طلاب الصين... لا وقت للحب أو الزواج وإنجاب الأطفال

08 فبراير 2025
حفل تخرج من جامعة بكين، 29 إبريل 2023 (هوي يو/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهر استطلاع في جامعة بكين أن 55% من الطلاب لا يخططون للوقوع في الحب، و44% يرغبون في الزواج لكنهم يفتقرون للوقت، مما يعكس انشغالهم بالدراسة والعمل وهواياتهم، ويساهم في تراجع معدلات الزواج والولادة في الصين.

- أثارت النتائج جدلاً، حيث دعت مقالة حكومية الجامعات لتشجيع العلاقات العاطفية، لكن قوبلت بانتقادات على مواقع التواصل، معتبرة أن الحكومة تتدخل لمواجهة الأزمة الديموغرافية، بينما الطلاب منشغلون بالتزاماتهم.

- يرى الباحثون أن الشباب الصينيين يعتبرون الحب والزواج غير ضروريين، بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتأثير سياسة الطفل الواحد، مما يدفعهم للعزلة الفردية.

كشف العديد من طلاب جامعة بكين في استطلاع رأي أكاديمي أجري خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، عن عدم استعدادهم للمواعدة الجادة من أجل الارتباط أو الزواج، مؤكدين أنهم مشغولون بمتابعة المقررات الدراسية، والبحث عن فرص عمل بعد التخرج، إضافة إلى ممارسة الهوايات الشخصية.
وقال 55% من طلاب الجامعة الذين شاركوا في الاستطلاع، إنه ليست لديهم أي خطط للوقوع في الحب، بينما قال 44% إنهم يرغبون في الزواج والارتباط، لكن ليس لديهم الوقت للبحث عن شريكة حياة.

وعكست هذه الآراء اتجاهاً متزايداً بين الشباب الصينيين نحو الإحجام عن المواعدة والزواج بسبب الجداول الزمنية المزدحمة، والخوف من تحمّل المسؤولية، وقد دفعت هذه الظاهرة المتزايدة صنّاع السياسات في البلاد إلى الانتباه، كونها يمكن أن تؤدي إلى تفاقم تراجع معدلات الزواج والولادة المنخفضة بالفعل منذ سنوات.
في أعقاب إعلان نتائج الاستطلاع، دعت مقالة نُشرت في صحيفة تابعة للجنة الوطنية للصحة (حكومية)، الجامعات والمؤسسات الأكاديمية إلى لعب دور بنّاء في حث الطلاب من الجنسين على نسج العلاقات العاطفية، وجعل الدورات ذات الصلة خياراً إلزامياً. لكن تلك المقالة أثارت جدلاً حاداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتقد البعض محاولات الحكومة التدخل في اختيارات الشباب الشخصية بهدف مواجهة الأزمة الديموغرافية المتفاقمة في البلاد.
يقول سونغ وي جيانغ، وهو طالب دراسات عليا في جامعة بكين، لـ"العربي الجديد"، إنه مع مرور الوقت تعايش مع كونه عازباً، وإن الأمر لا يقتصر على عدم رغبته في الزواج وإنجاب الأطفال، بل يمتد إلى رغبته في الوقوع في الحب أيضاً. مضيفاً : "أحاول جاهداً التوفيق بين البحث والمقررات الدراسية والمهام الموكلة إليّ من قبل المشرفين، وبين أنشطة نادي الطلاب والهوايات الشخصية. ليس لدى الشباب أمثالي الوقت للوقوع في الحب، وفي ظل الأجواء الاجتماعية المتقلبة أصبح الجميع يهددهم الخطر، فهناك تسريح للعمال، وخفض للرواتب، وارتفاع في أسعار السكن، فكيف يمكن للشباب أن يعيشوا ويعملوا في سلام واطمئنان؟ وكيف يمكن إقناعهم بالتفكير في الزواج؟".
وفي خضم الكثير من الالتزامات الدراسية والمعيشية، لا تجد الطالبة في كلية الاقتصاد بجامعة شينزن، يو تشو، أي وقت للمواعدة، وهي لا تبحث بنشاط عن تكوين علاقة عاطفية، لكنها تقول لـ"العربي الجديد": "إذا قابلت الشخص المناسب فسأكون منفتحة على التجربة. الأمر لا يرتبط فقط بقلة الوقت، بل أيضاً بالموارد المالية، إذ نعاني من أجل التوظيف، والرعاية الطبية، ورعاية المسنين، والتعليم، والسكن، وكل هذه القطاعات تتطلب توفير المال، لذلك هناك شعور بعدم الاستقرار، ومع ارتفاع التكاليف الطبية لا يجرؤ كثيرون على التفريط بالمال خشية احتياجه عند التعرض للمرض. هذه الهواجس المتعددة في ظل عدم توفر المال لا تحفز على الوقوع في الحب، بل يصبح الارتباط ترفاً على هامش الانغماس في مشاغل الحياة. نعيش في عصر الفقر العاطفي، والمال وحده الذي يمكن أن يجلب الشعور بالأمان، وليس الحب".

