ظاهرة التسول تتفاقم في رمضان مصر
استمع إلى الملخص
- يعتبر التسول مهنة موسمية مربحة، حيث يجمع المتسولون مبالغ كبيرة خلال رمضان مقارنة بالأيام العادية، مستغلين حسن نية المواطنين.
- رغم وجود قوانين تجرّم التسول، إلا أن الظاهرة مستمرة بسبب الأوضاع الاقتصادية والبطالة، ويطالب الخبراء بتشديد الرقابة القانونية وتنظيم حملات لمكافحة التسول ونشر الوعي.
مع اقتراب عيد الفطر تتفاقم ظاهرة التسوّل وتصبح مشاهد الأيادي الممدودة والأصوات التي ترجو المساعدة مألوفة أمام المساجد والساحات وإشارات المرور. وأحياناً يحصل ذلك بالاحتيال وبإدعاء الإصابة بعاهة أو مرض
يشهد شهر رمضان في مصر ارتفاعاً ملحوظاً في ظاهرة التسول التي أصبحت مصدر قلق وشكاوى كثير من المواطنين، إذ لم يعد شارع أو ميدان يخلو من المتسولين بعدما تحوّلت الظاهرة إلى نشاط موسمي ومهنة مربحة يستغلها البعض لجمع المال، خصوصاً خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر الصوم.
يقول الحاج محمود، أحد المصلين في مسجد شهير شرق الإسكندرية لـ"العربي الجديد": "يتضاعف عدد المتسولين في شهر رمضان بشكل ملحوظ، ويستغل غالبيتهم روحانيات الشهر وحرص الأهالي على الإنفاق وتقديم الصدقات للحصول على أموال من دون جهد. وأكثر من مرة لا أستطيع دخول المسجد من دون أن يوقفني شخص يطلب مساعدة، أكان ضحية لظروف قاسية حقًا أم امتهن التسول حرفة دائمة".
ويشير الى أن "وسائل وعبارات طلب المساعدة تتعدد بصورة غريبة وبمبررات غير حقيقية في كثير من الأحيان، فمنهم من يحملون أطفالاً يعانون من جوع أو مرض، فيما يُمسك آخرون وصفات طبية لطلب علاج. واللافت أنني أرى الوجوه ذاتها عاماً بعد عام، وأحياناً تتغير مواقع المتسولين كأنهم يوزعون أنفسهم بطريقة منظمة".
ويتحدث فهمي الشيخ، أحد أصحاب المتاجر الكبرى المتاخمة لمنطقة مجمع المساجد بالإسكندرية، عن الموضوع ذاته، ويشير في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يحتاج إلى العملات النقدية المعدنية في تجارته، ويتعامل دائماً مع المتسولين في تجميع هذه العملات مقابل إعطائهم فئات نقدية كبيرة. ويؤكد أنه يُفاجأ خلال أيام رمضان بأن أي متسول يستطيع تجميع مبالغ كبيرة يومياً جراء وقوفه أمام بوابات المساجد، مقارنة بالتي يستطيع جمعها في الأيام العادية.
بدورها تقول منى أحمد، وهي موظفة في محل بيع لعب أطفال، لـ"العربي الجديد": "تتضاعف إيرادات المتسولين أضعافاً كثيرة خلال شهر رمضان نتيجة استغلال حسن نية المواطنين. وقد تحوّل التسول إلى مهنة من لا مهنة له سواء من الرجال والنساء، وأيضاً الأطفال فالأمر لا يحتاج سوى إلى مد اليدين وحفظ دعوات للمحسنين من أجل إحراجهم".
تضيف: "بعد انتهاء شهر رمضان تستمر الظاهرة لكنها تتخذ أشكالاً جديدة في العيد. نرى أعداداً كبيرة من الأطفال يطلبون عيديات من المارة، وبعضهم يبدون محتاجين فعلاً، لكن معظمهم يُشاهدون يومياً في أماكن مختلفة، ويرتدون نفس الملابس الممزقة".
في أحد الأزقة الضيّقة بجوار سوق شعبي، تجلس أم أحمد، وهي في الخمسينيات من عمرها، وتضع طفلاً صغيراً في جوارها، وتقول بنبرة حزينة لـ"العربي الجديد": "رمضان فرصة للرزق. الناس تتصدق أكثر، وهذا يساعدني على تدبير قوت أطفالي". وحين سُئلت عن مصدر دخلها في باقي أشهر السنة بدت مترددة ثم ردّت: "لكل شهر بركته".
في المقابل، يعترف عادل سعد، وهو رجل ستيني يطلب المساعدة من أصحاب السيارات عند نقطة إشارة مرور وسط الإسكندرية، في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن "التسول تحوّل الى تجارة منظمة من خلال شبكة يديرها شخص يستأجر مجموعة أفراد في كل منطقة لجمع المال تحت غطاء الحاجة، أو تسريح الأطفال لبيع منتجات مقابل حصوله على نسبة مما يجمعونه. ويخضع هذا النشاط لقوانين وأعراف يعرفها من يعمل به".
