عندما يخسر الغزيون بيوتهم مرّة أخرى

عندما يخسر الغزيون بيوتهم مرّة أخرى

19 مايو 2021
هنا.. كان لنا منزل (محمد الحجار)
+ الخط -

 

كثر هم الغزيون الذين خسروا بيوتهم أكثر من مرّة في قصف إسرائيلي أو غير ذلك. علاء شمالي واحد منهم، وهو اليوم يبحث عن مأوى في حين ترك أطفاله وكذلك عائلته لدى أقارب له في وسط مدينة غزة.

صباح يوم الأحد الماضي، في السادس عشر من مايو/ أيار الجاري، وصل علاء شمالي إلى شارع اليرموك غربيّ مدينة غزة بعد اتصال تلقّاه من حارس المبنى الذي يسكنه مذ ترك وعائلته حيّ الشجاعية شرقيّ المدينة. هو هرب من احتمالية أن يرتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة في ذلك الحيّ مثلما حصل في عام 2014. وكان الحارس قد اتّصل بشمالي لإبلاغه بأنّ قوات الاحتلال تنوي هدم المبنى بالكامل، وقد أمهلت سكانه نصف ساعة فقط لإخلائه. لم يتمكّن شمالي من الوصول إلا بعد 20 دقيقة من الاتصال، فتوجّه إلى الشقة التي تقطنها عائلته المؤلفة من سبعة أفراد، ثمّ خرج مسرعاً مع زوجته وأبنائه. ولأنّهم لم يتمكّنوا من الابتعاد كثيراً، اتّخذوا لأنفسهم مكاناً في الجوار، وانتظروا تدمير المبنى. وتوجّهت الأنظار كلها إلى مبنى أنس بن مالك الذي استهدفته طائرات الاحتلال بأربعة صواريخ، فأسقطته أرضاً وسط صدمة الجميع، كباراً وصغاراً.

يشير شمالي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ سكان المبنى جميعهم خرجوا من دون أن يحملوا معهم مقتنياتهم، إذ إنّ المهلة التي حدّدها الاحتلال لحارس البرج لم تكن كافية للسكان الذين كانوا قد أمضوا الليلة السابقة وسط القصف الإسرائيلي العنيف، وهو ما أجبرهم على النوم صباحاً قبل أن يستيقظوا على عجل ويخرجوا من منازلهم، مع العلم أنّ من بينهم أشخاصاً سكنوا في المبنى قبل أقلّ من عام.

الصورة
علاء شمالي في غزة 2 (محمد الحجار)
شيء ممّا تبقّى (محمد الحجار)

وشمالي البالغ من العمر 35 عاماً يعمل منذ 14 عاماً في صحيفة "فلسطين" التي دُمّر مقرّها في غزة في 12 مايو/ أيار الجاري، إذ إنّه كان يقع في برج الجوهرة الذي استهدفته كذلك الصواريخ الإسرائيلية. بالتالي، راح شمالي يعمل من بيته كما هي حال زملائه، لكنّه اليوم من دون مقرّ عمل ولا حتى بيت. وهذه المرة الثانية التي يُقصَف فيها بيته، بعد عدوان عام 2014 في حيّ الشجاعية. وعائلة شمالي تُعَدّ من العائلات الغزية المتجذّرة منذ القدم في مدينة غزة، وتقيم بمعظمها في حيّ الشجاعية، مع الإشارة إلى أنّها من العائلات التي قدمت عشرات الشهداء الفلسطينيين في خلال الانتفاضة الثانية وكذلك في خلال الحروب الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة. وكان شمالي قد غطّى الانتهاكات الإسرائيلية التي سُجّلت في الحروب السابقة على القطاع الرياضي وتابع الضحايا والجرحى من اللاعبين. ويرى أنّ عدوان عام 2014 كان مختلفاً عمّا هو العدوان الحالي، قائلاً إنّه على الرغم من أنّ هذا العدوان أشدّ حدّة بفعل عمليات الاستهداف المتكررة ليلياً والتي تقضي على عائلات بأكملها في مجازر متفرّقة فيما تجبر أخرى على النزوح، فإنّ مجزرة جماعية ارتكبت في حيّ الشجاعية في عدوان 2014 واستهدفت مرّة واحدة مئات العائلات.

