عادات رمضان تركيا... حق الملح وأجر الأسنان ودفتر الذمم

27 مارس 2025   |  آخر تحديث: 00:21 (توقيت القدس)
أمام الجامع الأزرق في إسطنبول، 1 مارس 2025 (ياسين أكجول/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتنوع مظاهر الالتزام بشهر رمضان في تركيا بين المناطق، حيث يظهر الالتزام الديني بشكل أكبر في الشطر الآسيوي من إسطنبول مقارنة بالشطر الأوروبي العلماني، مع استمرار بعض العادات الرمضانية مثل "دفتر الذمم" و"حق الملح".
- العادات العثمانية الرمضانية لا تزال حاضرة، مثل وثيقة التنبيهات لضبط الأسواق، والتي تطورت إلى قرارات حكومية، وزيارة الأمانات المقدسة، بينما اختفت عادات أخرى مثل "خروج الجرة".
- طقوس رمضان تعكس قيم الرحمة والتكافل الاجتماعي، من خلال موائد الرحمن وتبادل الهدايا، مما يعزز العلاقات الاجتماعية ويدعم العمل الجماعي لتحقيق العدالة والإنصاف.

قد لا ترى الالتزام الرمضاني في الشوارع بولايات تركية محددة، حيث المطاعم والمقاهي لا تغلق أبوابها أثناء نهار شهر الصيام، فالعلمانية وحرية المعتقد والسلوك منحت الأتراك حرية التعاطي الشخصي مع العبادات. فيما تبقى مراعاة خصوصية الآخرين شعاراً يغلب عليه العرف الاجتماعي أكثر مما يحدده الفرض الديني.
في مدينة إسطنبول، يقال عن الشطر الآسيوي إنه أكثر التزاماً بالزي والطقوس الدينية، لكن ذلك لا ينسحب على الشطر الأوروبي، أو أحياء محددة منه، مثل كادي كوي وجيهان غير وشيشلي وغيرها من المناطق التي يغلب عليها الطابع العلماني. ورغم أن حي الفاتح الشهير باحتضانه أهم وأكبر جوامع تركيا، مثل المسجد الأزرق، ومسجد الفاتح، يقع في الشطر الأوروبي، لكنه يعيش عادات وطقوس رمضان كما كانت أيام الخلافة العثمانية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويقول ساركان كوركماز، من حي بيليك دوزو بإسطنبول، لـ"العربي الجديد": "ثمة طقوس رمضانية متوارثة بقيت بحكم العادة التي لا تخرق، بصرف النظر عن التزام التركي بالفرائض والعبادات، وقد تجد غرابة تثير الدهشة من التزام أتراك بعادات مثل دفتر الذمم وتبييض ديون الفقراء، والتي تراجعت كثيراً، والمفاجأة أن يقوم بها مغتربون، أو أغنياء لا يظهر عليهم الالتزام الديني، كما تقوم بها جمعيات وشخصيات عامة".
يضيف كوركماز: "هناك عادات قائمة مثل (حق الملح) أمام الزوجة، وقد يكون الزوج والزوجة لا يصومان كامل شهر رمضان، أما عادة (أجر الأسنان) فقد تبدلت نظراً لاختلاف الظروف وطبيعة تطور العادات الاجتماعية، لكن الكثير من الأتراك يمارسونها، وإن بطرق مبتكرة تناسب الوقت الحالي، فبدلاً من دعوة عشرات أو أكثر للإفطار، تتم الدعوة إلى المطاعم تحقيقاً للعادة، وبدل منح المال في أكياس مخملية، كما كان يفعل العثمانيون، يستعاض عنها بمساعدات وهدايا".

صلاة في أيا صوفيا، 7 مارس 2025 (أغوز يتير/الأناضول)
صلاة في آيا صوفيا، 7 مارس 2025 (أغوز يتير/الأناضول)

