طلاب جامعات غزة... إقبال على التعليم الإلكتروني رغم المعوقات

15 فبراير 2025
أطلال جامعة الأزهر في غزة، 15 فبراير 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التحديات والظروف القاسية للتعليم في غزة: تعرضت جامعات غزة لدمار كبير، مما دفعها للاعتماد على التعليم الإلكتروني. يواجه الطلاب والمحاضرون تحديات مثل انقطاع الإنترنت والكهرباء، وصعوبة شحن الأجهزة، والنزوح، والقصف، والمجاعة.

- الإصرار والعزيمة على مواصلة التعليم: تجسد قصة معن أبو عيطة الإصرار على التعلم رغم الظروف الصعبة، حيث يحرص الطلاب على حضور المحاضرات والمشاركة في النقاشات، مما يحفز المحاضرين لدعمهم بطرق مبتكرة.

- الإقبال على التعليم الإلكتروني والتحديات المستقبلية: شهدت الجامعات إقبالاً كبيراً على التعليم الإلكتروني رغم الدمار. تسعى الجامعات لاستعادة الخدمات التعليمية وتدرس إنشاء خيام تعليمية أو ترميم المباني، مؤكدين أن التعليم هو السبيل لارتقاء الشعب الفلسطيني.

يبدو استخدام الخيام هو السيناريو القريب لبدء التعليم الجامعي في قطاع غزة، نتيجة تدمير غالبية مباني الجامعات، والوقت الطويل اللازم لإعمارها، ما يدفع الجامعات إلى التعليم الإلكتروني.

رغم الدمار الكبير الذي لحق بجامعات قطاع غزة، إلا أنها واصلت مسيرة التعليم عن بعد في ظل ظروف قاسية واجهها المحاضرون والطلاب على حد سواء، نتيجة غياب الإنترنت والكهرباء، وصعوبات شحن الهواتف والحواسيب التي تعرض الكثير منها للتدمير، فضلا عن النزوح والتشرد والقصف والمجاعة، وغيرها من الأمور التي مثلت تحديات كبيرة.

ويعتمد التعليم الإلكتروني على المنصة الرقمية "غوغل كلاس روم"، إضافة إلى مجموعات طلابية مع الأساتذة على تطبيق "واتساب"، كما تقدم المحاضرات في بث مباشر على تطبيق "زوم"، أو عبر مواد مسجلة تنشر على "يوتيوب"، ما يتيح للطلبة مرونة في الدراسة وفق ظروفهم، كما تتم الاختبارات عبر المنصات الرقمية، أو على شكل مشاريع وتقارير.

وقبل الحرب كانت 18 جامعة وكلية تخدم نحو 87 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة، واستهدف عدوان الاحتلال كافة جامعات القطاع، واستشهد آلاف الطلاب والطالبات، وعشرات الأساتذة الجامعيين، كما أصيب آلاف آخرون، وحُرم الطلبة من حقهم في التعليم على مدى 15 شهراً. ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، فقد تضرر نحو 75% من البنية التحتية للقطاع التعليمي في غزة.

في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان الطالب الفلسطيني معن أبو عيطة يمسك هاتفه المحمول لحضور محاضرة إلكترونية عن بعد في منزله الواقع شمالي قطاع غزة، بينما  تجلس أمه وإخوته في صالون المنزل، حين تعرض المنزل لقصف إسرائيلي أدى إلى استشهاد وإصابة بعض أفراد الأسرة.
حوّل أبو عيطة الصدمة التي عاشها إلى حافزٍ يدفعه لمواصلة الدراسة، فبعد أربعة أيام من الحادث الأليم، عاد لاستكمال مسيرته التعليمة. يقول لـ"العربي الجديد": "أشعر أنني في حلم، لكني وجدت نفسي مصراً على استكمال الدراسة لأن أهلي أوصوني بذلك، فالتعليم هو السبيل الوحيد لإحياء غزة بعد الحرب، وأنا أدرس الجغرافيا ونظم المعلومات الجغرافية، والتي سيحتاجها القطاع بعد الحرب".

