عودة السوريين إلى الأرض المحروقة جنوبي إدلب

26 يونيو 2025   |  آخر تحديث: 26 يونيو 2025 - 00:18 (توقيت القدس)
عمال بقرية خان السبل، 23 يونيو 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الوضع في معرة النعمان وريف إدلب الجنوبي: تعاني المدينة من دمار ونقص حاد في الخدمات الأساسية، مما يجعل الحياة صعبة. السكان يواجهون تحديات كبيرة مع غياب المستشفيات والأفران والمدارس المكتظة، مما يدفع المهجرين للتردد في العودة.

- التحديات في القرى المحيطة: القرى مثل حاس وخان السبل تعاني من نقص في المياه والكهرباء والصرف الصحي. السكان يعتمدون على الصهاريج، ويعيش الكثير في خيام أو غرف مرممة، مع نقص في المدارس والخدمات الأساسية.

- الجهود في سراقب: بدأت بعض المنظمات في تحسين الوضع بترميم البنية التحتية وتوفير مركز طبي متنقل، لكن المدينة لا تزال تفتقر إلى مستشفى وتعاني من مخلفات الحرب وانفجارات الألغام.

يبدو المشهد داخل مدينة معرة النعمان مثقلاً بالركام، لكن الناس كعادتهم يتمسكون بالحياة، في محاولة للتأقلم رغم شكواهم من ضعف الخدمات، ففي سوق الصاغة تجد نساء يشترين الخضار، وبعض صانعي الحلويات منهمكين بالعمل، ومع الصعود لأعلى الشارع، يتبادل بعض الرجال الحديث عن واقع المدينة خلال تناولهم أقداحا من الشاي.
يتبادل حسين فيلوني، الذي عاد بعد سقوط نظام الأسد إلى مدينة معرة النعمان، وجيرانه الحديث حول أكوام الركام التي لا قدرة للأهالي على إزالتها قائلاً لـ"العربي الجديد": "الوضع في مدينة معرة النعمان صعب للغاية، بسبب عدم وجود فرن للخبز، وعدم توفر المياه، وهناك مدرسة واحدة مهيأة للطلاب، وكل صف يضعون فيه 60 طالباً".
يتردد مهجرو المدينة في العودة، وفق ما أوضح فيلوني، بسبب ضعف الخدمات، ويتابع: "عندما يأتي الفقراء إلى معرة النعمان، يعودون إلى خارجها. أما الأغنياء، فلا يعودون، لكونهم مرتبطين بأعمالهم التي لا يمكن تسييرها من المدينة".
يقول: "كنت في لبنان، وعدت بعد التحرير، ولو كنت أعلم أن الواقع هكذا، لما عدت، لكني أيضاً لم أعد أستطيع العودة إلى لبنان، والوضع هنا تعيس للغاية، حيث لا يوجد مشفى، بل يوجد مركز طبي فقط للإسعافات".

دمار في خان السبل، إدلب، 23 يونيو 2025 (عامر السيد علي/العربي الجديد)
دمار في خان السبل، إدلب، 23 يونيو 2025 (العربي الجديد)

ويشير حميد كتلاني، وهو سبعيني من العائدين إلى المدينة، إلى أنه لا توجد مقومات للحياة في المدينة تساعد على عودة الأهالي، قائلاً لـ"العربي الجديد": "قلة هم الذين عادوا واستقروا في معرة النعمان. ليس هناك مقومات للحياة، لا صرف صحي، ولا ماء، ولا فرن. والخبز يأتي من خارج المدينة وبالكاد يُؤكل، والناس محرومون من المياه في أغلب الأوقات وتُجلب بالصهاريج، وسعرها مرتفع للغاية مقارنة بوضع الناس".
غادرنا مدينة معرة النعمان باتجاه قرية حاس، مروراً ببلدة كفروما. المشهد على جانبي الطريق هو ذاته في شوارع معرة النعمان، دمار وخراب، يتخلله بعض الأشجار التي يبدو أنها نجت من الحرق أو نبتت من تحت الرماد. كما تظهر شجيرات الشفلح، تشير إلى تجدد الحياة وإمكانية العودة، لا سيما أنها تنبت على جانبي الطريق الرئيسي المؤدي إلى قرية حاس.

