استمع إلى الملخص
- انتقلت رحلات الجبال من هواية إلى جمعيات رسمية مثل "رحالة للتجوّل الشبابي"، وساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة الإقبال على هذه الأنشطة.
- أدى انتعاش الرحلات إلى ازدهار تجارة الملابس الخاصة بالمشي، وساهمت في الحفاظ على البيئة من خلال مشاريع بيئية وتوعية الصيادين.
بعد سنوات من التراجع نتيجة الظروف التي مرت بها الجزائر، عادت الحركة النشطة لرحلات الجبال التي بُثت الحياة فيها مجدداً، ما خلق ديناميكية عززت نشاطات التنزه والسياحة وممارسة الرياضة في هذه الجبال، وأيضاً مبادرات الحفاظ على البيئة والطبيعة والتصالح معها.
أخيراً اختتم شبان وفتيات ينتمون إلى دار الشباب ببلدة أحمر العين بولاية تيبازة قرب العاصمة الجزائرية عطلتهم الشتوية برحلة لاكتشاف جبل شنوة الذي يبعد مسافة 80 كيلومتراً من العاصمة الجزائرية. ولم تكن هذه الرحلة الأولى من نوعها لهؤلاء الشباب، لكنها الأولى بعد إنشاء نادي التجوّل الذي يضم هواة الاكتشاف والمغامرة، وينظم جولات في الجبال.
يؤكد مدير دار الشباب المشرف على نشاط التجوّل في الجبال مهدي حاج علي لـ"العربي الجديد": "يجري قبل الرحلة الجبلية تجهيز الشباب بالأغراض اللازمة من أحذية وملابس رياضية مناسبة للمشي وحبال وحقائب ظهر، ونتعاون في تنظيم هذه الأنشطة مع جمعيات تملك خبرة في المجال، أو في مجالات يمكن أن تمنح الفتيات والشبان فرصة اكتشاف أماكن جديدة. وشارك 15 شاباً وشابة والرحلة الأخيرة الى جبل شنوة الذي يزخر بمناطق خلابة وغابات تحتوي على أشجار نادرة وأنهار وشلالات وينابيع مياه عذبة وآبار عمرها آلاف السنين. وتخلل الرحلة تنظيم ألعاب فكرية وترفيهية، واختتمت بحصة تدريبية حول رياضة الرماية بالتعاون مع نادي الرماية".
ومع توسّع نشاطات رحلات الجبال في الجزائر وتزايد المشاركين فيها، اهتم نشطاء بالانتقال من نظام الهواية إلى تأسيس جمعيات حصلت على الإطار القانوني لممارسة التجوّل وأنشطة مختلفة في الغابات. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن تأسيس جمعية "رحالة للتجوّل الشبابي والتخييم البري" في ولاية تيبازة، كما أنشئت جمعيات في ولايات أخرى، ما يزيد التنسيق بين منظمي الرحلات ويحسّن السياحة ومهمات اكتشاف جبال وجمال الجزائر.
أيضاً ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في توسيع أنشطة رحلات الجبال عبر نشر مغامرين ومجموعات شبابية صوراً وفيديوهات لأنشطة التجوّل في الجبال، والتي أظهرت مواقع جميلة لم تكن مكتشفة أو لم يزرها الناس منذ فترة طويلة لأسباب عدة. وعزز ذلك استقطاب الشباب والعائلات إلى المشاركة في رحلات التجوّل في الجبال. وركزت بعض الجمعيات والنوادي السياحية والرياضية على رحلات الجبال باعتبارها نشاطات ذات أبعاد سياحية واجتماعية ورياضية، وبدأت في الفترة الأخيرة في نشر إعلانات لاستقطاب المشاركين، ووضع برنامج كامل ومفصل للرحلات عبر تحديد نقطة الانطلاق وسعر الاشتراك، وتوجيه نصائح بما يجب الالتزام به، والأغراض التي يجب أن يحضرها الراغبون في المشاركة في الرحلات.
وقبل سنوات فقط، لم يكن هذا النوع من رحلات الجبال قائماً على نطاق واسع بسبب الظروف الصعبة ومخلفات الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر منذ بداية التسعينيات، والتي حرمت الجزائريين من زيارة هذه الأماكن، كما هجرها السكان لنفس السبب، قبل أن تبدأ العودة تدريجاً نتيجة التحسّن اللافت في الوضع الأمني.
يقول محمد مفتاح الذي يسكن في منطقة بأعالي عين الدفلى، لـ"العربي الجديد": "تغيّرت الظروف كثيراً. لم يعد هناك خوف من الذهاب الى الجبال، سواء للنزهة أو للزراعة أو حتى للحصول على الأعشاب الطبية. اليوم تزور مجموعات من الشباب الجبال القريبة من منطقتنا أسبوعياً".
وسمحت عودة الرحلات في الجبال بازدهار تجارة الملابس والأحذية والأغراض الخاصة بالمشي، وانتعش نشاط محلات بيع اللوازم الرياضية. وباتت مواقع التجارة الإلكترونية تتفنن في عرض الملابس التي تلائم طبيعة المناطق الجبلية، مثل الأحذية والمعاطف المقاومة لتسرب المياه وأغطية الرأس وحقائب الظهر التي تحمي الأغراض في ظروف المطر.
يقول عبد الكريم ساري الذي يملك محلاً لبيع الملابس الرياضية في بليدة، لـ"العربي الجديد": "لاحظنا منذ فترة تزايد الطلب على الملابس الرياضية والأحذية والأغراض الخاصة بالرحلات الجبلية، وهذا الأمر لم يكن يحصل في السابق. لدينا طلبات كثيرة، ونوّرد أنواعاً مختلفة من هذه الأغراض، ونبادر في بعض الأحيان الى الاتصال بنوادي الرحلات الجبلية والتخييم، ونعرض عليهم البضائع التي تصلنا".
وتمثل رحلات الجبال فرصة للنوادي والمجموعات الشبابية لبذل جهد في الحفاظ على البيئة. ويقول محمد شيخي من نادي "أريج للتجوّل" لـ "العربي الجديد": "نسعى في كل رحلة ننظمها إلى الجبال إلى تنفيذ أعمال تساعد البيئة والحيوانات. وخلال زيارتنا الأخيرة بمنطقة تامدة بولاية ميلة، صنعنا باستخدام البلاستيك محاجر تقليدية لجمع المياه كي تستخدمها الحيوانات للشرب، كما التقينا مجموعة من الصيادين وقمنا بتوعيتهم من الصيد العشوائي بهدف الحفاظ على التنوع البيولوجي في الجزائر، وحماية الأنواع الحيوانية المُعرّضة لخطر الانقراض".