طبيب فلسطيني يعيد البصر إلى مريضين بعد وفاته

طبيب فلسطيني يعيد البصر إلى مريضين بعد وفاته

28 ديسمبر 2020
خلال إحدى العمليات الجراحية في مستشفى النجاح بنابلس (العربي الجديد)
+ الخط -

أعطى طبيب فلسطيني مثالاً حياً على إنسانية مهنته، بتبرعه بقرنيتي عينيه، بعد وفاته، وإعادة البصر لشخصين

لم تسع الفرحة الشاب "م. ي." من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، والسيدة "أ. ع." من مدينة بيت لحم، جنوبي الضفة الغربية، عندما تلقيا اتصالاً من مستشفى النجاح في مدينة نابلس، بُلِّغا فيه بإمكانية إجراء عملية زرع قرنية عين، لكلّ واحد منهما، بعدما حصلت المستشفى عليهما من رجل فارق الحياة أخيراً، وهو الطبيب حسني ولد علي، الذي يعود أصله إلى قرية صانور، جنوب جنين، شمالي الضفة الغربية.

القصة بدأت عندما زار الطبيب، ولد علي، وهو المختص في علم الأنسجة والأمراض، طبيب عيون، ودار بينهما حديث أدرك خلاله حاجة كثير من مرضى العيون لزرع القرنية، لكونها لا يمكن أن تؤخذ إلّا من شخص قد فارق الحياة، بعدما يكون قد أوصى بذلك، وفي ظل ضعف ثقافة التبرع بالأعضاء بشكل عام في فلسطين، مثل كثير من الدول العربية الأخرى.
غادر الطبيب الراحل، ولد علي، العيادة، وعاد إلى بيته ليوصي زوجته وأولاده فوراً بالتبرع بقرنيتيه بعد وفاته. وبالفعل، توفي ولد علي في الخامس من سبتمبر/ أيلول 2020، عن عمر يناهز ثمانية وستين عاماً، بعدما مكث أسبوعاً في غرفة العناية المركزة، في مستشفى الاتحاد بنابلس، وذلك إثر اصابته بنزف دماغي حاد.
تقول ابنته، الدكتورة منار ولد علي لـ"العربي الجديد: "عندما دخل أبي مرحلة الموت السريري، وقبيل رفع الأجهزة عنه، اتصلت بالطبيب محمد شحادة، رئيس قسم العيون في مستشفى النجاح، وأبلغته بالوصية، وبعدما أسلم والدي الروح إلى بارئها، حضر الطبيب شحادة برفقة فريق طبي، واستأصل القرنيتين، وخلال أيام قليلة كان قد أعاد زرعهما لمريضين". تتابع: "على الرغم من حالة الحزن الشديد التي ألمّت بنا لفراق أبي، فإنّ فرحتنا بنجاح عمليتي زرع القرنيتين، للمريضين المحتاجين إليها، وعودة البصر إليهما كانت كبيرة، ولا سيما أنّ الأول شاب في مقتبل العمر، والثانية سيدة عانت كثيراً في حياتها".

الصورة
الطبيب الفلسطيني حسني ولد علي
الطبيب الراحل حسني ولد علي (من أرشيف أسرته)

لم تُبدِ العائلة استغراباً من وصية الأب، كما تