طفل الشهيد الفلسطيني فادي أبو شخيدم: "حطموا البيت.. دمّروه"

نجل الشهيد الفلسطيني فادي أبو شخيدم: "استجوبوني لساعات وحطموا البيت.. دمّروه"

القدس المحتلة

محمد عبد ربه

avata
محمد عبد ربه
25 نوفمبر 2021
+ الخط -

لم يكن سهلاً على الطفل عبد الله نجل الشهيد الفلسطيني فادي أبو شخيدم منفذ عملية إطلاق النار في القدس المحتلة صباح الحادي والعشرين من الشهر الجاري، والذي لم يتجاوز عمره ثماني سنوات أن يستجمع كامل تفاصيل ذلك اليوم، الذي اصطحبه فيه والده إلى المسجد الأقصى ليصليا سوية ويتلوا ما تيسر من القرآن ثم ينطلقا كل في طريق؛ الوالد ذهب إلى طريقه الذي اختاره ولم يترك مع صغيره سوى مفاتيح سيارته وذكريات كثيرة..

حين وصل "العربي الجديد" إلى بيت عزاء الشهيد في مخيم شعفاط شمال القدس حيث تعيش عائلته، كانت لافتة ضخمة معلقة على مدخل بناية عالية تحمل صورة فادي أبو شخيدم منفذ العملية الفدائية في حي السلسلة على تخوم المسجد الأقصى.

"الشهداء لا يستسلمون"

هناك استقبلنا خال الشهيد شبلي السويطي "أبو أنس"، وكان سؤالنا الأول عن الطفلين الشقيقين عبد الله 8 سنوات وهبة 9 سنوات اللذين احتجزتهما قوات الاحتلال في معتقل المسكوبية في القطاع الغربي المحتل من مدينة القدس.

انتظرنا في قاعة واسعة تزدحم بمن حضر من المساندين والمتضامنين مع عائلة الشهيد أتوا إلى المخيم من كل فجّ عميق، بينهم آباء شهداء مثل والد الشهيد علي السويطي قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس الذي تجشم عناء القدوم إلى المخيم من قرية بيت عوا ببلدة دورا جنوب الخليل ليساند العائلة وكان تحدث إلينا بابتسامة تحمل فخراً بالشهداء وبنجله علي الذي رفض الاستسلام حين حاصرته قوات كبيرة من جنود الاحتلال وظل يقاومها حتى نفاد ذخيرته، "الشهداء لا يستسلمون"، قالها والد الشهيد.

لم يطل انتظارنا حتى حضر الطفل عبد الله بصحبه أحد أعمام الشهيد، كان يلتفت يميناً ويساراً ويتفحص الجمع الغفير الذي اجتمع ليستمع إلى خطب وكلمات تشيد بالشهداء.

اعتقال الطفل وشقيقته

كان لا بد أن نتحدث مع عبد الله ليروي لنا تفاصيل من ذلك اليوم، حيث تركز الحديث معه عن غرفته التي دمّرها الاحتلال فلجأ إلى سرير أمه وأبيه، وسألناه عن كتبه المدرسية التي نقلها إلى غرفة والديه، حيث لم يبقوا له في غرفته الصغيرة مكاناً للهو أو الدراسة أو حل واجباته المدرسية.

حاول الطفل الصغير أن يستجمع كل ما لديه بعد نحو عشر ساعات من الاحتجاز في معتقل المسكوبية المعروف بأنه من أسوأ معتقلات الاحتلال في القدس، وخلال تلك الساعات تعرض برفقة شقيقته الطفلة هبة لنحو مائة سؤال واستجواب من محققي شرطة ومخابرات الاحتلال وكان عليه أن يرد عليهم ويجيب عن هذا الكم الكبير من الأسئلة وهو لا يدرك مغزى استجوابه، ولماذا، حيث لم يكن علم بعد باستشهاد والده، وكانت آخر اللحظات بينهما صلاة في الأقصى وتلاوات من القرآن، ومفاتيح سيارة احتفظ بها عبد الله في حقيبته الصغيرة.

قال عبد الله، ونحن نسأله عن التحقيق معه، "إنه لم يخش محققي الاحتلال، كان يجيبهم بما يعرفه دون زيادة أو نقصان"، لكنّ حديثه معنا كان يحمل كثيراً من الدلالات حول ما يعانيه بعد كل ما حدث من فقد والده، وتحطيم غرفته الصغيرة،. أو كما قال "نفلوا الدار نفل، كسّروها، (...)".

لم تعد غرفة عبد الله صالحة للنوم، كل ما فيها دمروه، سريره، وغطاء نومه، ولم يستجمع من الغرفة سوى كتب المدرسة، حملها إلى غرفة والديه، واستقر هناك في حضن والدته، وقد نال من الغرفة أيضاً دمار كبير يراه عبد الله كل يوم، وتراه شقيقته هبة.

في مدرسة الهدى بالبلدة القديمة من القدس يدرس عبد الله، وفي صبيحة ذلك اليوم، الذي استشهد فيه والده، انتقل إلى مدرسة الحسن الثاني، ومنها إلى بيت قريب له، قبل أن ينقل للتحقيق.

وفي كل محطة كان يبدو فيها عبد الله حائراً كما ظهر من حديثه معنا، وفي تكراره لذات الكلمات في جوابه عن كل سؤال سألنا، "آه.. وبعدين.."، كانت أكثر الكلمات تكراراً على لسان هذا الطفل، لعلكم تتذكرون جيداً الطفل أحمد مناصرة في جلسة الاستجواب مع محققيه"، "بعرفش.. بعرفش.."، "من يدري ربما تعرض عبد الله لتحقيق مماثل"، كما قال لـ"العربي الجديد"، شبلي السويطي خال الشهيد.

في استجوابه، سألوه بداية عن اسمه، وعن عمره، عن أمه، ولماذا يحمل هاتفًا؟ كما سألوه عن وجهته التي ذهب إليها بعد مغادرته المسجد الأقصى، وحتى ذلك الوقت لم يكن يعلم أن والده استشهد، وأنه لن يراه بعد اليوم.

اقتحام منزل الشهيد

غادر عبد الله مجلسنا في بيت عزاء والده، ليكمل الحديث خال الشهيد شبلي السويطي الذي كان شاهداً على جريمة اقتحام منزل شقيقته "أم الشهيد"، وترويع أكثر من ثلاثين من أفراد الأسرة جلّهم من النساء والأطفال لم يسلموا جميعاً من الاعتداء.

تعرض السويطي للضرب، وكذلك أحد أبنائه، بينما كان يحاول عبثاً وقف الاعتداء على الأطفال والنساء بمن فيهم الطفلة "هبة" ابنة الشهيد وشقيقه وزوجة شقيقه، وحتى التعرض للطواقم الصحافية والاعتداء على الصحافيات ومصادرة الكاميرات والهواتف النقالة.

بدأ السويطي حديثه بوصف قادة الاحتلال وجنوده بـ "الإرهابيين"، فتاريخهم حافل بمثل هذه الجرائم من ترويع النساء والأطفال وارتكاب المجازر بحق المدنيين الآمنين، وقال: "لا غرابة بعد ذلك بأن يحدث مع عبد الله الطفل ما حدث، فهم لم يوقروه من استجواباتهم وقد فقد والده، ولم يتورعوا عن احتجازه لعشر ساعات، وإمطاره بنحو مائة سؤال حاولوا خلالها استقاء معلومات منه مهما كانت تافهة لعلها تفيدهم في شيء، لقد فعلوا الشيء ذاته مع شقيقته هبة".

ويتابع خال الشهيد: "لقد ضربوا الكبير والصغير، كانت أعدادهم مهولة تزيد عن ثلاثمائة عسكري من مختلف الوحدات الخاصة، استباحوا منزل الشهيد، ووالدته، وأشقاءه، ودمروا محتوياته بالكامل، بما في ذلك بعض الجدران الداخلية، وكان الأخطر من ذلك ما سببوه من رعب للنساء وللأطفال على وجه الخصوص، الذين يستيقظون من نومهم كل ليلة مرعوبين وخائفين من هول ما شاهدوه، وما مروا به".