12677 طالباً في برامج الجامعة الإسلامية الإلكترونية

لا ينسى الطالب الفلسطيني الصعوبات التي واجهته خلال الحرب، وانغماسه في مساعدة العائلة في تعبئة المياه، وأزمة شحن الهاتف، والمشي لمسافات طويلة للوصول إلى نقطة إنترنت، وبسبب ضعف الإنترنت كانت فترة الامتحان المحددة تنتهي بينما هو يحاول الاتصال بالإنترنت، فيطلب من المحاضر إعادة فتح الامتحان له، وغيرها من الصعوبات التي لا تفارق ذاكرته.

من جانبه، يقول بهاء الجمل، وهو معيد بالجامعة الإسلامية: "لفتني إصرار معن على التعليم، فبعد أيام من استشهاد أفراد من عائلته، طلب الانخراط في دورات علمية لتقوية مهاراته، فأعطيته روابط لمحاضرات إثرائية على منصة edx التعليمة، والتي تضم دورات من جامعات مثل أكسفورد وكامبردج، وبشهادات موثقة ومجانية في مجال نظم المعلومات الجغرافية GIS".

ما تبقى من جامعة الأقصى. 15 فبراير 2024 (فرانس برس)
ما تبقى من جامعة الأقصى، 15 فبراير 2024 (فرانس برس)

أكثر ما يلفت الجمل هو عزيمة طلاب غزة وإصرارهم على مواصلة التعلم رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها، ورغم ضغوط انقطاع الكهرباء وضعف الإنترنت والوضع الأمني. يضيف متحدثاً لـ"العربي الجديد": "يحرصون على حضور المحاضرات، سواء كانت مسجلة أو لقاءات عبر زوم، وهناك طلاب يشاركون من أماكن بعيدة، ومن مناطق متضررة بسبب الحرب، ورغم ذلك لديهم إصرار كبير على مواصلة الدراسة، وألمس طموحهم في استفساراتهم وأسئلتهم، والحرص على التكليفات والمشاركة في النقاشات رغم العقبات. هذا الشيء يعطينا دافعاً للاستمرار، وبذل الجهد لتوصيل المعلومات، ودعمهم بكل طريقة ممكنة. طلاب غزة لديهم طاقة وإصرار، وأنا أفتخر بهم".

وحول آلية التواصل مع الطلبة، يوضح قائلاً: "أقوم بتصوير المحاضرات، وأقوم بتحميلها على منصل (المودل)، لكن بسبب ضعف الإنترنت والبنية التحتية، أجد صعوبة في كثير من الأوقات في رفع الفيديوهات، وأضطر للذهاب إلى مناطق بعيدة عن بيتي حتى أستطيع تحميلها، وعندما يكون حجم الفيديو كبيراً أقوم برفعه على Goole Drive، وأشارك الرابط مع الطلبة، كما أتواصل مع الطلبة عبر مجموعات واتساب يومياً للرد على الأسئلة والاستفسارات، إضافة لتنظيم لقاء أسبوعي على تطبيق زوم. رغم كل الصعوبات أحاول بكل الطرق توصيل المعلومة للطلاب".

بدورها، تقول شروق شابط، وهي طالبة إعلام وتكنولوجيا اتصال بالكلية الجامعية للعلوم التطبيقية: "نؤكد بمواصلة التعليم الإلكتروني على صمودنا وتمسكنا بحلمنا رغم الظروف الصعبة التي واجهناها". وتضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "كان حلمي قبل الحرب أن أصبح صحافية، لكن تغيرت وجهتي بعدما شاهدت اغتيال الصحافيين، وأصبحت لدي تخوفات".

واجهت شابط الصعوبات في شحن هاتفها المحمول، وفي توفير الإنترنت لتحميل مقاطع الفيديو الدراسية، إضافة إلى الضجيج في أماكن النزوح والحياة في الخيام أو المنازل المهدمة، فبيئة النزوح عموماً لا تساعد على الدراسة، فضلاً عن معاناتها من كثرة التكليفات والمشاريع الدراسية التي تؤثر على الطلبة، وتزيد الضغوط النفسية مع ضيق الوقت الممنوح لتسليم التكاليف والمشاريع.

دمار كبير طاول الجامعة الإسلامية. 15 فبراير 2024 (فرانس برس)
دمار كبير طاول الجامعة الإسلامية، 15 فبراير 2024 (فرانس برس)

سجل نحو خمسة آلاف طالب بالتعليم الإلكتروني في جامعة فلسطين بقطاع غزة، وهو ما نسبته 85% من إجمالي عدد الطلبة البالغ سبعة آلاف طالب، كما يتزايد حالياً عدد الملتحقين بالجامعات الكبرى، كالجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر.