وتقول الأكاديمية التركية، سمية غيلدر، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك عادات عثمانية، غير دفتر الذمم وثمن الملح وأجر الأسنان، ولا تزال متوارثة، وإن بشكل آخر، من بينها وثيقة التنبيهات التي كانت تصدر بأمر سلطاني، وتنص على التزام الأسواق والباعة بقواعد محددة، منها عدم الجشع والاستغلال، وكانت الدولة العثمانية تشكل لهذه الغاية هيئة مراقبة خاصة، وهذا الأمر لم يزل قائماً، وإن وفق التطور الإداري للدولة، فالحكومة تصدر قرارات قبل رمضان حول التسعير، وتشكل لجان مراقبة للأسواق".
تضيف: "هناك طقوس خاصة متوارثة منذ العثمانيين أيضاً، كزيارة الأمانات المقدسة التي تعود إلى النبي والصحابة في قصر طوب كابي، وعباءة الرسول في جامع الخرقة الشريفة، بينما كثير من العادات اختفى، مثل خروج الجرة أي ذهاب طلبة العلوم الشرعية إلى مناطق نائية للقيام بدور الإمام والمؤذن خلال شهر رمضان، في مقابل أجر ومساعدات يقدمها أهل المنطقة".
وحول عادة "دفتر الذمم"، توضح غيلدر أنها "عادة عثمانية كان يقوم بها الأثرياء وأصحاب المناصب، ولم تزل قائمة، وإن تراجعت في المدن الكبرى، وتتمثل بشراء دفاتر الديون من الباعة، وحرقها أمام المحل لإراحة الفقراء من هموم الدين قبل حلول عيد الفطر، لكن هناك شروطاً، أولها ألا يعرف من دفع الديون، وثانيها أن لا يكون المتكفل من الحي نفسه، كما ليس شرطاً شراء كامل الدفتر، إذ يختار فاعل الخير اسماً، ويدفع ديونه، ويقول للبائع قل له سددها فاعل خير".

عادة زيارة الأمانات المقدسة، 14 مارس 2025 (كريس مكجارث/Getty)
زيارة الأمانات المقدسة، 14 مارس 2025 (كريس مكجارث/Getty)

أما "أجر الأسنان"، فتعني شكر الله على التمتع بالصحة طيلة الشهر، ويفسرها البعض بأنها ثواب من أكل عندك، وتتلخص في دعوة ضيوف أو فقراء أو مشردين إلى إفطار رمضاني، وبعد تناول الطعام يقوم صاحب الدعوة بمنحهم أكياساً فيها نقود فضية وذهبية وسبحات وخواتم. لكن هذه العادة تراجعت كثيراً، وبات يستعاض عنها بدعوة الأهل والأقارب، أو دعوة الفقراء إلى ما يسمى "موائد الرحمن"، كما تبدلت أكياس المخمل بدفع مبالغ مالية، سواء كصدقة أو مساعدة.
وآخر عادات شهر رمضان في تركيا، والتي تمارس صبيحة يوم العيد، هي "حق الملح"، وتقول الأكاديمية التركية غيلدر إنها انتشرت في كثير من البلاد الإسلامية، خاصة في المغرب العربي، وتتلخص في تقديم هدية ثمينة، عادة من الذهب، للزوجة صباح عيد الفطر، تكريماً لها، واعترافاً من الزوج بما بذلته خلال شهر الصوم من تعب وطهي وعناية بالأولاد.
وطقوس هذه العادة جميلة، إذ تستقبل الزوجة التركية زوجها العائد من صلاة العيد بكامل زينتها، وتقدم له القهوة إلى جانب الحلويات، ولا يعيد الزوج فنجان القهوة فارغاً، بل يضع فيه هدية "حق الملح"، وهذه العادة متبعة حتى اليوم، وتطالب الزوجة بهديتها على حسب إمكانات الزوج.
ويرى أستاذ علم الاجتماع، رجب شان تورك، أن هدف جميع الأديان هو الإنصاف والعدالة، والأخذ بيد الفقراء، ورفع الحيف عن المظلومين، وتتم العدالة الاجتماعية عبر العادات المتوارثة. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "طقوس رمضان، العثمانية أو الإسلامية بشكل عام، يغلب عليها طابع الرحمة والتسامح ومساعدة المحتاجين، وليتها تستمر طوال العام، فترى إطعام الفقراء بموائد عامة، وترى تبادل الهدايا، وتأتي صدقة الفطر، قبل يوم العيد تحديداً، لتمكين الفقراء من تأمين اللباس والطعام لأسرهم كي لا يشعروا بالدونية".

ويشير شان تورك إلى أن "طقوس رمضان تترجم التكافل الاجتماعي وفق ما ابتدعته المنظمات الإنسانية لاحقاً، فالصيام يعني الشعور بالآخرين، وتقدير معاناة الفقير، ومساعدته، والعطاء باتت تقام له مؤتمرات ويقوم به مانحون، كما أن التواصل الاجتماعي عبر موائد الرحمن والزيارات، وحتى لقاءات ما بعد الصلوات غاية تهدف إلى تقوية العلاقات، وإيجاد صلات بين البشر، فضلاً عن تأصيل العمل الجماعي عبر تكوين جماعات، أو المشاركة في مبادرات لإيفاء الديون، وتقديم المساعدات، وشراء الاحتياجات، وفي ذلك تعزيز للعلاقات، وإبراز روح التآزر بين أفراد المجتمع، ونزع للعدوانية والفوقية، وهذا صلب علم الاجتماع الذي ينطلق من تشخيص التفاعل الاجتماعي، وينتهي بتحسين العلاقات الاجتماعية".

المساهمون