ويروي سامي السيد، وهو موظف حكومي، تجربته مع المحتالين، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت أرى سيدة مسنّة تجلس كل يوم عند مدخل العمارة، وتدّعي المرض والحاجة إلى علاج، وكنت أساعدها باستمرار حتى اكتشفت يوماً بالصدفة أنها بصحة جيدة ولديها أسرة تشاركها في التسول بشكل واسع في مناطق أخرى، وكانت مجرد ممثلة بارعة على الجميع".

ترى الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "انتشار التسوّل في مصر من المظاهر السلبية التي انتشرت في شكل كبير في الفترة الأخيرة، وهي تبدو أكثر وضوحاً خلال شهر رمضان أو المناسبات الدينية التي يحرص فيها الجميع على تقديم الزكاة ومساعدة المحتاجين، والتي يستغلها المتسولون لكسب التعاطف والحصول على مزيد من التبرعات". تضيف: "تردّي الأوضاع الاقتصادية والغلاء وانتشار البطالة من الأسباب التي تؤدي الى هذه العادات المجرّمة قانونياً التي تهدد الاستقرار الاجتماعي، ما يتطلب تنظيم حملات أمنية مستمرة تستهدف مناطق انتشار المتسولين". وتشدد على أن "التسول لا يقتصر على الحاجة الحقيقية، لكنه أيضاً فرصة للبعض لاستغلال العاطفة الدينية وحب الناس لعمل الخير ومساعدة المحتاجين في تحقيق كسب غير مشروع، ما يجعل الظاهرة مستمرة رغم محاولات مكافحتها".
وعلى مدار العام ينتشر المتسولون في كثير من أماكن التجمعات والأسواق، الأمر الذي يتطلب تفعيل الرقابة والضوابط على التبرعات العشوائية، وتوجيه أموال الزكاة والصدقات إلى جهات غير مستحقة لمنع ما وصفته بأنه "انتشار للتسول المنظم".
وتؤكد عبد المنعم أنه "بسبب صعوبة التحقق ممن هم محتاجون حقيقيون وأولئك المحتالين، يظل الحل الأمثل هو نشر الوعي والتبرع عبر القنوات الرسمية لضمان أن تصل المساعدات إلى من يستحقها حقاً، وتجنّب أن تصبح الشوارع ساحات لاستغلال الخير باسم الفقر".
ويؤكد الخبير القانوني الدكتور فرحات عبد السيد أن القانون رقم 49 لعام 1933 وضع عقوبات واضحة لمكافحة ظاهرة التسول، والتي تضمنتها ثماني مواد تُجرّم التسول بأشكاله المختلفة. ويوضح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "المادة الأولى من القانون تعاقب بالحبس مدة تصل إلى شهرين أي شخص صحيح البنية، أكان ذكراً أم أنثى، يبلغ من العمر 15 عاماً أو أكثر، إذا ضُبط خلال تسوله في طريق عام أو أمام محلات تجارية حتى لو تظاهر بأداء خدمة أو بيع سلع بسيطة. وقد عُدِّل الحد الأدنى للسن إلى 18 عاماً بموجب القانون 31 لسنة 1974 ليشمل كل من لم يبلغ 18 سنة كاملة ووجد متسولاً. ولم يستثنِ القانون غير القادرين جسدياً، إذ نصت مادته الثانية على معاقبة أي شخص غير صحيح البنية بالحبس لمدة لا تتجاوز شهراً في حال تسوّل في مدينة تتوفر بها ملاجئ يمكن أن يلجأ إليها". يتابع: "تشدد المواد 3 و4 و5 من القانون العقوبات على المتسولين الذين يتعمّدون التحايل على المواطنين، ويعاقب بالحبس مدة قد تصل إلى 3 أشهر كل من يتظاهر بالإصابة بجروح أو عاهات بغرض إثارة الشفقة، أو من يكون في حوزته مبالغ مالية لا يستطيع إثبات مصدرها".
ويلفت عبد السيد إلى أن "القانون لم يغفل ملاحقة من يشغلون أشخاصاً أو يستغلون الأطفال في هذا النشاط. وتنص المادة السادسة على عقوبة الحبس مدة تصل إلى 3 أشهر لكل من يدفع طفلاً دون 18 عاماً إلى ممارسة التسول. وترتفع العقوبة إلى ما بين 3 و6 أشهر إذا كان الجاني هو ولي أمر الطفل نفسه. وفي حال تكررت الجريمة تنص المادة السابعة على فرض عقوبة تصل إلى سنة حبساً، كما تجيز المادة الثامنة بأن يأمر القاضي بإيداع المتسول غير القادر جسدياً أحد الملاجئ بعد تنفيذ العقوبة". ويطالب بضرورة تشديد الرقابة القانونية على الظاهرة، مشيراً إلى أن "التسول لم يعد مجرد نشاط فردي، بل تحوّل في بعض الحالات إلى جريمة منظمة تستغل حاجة البعض، ما يستوجب تفعيل القوانين بحزم لمكافحتها".