عجائب النخلة

عجائب النخلة

16 مايو 2021
النخلة تظل تمنح وتعطي إلى آخر أيام حياتها (إيريك لافورغ/ getty)
+ الخط -

لم أجد تفسيراً لموت نخلات جدي مجتمعة بعد رحليه بأعوام قليلة، إلا عندما أطلعني الخبير الزراعي هاشم محمد الحسن على هذه المقارنة العلمية المدهشة بين شجرة النخيل والبشر! تبدأ المقارنة بكون النخلة هي أول ما وُجِد من شجر على الأرض، وأنها تحاكي أنثى البشر في فترة الحمل والولادة، إذ تبدأ بإخراج طلعها في يناير/ كانون الثاني، ليحصد في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، تماماً مثل المرأة (تسعة أشهر وتسعة أيام)، وبعضها يطرح ثمره في سبعة أشهر كالأطفال الخُدّج، ويسمى هذا النوع (الرطَب). كما أن بين النخل ذكوراً وإناثاً بعكس باقي الأشجار، وهي كالإنسان إذا قطع رأسها تموت من فورها، بينما نجد باقي الأشجار تنبت حتى لو اجتُثّ كل ما يظهر منها على سطح الأرض.
إحدى الخصائص التي جعلتني أعود إلى السنوات القليلة التي أعقبت رحيل جدي، وملاحظة نخلاته، أنها بدأت في الانحناء، واحدودبت سيقانها الطويلة التي كانت ممدودة شامخة، مثلما حدث لجدي بعدما تجاوز عمره التسعين عاماً، ما يؤكد أنه غرسها في صباه الباكر كما حدثنا بذلك. وبالفعل، عاشت بعده لسنوات تجاهلناها خلالها حتى علمنا بسقوطها في يوم واحد إثر عاصفة خفيفة ما كان لها أن تفعل فيها شيئاً قبلاً.
وجه شبه آخر جعلني أعود لأحد الأطباء لأكمل هذه المقارنة العجيبة، فقد اعتاد أهلنا في شمال السودان تحميل سقوف بيوتهم فوق جذوع النخيل، حيث يشقق الساق الأسطواني إلى أربع شقائق (فلقات)، يمددونها متباعدة على طول الغرفة، ثم يضعون عليها السقف المكون من جريد النخل والعشب، ومن فوقه الطين اللبن. وإذا انكسرت الفلقة وُصِف صاحب المنزل بقلة المعرفة، لأنه يكون قد استخدم فلقة نيّئة، غير قابلة لحمل السقف، ما يعني أن النخلة حينها كانت في حالة حمل، هشة وضعيفة، في إشارة لتفتح مسامها ليعبر الغذاء والماء من باطن الأرض نحو الجنين، تماماً كالمرأة عند حملها تكون ضعيفة هشة، تحمل جنينها (وهناً على وهن)، بحسب الطبيب.
النخلة تحمل الأجنة ملتصقة بها، تمتص منها الغذاء، ولا تكون كباقي الأشجار متصلة بالأرض. ولإنبات الأجنة عبر عملية (التصفيح)، يقوم المزراع صاحب الخبرة بفصل الجنين، ووضعه مع القليل من الطين في إناء من الصفيح أو البلاستيك، ويتعهده بالري والرعاية لفترة تكفي لكي تنشأ له جذور، ويصبح معتمداً على نفسه فيغرسه في الأرض.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومن أوجه الشبه هذه التنوّع الفريد في ثمار النخيل، ألوانها وطعمها وشكلها. تنوع لا مثيل له إلا عند البشر الذين خلقوا شعوباً وقبائل. سحنات وألوان. فقد تجد في بستان واحد أكثر من نوع من التمر، مثلما تجد في مجتمع واحد طيفاً من الأعراق والإثنيات. كما أن النخلة تظل تمنح وتعطي إلى آخر أيام حياتها.  
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون