استمع إلى الملخص
- اختارت عشرات العائلات العودة إلى أحيائها المدمرة، تاركة حياة المخيمات، مثل إبراهيم الحمادي الذي عاد ليعيش في خيمة داخل مستودع تبريد صمد نسبيًا.
- يواجه العائدون تحديات كبيرة، منها عدم توفر مدارس مؤهلة ومخاوف من مخلفات الحرب، لكنهم يشعرون بسعادة العودة إلى أرضهم رغم الصعوبات.
وسط الدمار الهائل الذي لحق بمدينة معرة النعمان في محافظة إدلب السورية جراء الحرب التي استمرت أربعة عشر عامًا، والتي تركت آثارها على البنى التحتية والمرافق العامة وحتى منازل المدينة، بدأت الحياة تعود ببطء شديد إلى المدينة، في مشهد يعكس صمود الشعب السوري رغم سنوات الحرب القاسية. وتبرز مشاهد الخيام المنتشرة فوق أنقاض المنازل دليلاً على تمسك السكان بأرضهم.
ورغم أن ركام المنازل يعيد فتح الجراح ويفطر قلوب أصحابها، اختارت عشرات العائلات من سكان مخيمات الشمال السوري العودة إلى أحيائها المدمرة في مدينة معرة النعمان، تاركة خلفها حياة المخيمات التي استمرت لسنوات طويلة.
إبراهيم الحمادي، رجل ستيني، اضطر قبل خمس سنوات إلى مغادرة منزله في الحي الجنوبي الشرقي من معرة النعمان مع عائلته إلى مخيمات مشهد روحين، شمال البلاد. وعندما عاد إلى مدينته بعد سقوط نظام الأسد، وجد منزله ومنازل أقربائه قد طاولها الخراب. من بين ممتلكاته، كان مستودع التبريد هو ما صمد نسبيًا رغم الدمار الجزئي وآثار الحرائق. شيد الحمادي داخل المستودع خيمة صغيرة بمساحة ستة أمتار مربعة ليعيش فيها مؤقتاً.
يقول الحمادي لـ"العربي الجديد": "بعدما فرّج الله كربتنا بتحرير سورية من الطاغية، لم أستطع تحمل البقاء في مخيمات اللجوء وعدت إلى أرضي مسرعًا. أشعر بسعادة غامرة رغم الدمار المحيط بي. لكن مدرسة الحي تعرضت للدمار أيضًا، ما منع كثيرًا من أقاربي من العودة بسبب التزامات أطفالهم في مدارس المخيمات المنتشرة".
أما مصطفى شعراوي، وهو أحد سكان الحي الشرقي في مدينة معرة النعمان، فيروي لـ"العربي الجديد" أثناء تجوله في المدينة قائلاً: "كان لشقيقي منزل جميل هنا، لكنه دُمر وسُرقت حجارته. شيد ولدي خيمة مكانه ويعيش فيها الآن مع أسرته. أما جاري أبو بلال، فقد كان يملك شقة من طابقين ولم يبق منها سوى جدارين فقط. وفي الجهة المقابلة، هناك منزل مدمر لجاري عبيد الضرير، الذي لا يملك ما يكفي لإعالة بنائه".
عاش مصطفى شعراوي وعائلته خمس سنوات من التهجير في غرفة واحدة وخيمتين على تلة قرب مدينة سلقين، غربي إدلب، في ظل ظروف قاسية للغاية. ومع سقوط نظام الأسد، عاد مباشرة إلى مدينته ليجد أن منزله تحول إلى أنقاض. قام بنفسه بتسوية الأرض ونقل خيمتيه إلى هناك.
ويعبر الشعراوي عن مخاوفه العديدة حالياً، أبرزها عدم قيام مختصين بالكشف عن مخلفات الحرب، ما يثير قلقه على سلامة أحفاده. كما يشكو من عدم توفر مدرسة مؤهلة في الحي، فضلًا عن صعوبة عبور الطريق الدولي M5 للوصول إلى سوق المدينة، بعدما دمر النظام الجسر الذي كان يربط شرق المدينة بغربها، مضيفا "أهل مدينة سلقين كانوا كالإخوة لي طوال سنوات التهجير، لكن لا بد من العودة إلى مدينتي وأرضي. الشعور بالعودة شعور رائع لا يمكنني وصفه، فقد انتصر الحق وعاد لأصحابه، وانهزم النظام الطاغي".