عدم المساواة في فرص الحصول على اللقاح

عدم المساواة في فرص الحصول على اللقاح

25 فبراير 2021
تجهيز لقاح في مستشفى المازن بالخليل (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -

 

بصفتي عاملاً في المجال الطبي، أجد نفسي مزعزعاً أمام ما يحصل في فلسطين. يتردد صدى نجاح حملة التلقيح التي تجري في إسرائيل حول العالم، إلا أنّ في طياتها جانباً مظلماً يلقي بظلال تأثيره المروّع على سكان الضفة الغربية حيث أعمل، وعلى سكان قطاع غزة المحاصر، حيث يعمل زملائي في منظمة "أطباء بلا حدود".

تمكنت السلطات الإسرائيلية من تلقيح نحو 4.2 ملايين شخص بالجرعة الأولى من اللقاح، ما يمثّل حوالي 50 في المائة من السكان، و2.8 مليون شخص بالجرعتين اللازمتين منه، أي أكثر من 30 في المائة من السكان أيضاً. لكن في الوقت نفسه، لا تتوفر في الضفة الغربية سوى بضعة آلاف من الجرعات، إلى جانب 22 ألف جرعة بُلّغ عن وصولها إلى غزة في الأيام الماضية، علماً أنّها لا تلبي إلاّ قليلاً من حاجة السكان. وفي أفضل الأحوال، إذا فرضنا توفر كامل الـ35 ألف جرعة التي بُلّغ عن وصولها من لقاحي "سبوتنيك في" و"موديرنا"، ستسمح أعداد الجرعات في فلسطين بتلقيح 0.8 في المائة فقط من السكان الفلسطينيين.

لتوضيح الصورة بشكل أفضل، فإنّ فرص تلقي اللقاح في إسرائيل أفضل بـ60 مرة مقارنة بفلسطين. تتحمل إسرائيل بصفتها سلطة الاحتلال مسؤولية ضمان توفير الإمدادات الطبية للسكان الذين يعيشون تحت احتلالها، بالإضافة إلى "اعتماد الإجراءات الوقائية اللازمة وتطبيقها لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة" إلى "أقصى حد تسمح به الوسائل المتاحة".

أتيت إلى الخليل مع فريق أطباء بلا حدود خصيصاً للمساعدة في الاستجابة لمرض كوفيد-19. في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما ضربت الموجة الثانية من التفشي الضفة الغربية، امتلأ مستشفى "الدرة"، حيث نقدّم الدعم الطبي للمصابين بمرض كوفيد-19. كان المرضى في الغالب من كبار السن، والعديد منهم يعانون من السكري أو أمراض مزمنة أخرى، وتوفي الكثير منهم. صحيح أنّ مصابين بكوفيد-19 توفوا في المستشفيات حول العالم، لكنّ هؤلاء المرضى قضوا تحت إشرافي، أمرٌ يؤلمني للغاية.

المرأة
التحديثات الحية

في 8 محافظات من أصل 11 محافظة في الضفة الغربية، تزداد أعداد الإصابات بكوفيد-19 من جديد. في الخليل، اتسمت هذه الزيادة بالبطء والثبات خلال الأسابيع الأربعة الماضية. لا أود رؤية مزيد من المرضى يموتون بسبب نقص الأكسجة. أرى في اللقاح بارقة أمل، لكنّه مصدر يأس في الوقت نفسه.

على بعد كيلومترات قليلة في إسرائيل، تلقت الفئات المعرّضة للخطر اللقاح وتتجه الحملة الآن نحو تلقيح البالغين والشباب الأصحاء، الذين هم أقل عرضة للخطر، ومنها خطر الإصابة بالمضاعفات الشديدة. يتوفّر في الضفة الغربية نحو 10 آلاف جرعة، ما يكفي لتلقيح 5000 شخص. في المستشفى حيث أعمل، عُرض اللقاح على الموظفين، لكنّ الجرعات المتاحة لا تكفي لتغطية العاملين في مجال الرعاية الصحية بالكامل، ناهيك عن كبار السن والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية تعرّضهم لخطر الوفاة في حال الإصابة بكوفيد-19.

لا أملك جواباً يشرح سبب العجز عن تلقيح الأشخاص الذين هم في أشدّ الحاجة إلى اللقاح في فلسطين. الأمر لا يفسّر ولا يصدّق. بل هو مجحف وقاسٍ. وردت معلومات عن لقاحات إضافية في طريقها إلى فلسطين بفضل آليات تبرع مختلفة، لكنّها لم تصل بعد، فيما على بعد نصف ساعة بالسيارة، تمتلك إسرائيل أكواماً من اللقاحات.

يتملكني غضب، لكنّ غضب زملائي في غزة أشد. لطالما واجه العاملون في القطاع الصحي صعوبات كبيرة، لكنّ مستشفى "الدرة" في الخليل تمكن من الحصول على معظم الإمدادات اللازمة لمعالجة مرض كوفيد-19، وتمكن فريق "أطباء بلا حدود" من تدريب الطاقم الطبي أثناء عمله لتعزيز قدرة الموظفين على إدارة الحالات الشديدة والحرجة، إذ كانت جميعها بحاجة إلى الأوكسجين. أمّا القطاع الطبي في غزة فيعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية والأدوية نتيجة صرامة الحصار. يعاني العاملون من محدودية القدرة على توفير العلاج لكوفيد-19، لذا فإنّ حاجتهم إلى اللقاح أكبر. ولن تكفي الـ22 ألف جرعة التي وصلت مؤخراً لحماية كلّ من العاملين في مجال الرعاية الصحية والأشخاص الأكثر عرضة لمضاعفات كوفيد-19 الحرجة.

إسرائيل سلطة احتلال في حوزتها الملايين من اللقاحات. فلسطين أرض محتلة بالكاد تملك بضعة آلاف من اللقاحات. بصفتي عاملاً في مجال الطب، لا يهمني من سيجد الحلّ لهذه المسألة. بل يهمني أن تولى الأولوية لتلقيح الفئات الأكثر عرضة للخطر. إنّ فرص تلقي اللقاح في إسرائيل أفضل بـ60 مرة مقارنة بفلسطين، وهو أمر مشين لا يكفّ عن التردد في ذهني. وتبقى الفئات الأكثر عرضة للخطر في فلسطين من دون حماية.


*ممرض يشغل منصب مدير طبي في مشروع استجابة منظمة أطباء بلا حدود لتفشي مرض كوفيد-19 في الخليل في الضفة الغربية

المساهمون