نضحك من كل قلبنا وهو ما نفتقده اليوم. الخير لم يعد وفيراً كما كان، وبتنا نصنع الكعك من خلال استعمال أرخص المواد نظراً للغلاء الفاحش".
في المدن، تختلف الطقوس قليلاً، وتتباين بين المناطق. فخلال صناعة الكعك في ضواحي الجيزة الشعبية، يتجمع أفراد العائلة حول الصواني، كما تقول سندس محمود، وهي موظفة. ثم يتولى شبان الأسرة حمل الصواني إلى الأفران القريبة. وتقول لـ"العربي الجديد": "لا بد من تمييز الصواني حتى لا تختلط، والاتفاق المسبق مع صاحب الفرن وتوصيته، مع دفع إكرامية للفرّان ليكون أكثر حذراً".
أما إلهام كمال، وهي موظفة من سكان منطقة الهرم غرب القاهرة، فتفضل شراء علب الكعك الجاهزة من المحال التي تعتمد المكونات الصحية وتحرص على النظافة في مراحل التصنيع. وتقول لـ"العربي الجديد": "صحيح أن صنع الكعك في المنزل أوفر كثيراً، إلا أنه يستغرق وقتاً وجهداً".
من جهتها، تقول الحاجة أم محمود (67 عاماً)، وهي ربة منزل متقاعدة: "كنا نجتمع، نحن النساء، لصنع الكعك في البيت، وتعمّ رائحة السمن والسكر الأجواء. الأطفال يتسابقون لرسم أشكالهم المفضلة على العجين. أما اليوم، فنادراً ما تجد من يصنعه في المنزل".
ازدحام الأسواق
تعجّ الأسواق بالحركة ويزداد الإقبال على شراء الملابس الجديدة والحلويات والهدايا. أصوات الباعة تتعالى والمحال تزدحم بالعائلات. يقول أحمد (42 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال وموظف في إحدى المصالح الحكومية في الجيزة: "في الماضي، كنا نذهب إلى بورسعيد مع والدي لشراء الملابس الجديدة من المنطقة الحرة، لأنها أرخص. كانت لحظات لا تُنسى. أما اليوم، فكل شيء أصبح إلكترونياً، حتى شراء الملابس. لا يريد أولادي النزول إلى المتاجر للشراء نظراً للازدحام الكبير. ثم إنّ المعروض على الإنترنت أكثر جاذبية وتنوعاً بالنسبة إليهم".
كما اختلفت طقوس يوم العيد. يقول معتز عدلي، وهو شاب يعمل في توصيل الطلبات: "نقضي ليلة العيد في تعليق الزينة في المصلى في منطقة فصيل، ونخصص مكاناً إلى جانبه لمسرح العرائس وفقرة الساحر للأطفال، بالإضافة إلى المجسمات الضخمة على شكل شخصيات كرتونية. نواصل حراسة المكان حتى الصباح بانتظار وصول المصلين، لنبدأ في تكبيرات العيد، ونحجز أماكن لأقاربنا وأصدقائنا في مقدمة الصفوف، إذ يصعب العثور على مكان فارغ. وبعد الصلاة وإطلاق البالونات في الهواء، يحاول الأطفال التقاط بعضها، فيما يلقي جيران عيديات من الشرفات، ثم نبدأ بتنظيم فقرات للأطفال".
يتابع حديثه لـ"العربي الجديد": "معارفي وأقاربي يسهرون حتى الصباح. اعتاد معظمنا خلال رمضان السهر حتى السحور ثم أداء صلاة الفجر والنوم بعدها. من الصعب تغيير العادة ليلة العيد".

من جيل إلى جيل
يقول الشيخ محمود (50 عاماً): "في الماضي، كان الطريق إلى المصلى رحلة في حد ذاتها. نردد التكبيرات بصوت واحد، ونشعر بأننا أسرة كبيرة تمضي إلى الله. أما اليوم، فقد تراجعت هذه العادة، وأصبح البعض يأتي للصلاة ويغادر مسرعاً".
من جهتها، توضح زينب سلطان، وهي ربة منزل تعمل في تحضير الوجبات المنزلية وبيعها، إنها توارثت عن جدتها شراء الملوحة والفسيخ والرنجة (أسماك مملحة ومعتقة) قبيل العيد بأيام، وتحضيره لأكله في أول أيام العيد.
