عامان من الإبادة... أطفال غزة في قبضة الموت تجويعاً ومرضاً
استمع إلى الملخص
- منذ مارس 2023، أغلقت إسرائيل المعابر المؤدية إلى غزة، مما تسبب في نقص حاد في المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية، مع تعرض شاحنات الإغاثة للسطو.
- توفي 460 فلسطينياً بسبب سوء التغذية خلال الحصار، وأعلنت المبادرة العالمية حالة المجاعة في غزة، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي وارتكاب إبادة جماعية بدعم أميركي.
يوماً بعد آخر، وعلى مدار عامين، تشتدّ وتيرة الحصار الإسرائيلي الجائر على الفلسطينيين في قطاع غزة، بمنع دخول الغذاء والدواء. وقد توالت قصص مأساوية لأطفال قضوا جوعاً وآخرين يرقدون على أسرّة النزوح والمستشفيات بأجساد هزيلة تصارع الموت.
في يوليو/تموز الماضي، ظهر الطفل محمد المطوق (عام ونصف) في خيمة نزوح غرب غزة بجسد لا يتجاوز وزنه ستة كيلوغرامات، بعد أن فقد ثلاثة كيلوغرامات بسبب سوء التغذية. أضلاعه البارزة وبكاؤه الواهن فضحا سياسة التجويع الإسرائيلية، فيما لم تجد والدته سوى ماء تُسكته به، بعدما نفد الغذاء والحليب. ويعيش الطفل الذي انتشرت صوره في أنحاء العالم ظروفاً صحية ومعيشية متردية تهدّد حياته، بعدما بدأ الجوع يفتك بجسده؛ من جراء إغلاق المعابر.
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي تغلق إسرائيل المعابر المؤدية إلى غزة، مانعةً أي مواد غذائية أو مساعدات إنسانية، ما أدخل القطاع في مجاعة رغم تكدّس شاحنات الإغاثة على حدوده. وأحياناً تسمح إسرائيل بدخول مساعدات قليلة جداً لا تُنهي المجاعة، لا سيّما مع تعرض معظم الشاحنات للسطو من عصابات تقول حكومة غزة إن إسرائيل تحميها.
مشاهد لسوء التغذية في غزة: كريم أنفاسه معلقة بأنبوب أكسجين، وأسامة أصبح هيكل عظمي على سرير المستشفى
لم يتجاوز وزن كريم معمر (ثلاثة أعوام) سبعة كيلوغرامات، ويتنفس بصعوبة خلف أنبوب أكسجين، بعدما أنهكه الجوع والمرض من جراء الحصار الإسرائيلي. يعاني كريم من "متلازمة فانكوني" الوراثية، لكن الحصار الإسرائيلي ونقص العلاج والمكمّلات الغذائية ضاعفا هشاشته، ليصبح جسده شاهداً حيّاً على جريمة التجويع. وهذه المتلازمة حالة كلوية نادرة، إذ تفشل الأنابيب الكلوية القريبة في إعادة امتصاص المواد الأساسية، مثل الجلوكوز، والفوسفات، والأحماض الأمينية والبيكربونات، ما يؤدي لإفرازها في البول. وتشمل الأعراض: كثرة التبوّل والعطش الشديد وآلام العظام وضعف العضلات.
تحوّل أسامة الرقب (أربعة أعوام) إلى ما يُشبه الهيكل العظمي، بعدما تراجع وزنه إلى تعسة كيلوغرامات فقط، في وقت يفترض ألّا يقل عن 16 كيلوغراماً. جسده الهزيل، الذي برزت فيه عظام الصدر والبطن، ظهر في مقطع مصوّر أثار صدمةً واسعة، ليكشف حجم المأساة الإنسانية والعجز عن توفير الغذاء أو العلاج تحت وطأة الحصار الإسرائيلي.
مسك بلال المدهون (ستة أعوام) تعيش في مدينة غزة صامتةً بلا قدرة على النطق أو الجلوس، بعدما برزت عظامها الهشّة من جراء ضمور دماغي تفاقم مع سوء التغذية.
نماذج من وفيات التجويع الإسرائيلي في غزة
في 30 أغسطس/آب 2025 توفيت الرضيعة رانيا غبن في مستشفى الرنتيسي، متأثرةً بسوء التغذية ونقص العلاج. وفي 23 أغسطس 2025 توفيت الرضيعة راسيل أبو مسعود (شهران) في مستشفى ناصر، وقد وثّقت عدسات الكاميرا جسدها الهزيل داخل ثلاجة الموتى. وفي 22 من ذات الشهر فقدت الرضيعة غدير بريكة (خمسة أشهر) حياتها، متأثرةً بسوء التغذية، فيما قال والدها إن ابنته "توفيت بسبب نقص الحليب"، وإغلاق المعابر حال دون توفيره.
وفي7 أغسطس توفيت رؤى ماشي (عامان) في مستشفى ناصر بخانيونس، وأفاد الأطباء بأنها ماتت بسبب الجوع. وكذا محمد زكريا عصفور (عام وأربعة أشهر) فارق الحياة في مستشفى ناصر بسوء تغذية، وتداول ناشطون صوراً لجسده وقد برزت عظامه بشكل مخيف.
وفي مايو/ أيار 2025 فقدت الشابة الفلسطينية آية السكافي رضيعتها جنان (أربعة أشهر)، التي توفيت بين ذراعيها بسبب سوء التغذية ونقص الدواء. وقالت الأم إنها تخشى أن يلقى طفلها الآخر المصير ذاته، في ظل استمرار الإبادة والحصار الإسرائيليين. كذلك توفيت الطفلة جنان صالح السكافي في مستشفى الرنتيسي؛ بسبب سوء التغذية والجفاف. وفارق محمد مصطفى ياسين (أربعة أعوام) الحياة بسبب الجوع، بحسب الدفاع المدني. وفي 14 أغسطس 2024 فقدت لينا الشيخ خليل (أربع سنوات) حياتها وسط قطاع غزة بسوء التغذية. وفي يوليو/ تموز 2024 توفي الطفل حكمت بدير (ستة أعوام) جراء سوء التغذية في دير البلح.
وخلال عامين من حرب الإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل بدعم أميركي، لم تقتصر المأساة على ضحايا العدوان العسكري المباشر، إذ حصدت سياسة التجويع الإسرائيلية الممنهجة، وما سبّبته من سوء تغذية، أرواح 460 فلسطينياً، بينهم 154 طفلاً. وفي 22 أغسطس/ آب 2025 أعلنت المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي حالةَ المجاعة في مدينة غزة شمال القطاع. وتوقعت المبادرة - دولية لتحليل أوضاع الأمن الغذائي والتغذية - امتداد المجاعة إلى محافظتي دير البلح (وسط) وخانيونس (جنوب). وتضمّ المبادرة 21 منظمة بارزة، بينها منظمة الأغذية والزراعة "فاو"، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال "يونيسف"، والصحة العالمية، وأوكسفام، و"أنقذوا الأطفال". وخلال الشهور الماضية، حذّر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، من أنّ "ثلث سكان غزة (من أصل نحو 2.4 مليون فلسطيني) لم يأكلوا منذ أيام عدة".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل، بدعم أميركي، إبادة جماعية في غزة، خلّفت 67 ألفاً و139 شهيداً، و169 ألفاً و583 جريحاً، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 460 فلسطينياً بينهم 154 طفلاً. ومنذ عقود تحتلّ إسرائيل فلسطين وأراضي في سورية ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.
(الأناضول)