يقول نائب عميد كلية العلوم بالجامعة الإسلامية رامي مرجان: "فوجئ الجميع من حجم الإقبال على التعليم الإلكتروني، وكان الإقبال فوق المتوقع. خاصة بعدما أصبح هناك نوع من الهدوء، وانتشرت أماكن ومقاهي توفر خدمات الإنترنت. عدد المسجلين بكافة برامج الجامعة الإلكترونية بلغ 12677 طالباً في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتواره، من أصل أكثر من 17 ألفاً هم طلبة الجامعة".

نحو 5 آلاف طالب في التعليم الإلكتروني بجامعة فلسطين

يضيف مرجان، في حديث لـ"العربي الجديد": "مواصلة التعليم في ظل تداعيات الحرب الطاحنة التي نالت من كل شيء، هو رأس مال الشعب الفلسطيني، وهو واقع وحاضر بالنسبة للأجيال القادمة. استوعبت الجامعة الإسلامية الصدمة كبقية جامعات قطاع غزة. إنه الوقت المناسب للعودة إلى التعليم، حتى لو إلكترونياً. احتاجت استعادة السيرفرات وقواعد البيانات وقتاً، لكننا تمكنا من استعادة تقديم الخدمات التعليمية إلكترونياً، ويستطيع الطلبة حالياً الالتحاق بالجامعة عن بعد، والحصول على الشهادات والأوراق الثبوتية، ومتابعة الامتحانات بالطريقة نفسها".

ويوضح أن "غالبية جامعات غزة، بما فيها الجامعة الإسلامية، تعرضت لأشكال مختلفة من الدمار، وما بقي من المباني لا يصلح للاستعمال. شكلنا فريقاً هندسياً لمعاينة المباني القائمة، وما زلنا نتخوف من استخدام تلك المباني التي تعرضت للقصف، ما يجعلنا نواصل التعليم الإلكتروني حتى نهاية الفصل الدراسي القادم، عندها تكون قد اتضحت الصورة، ونقرر إن كنا سننشئ خياماً تعليمية لاستقبال الطلبة، أو سنرمم المباني ونستخدمها".

يتابع الأكاديمي الفلسطيني: "الإقبال على التعليم جزء من تكوين الشعب الفلسطيني تاريخياً، والفلسطيني قد يتحمل الجوع والعطش لكنه لا يتحمل البعد عن التعليم، ورغم كل محاولات الإبادة ما زال الطلاب متعلقين بمدارسهم وجامعاتهم. الطلبة والتربويون يخاطرون بالذهاب إلى أماكن الاتصال بالإنترنت من أجل أن يواصلوا الدراسة، وفي هذا دلالة على عشق الشعب الفلسطيني للتعليم، فالجميع يدركون أن الحرية لا تنال سوى من خلال جيل متعلم".

ويؤكد مرجان أن الجامعة "خسرت نحو 100 شهيد من كادرها الأكاديمي، وأثر ذلك على برامجها، لكن جرى تدارك ذلك عبر الاستعانة بمتطوعين، بعضهم أجانب، لسد حاجات الكليات المختلفة، وقد استطعنا سد الثغرات في عدة تخصصات وأماكن نتيجة استشهاد الكوادر الأكاديمية. نستطيع تطمين أبنائنا الطلاب بأن العملية التعليمية ستستمر، وأننا سنواصل العمل معهم حتى لو في خيام، لأننا ندرك أن التعليم هو السبيل الوحيد لارتقاء الشعب الفلسطيني".

ورداً على سؤال حول المقارنة بين جودة التعليم الإلكتروني مقارنة بالتعليم الوجاهي، أوضح أنه "لا يمكن أن يكون التعليم  الإلكتروني بديلاً عن الوجاهي، وبعض التخصصات لا يمكن إلا أن يكون تعليمها وجاهياً، كما أن إجابة الطالب على الامتحانات إلكترونياً تعتمد على صدقه الذاتي، وهذه مشكلة تعاني منها كافة الجامعات في العالم".

المساهمون