أما مصطفى، وهو موظف في أحد المتاجر، فيقول لـ"العربي الجديد": "لم أعد أشعر بطعم العيد منذ أن اكتفيت بقضائه في القاهرة بعيداً عن أهلي في الصعيد. صار السفر إلى القرية صعباً، إذ إن محاولة الحصول على تذكرة قطار مستحيلة في ظل الازدحام الكبير، في وقت يضاعف فيه سائقو سيارات الأجرة بدل السفر، فضلاً عن متطلبات السفر والعيديات. وهذا يعني أن راتب شهر كامل سيتبدد في غضون أيام. لذلك، أفضل عدم السفر مع الاعتذار لأهلي والتذرع بضرورات العمل خلال العيد".
أما المسن المتقاعد محمد سلطان، فيعاني الوحدة، إذ يفضل أبناؤه السفر إلى العين السخنة شرقاً لقضاء العيد مع الأصدقاء. وفي بعض الأحيان، لا يزورونه مكتفين باتصالات هاتفية. يقول لـ"العربي الجديد": "حاولت مراراً أن أقنعهم بقضاء العيد معي خلال السنوات القليلة الماضية إلا أنهم سرعان ما يغادرون فور صلاة العيد، مكتفين بطبع بضع قبلات على رأسي".

وفي ما يتعلق بالعيديات، تتمنى سارة، وهي موظفة في وزارة الثقافة، أن يكف الجميع عن منح أبنائهم عيديات، مؤكدة في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "الصغار يبددونها في شراء مفرقعات ترهب المارة وراكبي السيارات". تضيف: "كدت أحترق وأصدم مارة أثناء قيادتي سيارتي بعدما ألقى أحدهم صاروخاً مشتعلاً نحوي. ولولا أنني أضع نظارة طبية لفقدت عيني".
وتعد المفرقعات صبيحة يوم العيد من لوازم الاحتفال سواء في الأرياف أو المدن. ويقول سامح سعده، وهو صاحب متجر لبيع قطع غيار السيارات في المنيا (شمال الصعيد): "الأطفال باتوا لا يكتفون بالقليل، ويطالبون بمائة جنيه على الأقل. ولا تفلح محاولاتي إقناعهم بشراء لعبة أو ما شابه حتى لو بقيمة أكبر، إذ أدرك أنهم سيسارعون إلى شراء صواريخ ومفرقعات مؤذية".
ويؤكد البائع أشرف عبدالله أنه فشل في إقناع صغاره باستبدال العيديات بهدايا أو حلويات، مضيفاً في حديثه لـ"العربي الجديد": "صحيح أن العيدية النقدية تمنحهم إحساساً بالاستقلالية والفرح، لكنهم لا يحسنون التصرف فيها بل يشترون الصواريخ والمفرقعات".
يضحك آدم (9 سنوات) قائلاً: "العيدية أجمل شيء في العيد. أحب أن أعدّ المال والتخطيط لما سأشتريه. الصواريخ والمفرقعات رخيصة، فأشتري منها كمية قليلة أطارد بها أصدقاء في الشوارع، ثم أشتري كيس مقرمشات يحتوي على لعبة". وتقول جدته الحاجة أم حسن (70 عاماً): "العيد في الماضي كان أبسط لكنه أجمل. اليوم، كل شيء سريع ومادي، حتى فرحة الأطفال تغيّرت. لكن يبقى العيد عيداً، والفرحة لا تموت".
زيارة المقابر
اعتادت بعض الأسر صباح العيد زيارة مقابر أحبائها، خصوصاً في الريف، حيث يقرأون الفاتحة ويترحمون على أرواح موتاهم. إلا أن هذه العادة تتراجع شيئاً فشيئاً، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة. تقول فاطمة (45 عاماً)، وهي من القليوبية شمالاً: "كنا نذهب إلى المقابر بعد الصلاة مباشرة، نوزع الرحمة، وهي أقراص من المخبوزات، على آبائنا ونشعر أنهم ما زالوا معنا. أما اليوم، فالأمر أصبح مقتصراً على القلة. أطلب من أبنائي اصطحابي إلى المقابر لزيارة الراحلين الأحباء، من دون جدوى، وكأن الأجيال الجديدة تخشى مواجهة الذكريات".
أما أحمد عاشور وزوجته، فلا يفوتان عيداً دون زيارة المقابر، التي تقع على بعد خطوات من بيتهما في قرية بني عديات بأسيوط جنوباً، ولا يحتاج الرجل المسن وزوجته إلى أحد من الأبناء لاصطحابهما. يقول لـ"العربي الجديد": "زيارة المقابر هي للعظة وإبلاغ الأحبة الراحلين أننا في عز سعادتنا وفرحنا بيوم العيد، لا ننساهم".