ظاهرة الانتحار تصل إلى تلاميذ تونس

16 فبراير 2025
التفكك الأسري والضغوط بين أسباب انتحار التلاميذ، 15 سبتمبر 2023 (ياسين محجوب/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت تونس ارتفاعاً في حالات الانتحار خلال العقد الأخير، مع تزايد ملحوظ في المناطق المهمشة، حيث انتحر سبعة تلاميذ منذ بداية العام، مما يعكس تأثير الضغوط النفسية والاجتماعية وغياب الدعم النفسي في المدارس.
- محافظة سيدي بوزيد كانت الأكثر تأثراً، مع حالات انتحار متعددة بين التلاميذ بسبب الضغوط الدراسية والنتائج السيئة، وتنوعت طرق الانتحار بين التسمم والشنق والحرق.
- يعزو الخبراء الظاهرة إلى الضغوط النفسية والاجتماعية، داعين لتدخل السلطات لتعزيز الدعم النفسي للأطفال والمراهقين، خاصة في البيئة المدرسية.

ارتفعت حالات الانتحار في تونس خلال السنوات العشر الأخيرة، وشملت كل الفئات العمرية والاجتماعية، وتكررت لا سيما في المناطق المهمشة، ولم تستثنِ حتى التلاميذ وصغار السنّ دون 16 سنة. وفيما يعزو خبراء اجتماعيون انتشار الظاهرة إلى تنامي الإحباط وغياب الإحاطة النفسية للتلاميذ خصوصاً في السنوات الأخيرة من الدراسة، سجلت تونس منذ بداية العام الحالي انتحار سبعة تلاميذ.

وشهدت محافظة سيدي بوزيد في يناير/ كانون الثاني الماضي انتحار تلميذ يدرس في السنة التاسعة أساسي شنقاً بسبب نتائجه السيئة في امتحانات بداية السنة الدراسية بعدما كان من المميزين وحصل على المرتبة الثانية وطنياً خلال فعّاليات مسابقة "روبوتيك" عام 2023، وفق ما قالت عائلته. أيضاً انتحرت ثلاث تلميذات في نفس المحافظة عبر تناول دواء للفئران، بحسب ما أكدت المحكمة الابتدائية في سيدي بوزيد، وكان سبب الانتحار أيضاً عدم حصولهن على علامات جيدة في الامتحانات. 

ورصد المرصد الاجتماعي في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعدما دقق في سبع حالات انتحار لتلاميذ دون سن السادسة عشر، من بينهم ثلاث فتيات، وفاة ثلاثة بتسمم دوائي واثنين شنقاً ومثلهما حرقاً. وانطلاقاً من العينة المرصودة ارتفعت حالات ومحاولات الانتحار مجدداً خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، بعدما انخفضت في الأشهر السابقة، إذ رصد فريق عمل المرصد الاجتماعي التونسي 12 حالة ومحاولة انتحار خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي اسفرت عن وفاة ثمانية، في حين جرى إسعاف الباقين.

وأوضح المرصد أن "ستة من محاولات الانتحار نفذت عبر  حرق أشخاص أنفسهم للاحتجاج على مشاكل داخل عائلاتهم أو على تصرفات تعرضوا لها من قبل السلطات الأمنية أو على الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ومثّل التلاميذ نصف عدد الذين أقدموا على الانتحار، في حين بلغ عدد الشباب أربعة، وانتحرت امرأة في سن الأربعين. واحتضن الفضاء الخاص، أي المسكن، ثمانية حوادث انتحار والمؤسسات التربوية حادثين ومثلهما الفضاء العام".  

يشكل الشبان نحو نصف عدد المنتحرين في تونس، 29 سبتمبر 2022 (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
يشكل الشبان نحو نصف عدد المنتحرين في تونس، 29 سبتمبر 2022 (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وشهدت ولاية سيدي بوزيد أربع حالات ومحاولات انتحار، وتلتها القيروان بثلاث حالات وتونس العاصمة حالتين، كما سُجّل حالة انتحار في كل من بن عروس والكاف والقصرين. والعام الماضي نشر المرصد دراسة عن ظاهرة الانتحار في تونس أظهرت أنّ نسبة محاولات وحالات الانتحار في صفوف الأطفال خلال الأشهر الستة الأولى بلغت 18% من إجمالي 75 حالة. كما أوضحت أنّ 60% من محاولات وحالات الانتحار حصلت في صفوف الذكور و13% في صفوف الاناث، وأن الشباب مثلوا نسبة 47% من مجموع الحالات، وكان فضاء العائلة الإطار الأساس للحالات.

ويربط خبراء عمليات الانتحار بالتذمر من الوضع الاجتماعي والاقتصادي خلال السنوات الأخيرة، لكن الحال تختلف إذا تعلّق الأمر بإقدام التلاميذ على الانتحار بطرق مختلفة تذمراً من علامات الامتحانات أو نتيجة الضغوط النفسية. ويؤكد العديد من المتخصصين في قضايا الطفولة أنّ تنامي ظاهرة الانتحار تعود إلى تعرّض التلاميذ لكثير من الضغوط النفسية، أو العيش في وضع اجتماعي هش خصوصاً بعض من يتواجدون في أسر مفككة بسبب الطلاق. 

وتقول الباحثة في مركز الدراسات القانونية والقضائية في وزارة العدل، روان بن رقية، لـ"العربي الجديد" إنّ "عدد الأطفال في أسر تضم أبوين مطلقين في تونس بلغ 600 ألف خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني 2023 وديسمبر/ كانون الأول 2024، وقد أقدم 104 منهم على الانتحار نتيجة الآثار النفسية للتفكك الأسري، لذا تتطلب الظاهرة تدخلاً عاجلاً من السلطات والمجتمع المدني لتعزيز الدعم النفسي للأطفال والمراهقين. أيضاً من بين العوامل المؤثرة في حالات الانتحار البيئة المدرسية وضغوط الدراسة التي قد تجعل بعضهم يشعرون أنّ ما يتلقونه من تكوين أكاديمي لا يتماشى مع طموحاتهم أو توقعاتهم وتلك لعائلته، خصوصاً أنّ معظم التلاميذ الذين أقدموا على الانتحار فعلوا ذلك بعدما حصلوا على علامات الامتحانات، في حين نلاحظ غياب الإحاطة النفسية المستمرة للتلاميذ في سن المراهقة".

واللافت أنه رغم الدراسات والتقارير التي تصدرها الجهات الرسمية أو بعض المنظمات يبقى حجم محاولات الانتحار غير دقيق في ظل إخفاء بعض العائلات الأمر خصوصاً إذا فشلت المحاولات لتفادي أي حكم اجتماعي. أما المنظمات فتؤكد ضرورة دراسة الحالات كي لا تصبح ظاهرة خطرة.

المساهمون