ويخبر شمالي: "تركت حيّ الشجاعية الذي يُعَدّ على الحدود الشرقية لمدينة غزة باحثاً عن أمان في وسط مدينة غزة. رحت أبحث عن الراحة والتفكير بمستقبلنا ومستقبل أبنائي، لكنّ الخطر لاحقنا أينما وجدنا. وقُصف بيتنا أخيراً، وهكذا سوف يُضطر ثلاثة من أولادي أن يعيشوا نزوحاً ثانياً منذ ولادتهم، وهم لم يبلغوا بعد سنّ المراهقة". يُذكر أنّ لدى شمالي خمسة أولاد، أكبرهم ديما (12 عاماً) ثمّ يأتي عُبادة (11 عاماً) وصلاح (سبعة أعوام) وعبد الله (خمسة أعوام) فيما أصغرهم لينا (عامان). وهؤلاء تركوا ذكريات كثيرة وهم يخلون شقّتهم التي دُمّرت قبل ثلاثة أيام، علماً أنّ والدهم وفي خلال بحثه عمّا تبقّى من بيتهم الذي أمضى في تجهيزه وتصميمه أكثر من عامَين متواصلَين لم يجد سوى كتب ودفاتر أطفاله المدرسية بين الركام.

الصورة
علاء شمالي في غزة 3 (محمد الحجار)
هذا ما كان في يوم قريب (محمد الحجار)

ويستعيد شمالي ذكريات تجهيز المنزل وتأثيثه، كيف اختار الألوان ونوع الخشب والتصاميم مع مشاورة زوجته وأبنائهما. بالنسبة إليه، "لكلّ تفصيل حكاية. ظننت أنّها شقة العمر وأنّ أبنائي سوف يكبرون فيها. وضعت فيها كل ما جنيته من مال، لكنّ ذلك لا يهمّ الجندي الذي يضغط زراً. وهكذا ذهب جهد سنوات وكذلك أحلام الأطفال". وقبل ذلك، كان قد خسر مكانه كذلك في المسكن العائلي حيث كان يعيش في حيّ الشجاعية. ففي عدوان عام 2014، وتحديداً في 21 يوليو/ تموز، دُمّر المبنى بالكامل. عشرات من أفراد عائلته نجوا لحسن حظّهم، إذ كانوا قد أخلوا المبنى بالكامل قبل ساعات من المجزرة. لكنّ أفراداً آخرين من العائلة لم يتمكّنوا من الإخلاء، فوقعوا ضحايا المجزرة. وفقد بالتالي في خلالها ثمانية من أبناء عمومته ونساء وأطفالاً وابن خاله.

بعد عدوان عام 2014، استأجر شمالي منزلاً لأكثر من عام، لكنّه عندما لاحظ عدم إتمام عملية إعادة الإعمار بسرعة، رأى نفسه مضطراً إلى البحث عن منزل يشتريه بالتقسيط. لكنّه حتى اليوم، لم يتمكّن من سداد ثمن الشقة بالكامل. ما زال مضطراً إلى دفع 20 في المائة من ثمنها، على الرغم ممّا حلّ بها. فالمصرف سوف يستمر في حسم مبلغ شهري من راتبه، في وقت لا يعلم ما هو الوقت الذي سوف يتطلبه تأسيس بيت جديد لأبنائه.

تجدر الإشارة إلى أنّ ابنَي شمالي، ديما وعُبادة، ما زالا يحتفظان بذكريات عدوان 2014 على الرغم من أنّهما كانا طفلَين. فدينا كانت في السادسة من عمرها وعُبادة في الخامسة، وهما ما زالا حتى اليوم تحت وقع تلك الصدمة. أمّا صلاح، فلم يكن قد بلغ حينها عامه الأوّل، لكنّ تفاصيلها لم تفته من خلال الأحاديث التي تُتداول. وفي خلال هذا العدوان الذي بدأ قبل أيام، حاول شمالي وزوجته أن يخفّفا على أولادهما، لكنّهما فشلا بعدما شهدوا تدمير منزلهم بأعينهم.

المساهمون