سوق مدينة معرة النعمان، 23 يونيو 2025 (عامر السيد علي/العربي الجديد)
سوق مدينة معرة النعمان، 23 يونيو 2025 (العربي الجديد)

تبدو الحياة في حاس، أقل زخماً من مدينة معرة النعمان، لا سيما أن شارعاً رئيسياً واحداً يقسمها إلى قسمين، وهو شريان الحياة فيها. في آخر القرية، وقبل التوجه إلى مدينة كفرنبل، وقفنا عند محل تجاري يبدو أنه الوحيد في البلدة، بنهاية الشارع. يقول أحمد نجار لـ"العربي الجديد": "عاد 20% من السكان إلى القرية، فوجدوا الأرض محروقة وليس فيها مقومات الحياة. ولا قدرة للأهالي على ترميم البيوت، فجلسوا في خيام أو رمموا غرفة. وتفتقر القرية إلى فرن، وصيدلية، وصرف صحي".
وأضاف نجار: "الصرف الصحي مردوم، ومغلق، ولا يوجد ماء. الصهاريج تأتي من أماكن بعيدة لتزويد الناس بالمياه. ولا توجد كهرباء، الناس يعتمدون على ألواح الطاقة، ولا يملكها الجميع، نحن ننتظر أن يتغير الوضع، وأنا متفائل، لكن الوضع المعيشي صعب جداً، حيث نضطر لقطع مسافة عشرة كيلومترات للحصول على الدواء والخبز من معرة النعمان".

ضعف الخدمات في مدينة سراقب، 23 يونيو 2025 (عامر السيد علي/العربي الجديد)
ضعف الخدمات في مدينة سراقب، 23 يونيو 2025 (العربي الجديد)

في خان السبل، التي تقع على الطريق الدولي ما بين مدينتي سراقب ومعرة النعمان، لا يختلف الحال أيضاً عن باقي مدن ريف إدلب الجنوبي، حيث أوضح مختار البلدة عبد الرحمن الصطوف لـ"العربي الجديد" أن العوائل التي لديها طلاب في شهادتي التعليم الأساسي والثانوي لم تعد، ولا يوجد ماء ولا كهرباء، والصرف الصحي غير موجود أساساً. 

يضيف: "نعتمد على الجور الفنية، وبالنسبة للمستوصف لم يتم تفعيله حتى الآن، والمدارس شغلناها على نفقتنا للطلاب حتى الصف الثامن، وجهزنا جامعاً أيضاً بتبرع من أهل الخير. لم تأت منظمات لتشغيل الطرقات أو الترميم. الأهالي يعملون على ترميم الدور. ويعتمدون على الحرامات والبرادي للسكن، ويجلبون الخبز والخضار والبقالة من إدلب، الناس تعبت من النزوح والمخيمات".
من مدينة سراقب، يقول شاهر المحمد لـ"العربي الجديد": "بعد صبر ومعاناة مع التهجير على امتداد قرابة الخمس سنوات ونصف، عاد الناس إلى البيوت، لكنها تحتاج إلى ترميم، وما زلت نازحاً في مدينة إدلب. وأفكر في بيع البيت أو الأرض حيث تواجهنا الكثير من التحديات للاستقرار سواء في المخيمات أو البيوت. بعد توفير الإنترنت في المدينة وترميم عدد من المدارس، بدأت بعض المنظمات في العمل، مثل منظمة عطاء التي بدأت بترميم الصرف الصحي وشبكة المياه. وهناك مركز طبي متنقل، ونقطة طبية مشتركة من أهل سراقب، ولكن لا يوجد مشفى حتى الوقت الحالي".

ويطالب أهالي المدينة بمركز صحي لعلاج الحالات الطارئة، يقول المحمد: "تعرض قريب لي للدغة عقرب، ولا يوجد مشفى. هناك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى حل، كمخلفات الحرب التي تضرر بسببها الكثير، ولا تزال موجودة في إدلب أيضاً، فقد خسر ابني يده بسبب انفجار صاعق، وهو بحاجة إلى علاج، يضطرني للبقاء في إدلب من أجله".
وتعرضت مدن الريف الجنوبي في محافظة إدلب، لحملة تهجير كبرى في أواخر عام 2019 جراء القصف الجوي الروسي والعمليات العسكرية البرية التي شنها نظام الأسد المخلوع، في منطقة كانت تعرف سابقاً بمنطقة خفض التصعيد، حيث هجرت العمليات العسكرية أكثر من 700 ألف شخص من سكان المنطقة، وخلال سنوات من سيطرة قوات النظام على المنطقة، عملت على تدمير منازل السكان ونهب محتوياتها، إضافة لسرقة حديد التسليح بعد تحطيم الكتل الإسمنتية في الأبنية من أسقف وأساسات وغيرها، ليجد السكان أنفسهم عاجزين عن الترميم وسط دمار يفوق تصورهم.

المساهمون