ظاهرة المساكن العشوائية تغزو مدن العراق أمام عجز حكومي

ظاهرة المساكن العشوائية تغزو مدن العراق أمام عجز حكومي

13 يونيو 2022
نحو 3 ملايين و400 ألف مواطن يسكنون العشوائيات في العراق (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

تتسع مشكلة المجمعات السكنية العشوائية في المدن العراقية، مع ما تتسبب فيه من مشاكل أمنية وخدمية واجتماعية عديدة، وذلك في ظل استمرار عجز الحكومات المتعاقبة عن معالجة هذه الظاهرة، التي لم يعرفها العراقيون قبل الغزو الأميركي لبلادهم عام 2003.

وتعتبر بغداد والبصرة وكركوك وبابل والنجف أبرز المحافظات التي تعاني من الظاهرة، حيث تنتشر آلاف المنازل المبنية بالطوب والطين أو الصفيح عند مداخل المدن أو في ساحاتها عامة، والأراضي المملوكة للدولة.

وقال عضو لجنة الخدمات في البرلمان العراقي السابق، جاسم البخاتي، لـ"العربي الجديد"، إن "معظم المجمعات العشوائية التي أنشئت بعد عام 2003 كانت على أراض مخصصة لبناء مشاريع استراتيجية، ومناطق زراعية، لكن حاجة السكن الملحّة للمواطنين في ذلك الوقت دفعتهم إلى بناء منازلهم بهذه الطريقة التي عكست صورة سلبية عن البناء العمراني في العراق".

وأضاف البخاتي أن "المجمعات العشوائية بنيت بطرق غير مدروسة، ولم تعط مساحات للبنى التحتية والخدمات الأساسية، فضلاً عن أنها مناطق غير مسيطر عليها من الجانب الأمني، وشهدت الكثير من الحوادث الأمنية التي أصبح من الصعب معالجتها، إلا أنها في الوقت نفسه أصبحت واقع حال مفروضا على الدولة، وأن الدولة أصبحت ملزمة بإيجاد حل لسكان هذه المجمعات".

وبحسب البخاتي، فإن "العاصمة العراقية بغداد كان لها الحصة الأكبر، بواقع 1168 عشوائية، تليها مدينة البصرة بواقع 700 عشوائية تقريباً، ثم محافظة نينوى، فمحافظات الوسط والجنوب الأخرى".

من جهته، قال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية، فضل عدم الإفصاح عن هويته، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أغلب المجمعات العشوائية في العراق هي مناطق هشة ورخوة أمنياً، ومستغلة من قبل الجماعات المسلحة وعصابات التسول، فضلاً عن انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات داخل هذه المجمعات".

وعزا المصدر سبب عدم السيطرة أمنياً على هذه المناطق إلى "إشغال هذه المناطق من قبل عائلات معظمها من محافظات أخرى والمناطق الشعبية المكتظة بالسكان"، مبيناً أن الجهات المعنية بالملف الأمني لهذه المناطق لا تملك معلومات كافية عن أهالي تلك المجمعات نتيجة لتنقلاتهم المستمرة من مكان لآخر. 

"تجارة الممنوعات"  

وفي السياق، قال الخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنية، جمال الطائي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العراق يعاني من كثرة المجمعات العشوائية، لما لها من تأثيرات أمنية على البلد، وذلك لعدم امتلاك الدولة قاعدة بيانات عن ساكني هذه المجمعات، فضلاً عن عدم امتلاكها معلومات أمنية كافية عن سكان هذه المناطق، وما يحدث فيها".

وأضاف أن "الحكومات العراقية منذ عام 2003 وإلى غاية اللحظة لم تتعامل مع الملف بجدية، بما يتناسب مع حجم المخاطر التي تشكلها هذه المجمعات العشوائية التي باتت مسرحاً للجريمة المنظمة وتجارة الممنوعات"، مشيرا إلى أن "غضّ الحكومة نظرها عن هذه المجمعات شجّع العراقيين على السكن في هذه الأماكن".

وأشار الطائي إلى أن "قسما من سكان المجمعات العشوائية هم من الطبقة شبه معدومة الدخل ومحدودي التعليم، ما جعلهم مستباحين من قبل العصابات المسلحة ومسرحاً للجريمة"، مستبعداً قدرة الحكومة في الوقت الحالي على حل مشكلة العشوائيات، خصوصاً في بغداد، بسبب ضعف الإمكانيات وغياب التخطيط الناجح للقضاء عليها.

ومن الناحية الاقتصادية، قالت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "معظم هذه المجمعات هي ممتلكات عامه للدولة تم الاستيلاء عليها بطريقة غير قانونية، وكان من المفترض أن تشيّد عليها مشاريع استراتيجية"، مبرزة أن الاستيلاء على الممتلكات العامة أدى إلى "استنزاف ميزانية الدولة بمليارات الدولارات طيلة هذه السنوات".

وأضافت أن "بناء هذه التجمعات بهذه الطريقة خلق بؤرة اقتصادية لقطاع العمل غير النظامي، وكذلك رواج النشاطات الاقتصادية غير المشروعة، كالمتاجرة بالسلاح والمخدرات وممارسة نشاطات ممنوعة أخرى، كونهم بعيدين عن سيطرة المدن الكبرى".

وأشارت سميسم إلى أن "الحكومة العراقية فشلت طوال الـ19 سنة الماضية في تأطير سكان هذه المجمعات بأطر قانونية، لذلك يتوجب على الحكومة إعادة تشكيل هذه الطبقات من خلال توفير سكن نموذجي منخفض الكلفة كحل نموذجي لحل هذه المشكلة"، متوقعة أن تتجاوز كلفة حل هذه المشكلة مبلغ الـ10 مليارات دولار كحد أدنى.

وكشف مؤخراً المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، عن "وجود نحو 3600 مجمع سكني عشوائي في العراق، تضم نحو 522 ألف وحدة سكنية يسكنها قرابة 3 ملايين و400 ألف شخص في عموم البلاد".

وشرح الهنداوي، في تصريحات متلفزة، أن "الوزارة عملت على قانون تمليك العشوائيات بالتعاون مع المنظمات الدولية، وعند إقرار هذا القانون فلن يُسمح بظهور أي عشوائية جديدة".

المساهمون