كان الطفلان عبد الله وهبة ابنا الشهيد الأكثر تأثراً من ذلك؛ فهبة التي اعتقلت واحتجزت هي الأخرى لعشر ساعات لا تزال تعاني من هول ما مرت به، لا تزال تعيش الصدمة من فقدان والدها.

ترويع وسوء معاملة

المحامي مدحت ديبة محامي عائلة الشهيد تحدث لـ"العربي الجديد"، عن معاناة أطفال الشهيد وما لاقوه من سوء المعاملة خلال التحقيق معهم أو اقتحام منزلهم وترويعهم فقال: "إن احتجاز الأطفال مرفوض بموجب القانون الدولي الإنساني، وبموجب اتفاقية حماية المصابين في النزاعات الدولية والحروب المسلحة، ونحن في حالة حرب، وهناك مواثيق تضمن الحماية للأطفال من الاعتقالات العشوائية، وتضمن حمايتهم بمعرفة سبب التحقيق معهم".

ويتابع ديبة، "لكن ما حدث مع أطفال الشهيد هو أن التحقيق معهم تم دون أن يقال لهما لماذا يحققون، بالإضافة إلى أن الاعتقال بهذا السن للأطفال دون وجود ولي أمر منافٍ للبروتوكول الأول من اتفاقية جنيف بخصوص حماية الأطفال في النزاعات المسلحة، ولكن كما هو معلوم، فإن التحقيق مع الأطفال في هذه الحالات يتم بموجب قوانين الانتداب البريطانية التي سنّها الانتداب البريطاني أيام حكمه لبلادنا فلسطين".

ووفق ديبة، "فقد قام الاحتلال بتكييف هذه القواعد والقوانين حتى تتلاءم مع الأنظمة والتشريعات الإسرائيلية مثل: هدم المنازل، التحقيق مع الأطفال والنساء دون السن القانوني ولساعات طويلة تحت مسمى (منع الإرهاب)، وهذا كله غير قانوني ومنافٍ للأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، والتحقيق مع أطفال الشهيد لم يكن بدافع تجريم الشهيد وتقديم الأدلة عليه، بقدر ما هو جمع معلومات تنقص الأجهزة الأمنية الإسرائيلية".

ذات صلة

الصورة
الطفل الفلسطيني يزن الكفارنة في مستشفى في رفح في قطاع غزة (جهاد الشرافي/ الأناضول)

مجتمع

في اليوم الـ150 من الحرب على قطاع غزة، توفي الطفل الفلسطيني يزن الكفارنة البالغ من العمر 10 أعوام، نتيجة إصابته بسوء تغذية حاد وسط نقص كبير في الإمدادات.
الصورة
أطفال فلسطينيون جرحى في غزة (أشرف أبو عمرة/ الأناضول)

مجتمع

يمثّل غياب اللقاحات الدورية عن محافظَتي غزة وشمال غزة خطراً إضافياً يهدّد حياة الأطفال الفلسطينيين، إلى جانب القصف الإسرائيلي المتواصل منذ نحو 98 يوماً.
الصورة
جثث شهداء فلسطينيين في رفح كان الاحتلال يحتجزها (فاطمة شبير/ أسوشييتد برس)

مجتمع

اتّهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسرائيل بسرقة أعضاء من جثث تعود إلى شهداء فلسطينيين من شمالي القطاع، ودعا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في هذا الشأن.
الصورة
لا تتوفر قبور لدفن الشهداء في غزة (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

مجتمع

يعجز الغزيون عن نقل جثامين ذويهم إلى المقابر، فبعضهم محاصرون، والباقون يخشون أن يقصفهم الاحتلال خلال النقل أو مراسم الدفن.

المساهمون