Skip to main content
عشوائيات في بنغلادش تؤوي نازحي المناخ
20 مليون بنغلادشي يعيشون في العشوائيات عند أطراف العاصمة دكا (منير أوز زمان/ فرانس برس)

خسرت بيبي سلمى وزوجها محمد علي أصغر منزلهما ثلاث مرّات قبل انتقالهما إلى حيّ عشوائي في دكا تتسّع رقعته سريعاً، ليكونا من بين ملايين البنغلادشيين الذين أُجبروا على ترك بيوتهم من جرّاء ارتفاع منسوب المياه.

ويشير خبراء إلى أنّ البلد الفقير الواقع على دلتا، والذي يضمّ 170 مليون نسمة، يستعدّ لأكبر موجة نزوح في تاريخ البشرية، من جرّاء تغيّر المناخ.

وتخبر سلمى البالغة من العمر 35 عاماً والمتحدّرة من جزيرة بولا، الواقعة جنوب وسط بنغلادش، على بعد 300 كيلومتر من العاصمة دكا: "أتذكّر كيف غرق منزلنا كلياً تحت المياه في خلال فيضان. حصل الأمر بسرعة كبيرة، واختفى السطح خلال دقائق". وتضيف لوكالة "فرانس برس" وهي تقف أمام كوخ تتشاركه مع زوجها وأطفالهما الأربعة: "كان النهر متدفقاً. أتى تدريجياً على كامل أراضينا الزراعية، واقترب من منزلنا في أحد الأيام. بساتيننا... مساكننا... لم يتبقّ شيء".

وتقيم العائلة حالياً في غرفة تبلغ مساحتها عشرة أمتار مربّعة، وهي لا تملك إلا بعض الأواني المطبخية وفرشة واحدة ينام عليها جميع أفراد العائلة. وكانت الفيضانات تدمّر كلّ منزل يسكنونه، قبل أن يُجبر أصغر على الاقتراض لشراء المنزل التالي. وعندما لم يعد في مقدوره الاقتراض، غادر مع عائلته إلى المنطقة العشوائية المزدحمة الواقعة عند أطراف العاصمة دكا التي يسكنها 20 مليون نسمة.

ولطالما تأثّرت بنغلادش، هذا البلد المنخفض حيث تمرّ أنهر موحلة فوق خليج البنغال، بتقلّبات الطبيعة. وعندما ضرب إعصار بولا الجزيرة في عام 1970، كان جدّا أصغر وعدد من أعمامه وعمّاته من بين نحو نصف مليون شخص قضوا فيه. ويحكي أصغر البالغ من العمر 40 عاماً: "ارتفع منسوب المياه إلى ستة أمتار، بسرعة شديدة. فغرق جدّي وأعمامي وعمّاتي في غضون ثوانٍ أمام أنظار والدي".

ويتابع أصغر، الذي يجني نحو 7.50 دولارات أميركية يومياً من خلال بيع عصير قصب السكر على جانب الطريق، وهو يمسح دموعه: "لم يتمكّن والدي طوال حياته من تجاوز هذه المأساة المروّعة".

بيبي سلمى:  بساتيننا... مساكننا... لم يتبقّ شيء (منير أوز زمان/ فرانس برس)

ويحذّر العلماء من أنّ الأعاصير باتت تتكرّر أكثر فأكثر. ويساعد تحسين القدرة على التنبؤ بها في إجلاء السكان في الوقت المناسب. لكن نظراً إلى أنّها باتت تترافق مع فيضانات متكرّرة أكثر من أيّ وقت مضى ومع تعرية نهرية، باتت المعيشة صعبة بالنسبة إلى كثيرين.

وعلى ضفاف نهر بادما، أحد روافد الغانج، يشير أفسار ديوان إلى موقع منزل من الصفيح والطوب والباطون كان قائماً قبل يوم فقط، إلى أن جُرف مع مئات المنازل الأخرى في بلدة مانيكغانج وحولها. ويقول: "كانت هناك مدرستان (إسلاميتان) ومسجد. ابتُلعت كلّها. حتى القبور جُرفت بالمياه. كان والدي وأعمامي مدفونين هناك". وسوف يتعيّن الآن على الرجل البالغ من العمر 65 عاماً الاقتراض، علماً أنّ الفوائد تتجاوز أحياناً قيمة القرض. لكنّه لا ينوي الانضمام إلى صفوف الفارين من القرية إلى دكا الواقعة على بعد مائة كيلومتر، مصراً على أنّه ما زال يملك أرضاً زراعية يمكنه استخدامها.

وبحسب مركز مراقبة النزوح الداخلي، نزح نحو خمسة ملايين بنغلادشي بين العامَين 2008 و2014، وقد انتقلوا بمعظمهم إلى دكا أو شيتاغونغ. ويفيد البنك الدولي بأنّ نحو 13.3 مليون شخص إضافي قد ينزحون كذلك بحلول عام 2050. كذلك، يغادر كثيرون البلاد. ففي كلّ عام، يغادرها نحو 700 ألف بنغلادشي للعمل في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. ويُعَدّ البنغلادشيون من بين الجنسيات الرئيسية التي تحاول الوصول إلى أوروبا عن طريق الهجرة السرية.

وبُنيت في دكا عشرات آلاف المنازل في العامَين الأخيرين، خُصصت بأكثر من نصفها للنازحين من جرّاء المناخ، خصوصاً ضحايا التعرية النهرية، بحسب النائب تنوير شاكيل جوي، المسؤول عن الكتلة البرلمانية المعنيّة بتغيّر المناخ في البلاد.

من جهته، يقول وزير إدارة الكوارث والإنقاذ محمد محسن لوكالة "فرانس برس" إنّ بنغلادش تخطط هذا العام لبناء 10 آلاف منزل إضافي لهؤلاء. لكنّ الدراسات التي أعدّها "مركز الخدمات الجغرافية والبيئية" تُظهر أنّ نحو 50 ألف شخص يفقدون منازلهم سنوياً منذ عام 2004 على ضفّتَي النهرَين الرئيسيَّين في الهيمالايا، الغانج وبراهمابوترا.

ومن المتوقّع أن تؤكّد بنغلادش في الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) التي تُعقَد في غلاكسو باسكتلندا بعد أيام، مجدداً التحديات التي تواجهها من جرّاء الظروف المناخية القاسية، وأن تطالب بمساعدة دولية لتتمكّن من التأقلم.

لكنّ جوي يرى أنّه "عندما نتحدّث عن الهجرة الناجمة عن المناخ في الساحة الدولية، تتجنّب الدول الغنية النقاش". يضيف أنّه "ما زال على الدول الغربية التي تتحمّل الجزء الأكبر من مسؤولية الاحتباس الحراري، الاعتراف بأنّ التغيّر المناخي يقف وراء موجة الهجرة والنزوح الضخمة". ويتابع جوي: "سوف يدخلون في حالة ذعر فور إثارتنا مسألة نازحي ولاجئي المناخ. هاجسهم هو أنّهم إذا اعترفوا بالأمر، قد يتعيّن عليهم استقبال بعض من هؤلاء".

(فرانس برس)