اهتمام شبان الصين بالعمل يطغى على الزواج. 14 أغسطس 2024 (Getty)
اهتمام شبان الصين بالعمل يطغى على الزواج، 14 أغسطس 2024 (Getty)

وفي تعليقها على هذه الظاهرة، تقول الباحثة الاجتماعية في معهد "دونغ غوانغ"، لي تانغ، لـ"العربي الجديد": "حسب مفاهيم الشباب العصرية، بات الحب والزواج خارج قائمة الضروريات الحياتية والاجتماعية، إذ يواجه الناس تغيرات كبيرة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمن، ويواجه الاقتصاد المحلي فرصاً وتحديات جديدة، لذلك يكون تأثير مفهوم ضرورة الزواج محدوداً".
وتضيف لي تانغ: "في خضم الفوضى والتشابك بين القيم الاجتماعية والمشاغل الاقتصادية، يحدث هذا التحول الدرامي، فيصبح الشباب متمسكين أكثر بذواتهم، ويسعون إلى إثراء حياتهم الشخصية بأنانية مفرطة، ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تغير نظرة غالبية الشباب تجاه الارتباط وبدء الحياة الزوجية. هناك عوامل أخرى تعزز عزوف الشباب عن العلاقات العاطفية، مثل بيئة العمل الجامدة، حيث يصعب تكوين صداقات مع الجنس الآخر، وبالتالي تكون الخيارات محدودة خارج أطر العمل من خلال مواعيد عمياء أو اقتراحات وتوصيات من الأقارب والأصدقاء".
تتابع: "الأوضاع المادية والوظيفية تُعتبر المحرك الأساسي للبحث عن شريك في الحياة، فإذا لم تكن لديك المؤهلات المعيشية الكافية، فأنت لن ترغب بالوقوع في الحب تجنباً للمسؤولية المالية. هناك أيضاً علاقة واقعية معتمدة على نظرة الشباب إلى المجتمع من حولهم، خاصة أنهم عانوا طويلاً بسبب سياسة الطفل الواحد التي استمرت عدة عقود، وتسببت في تشتتهم وعدم حصولهم على الرعاية الكافية من آبائهم، وهم بغالبيتهم يشعرون بأن الأهل لم يدفعوا ما يكفي للإنفاق عليهم، وبالتالي هم غير مستعدين للإنفاق على أبنائهم، فهم يعتبرون أنهم تعرضوا للظلم في سنوات طفولتهم، لذا يواجهون ذلك بالعزلة الفردية، وعدم الرغبة في التواصل مع الآخرين".

وبحسب المكتب الوطني للإحصاء، تراجعت معدلات الزواج في الصين بأرقام غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية. ففي عام 2020، جرى تسجيل 8,14 ملايين زواج مقارنة بـ 13,47 مليوناً في عام 2013، وفي غضون ذلك، انخفضت معدلات المواليد في العام نفسه إلى 7,5 مواليد لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949. 
وأرجع خبراء في الصحة الإنجابية تدني نسب المواليد الجدد إلى الانخفاض المستمر في عدد النساء في سنّ الإنجاب، مؤكدين أن ذلك نتيجة حتمية لاختلال التوازن بين الجنسين، وعزوف عدد كبير من الشباب عن الزواج لأسباب لها علاقة بالظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة.

المساهمون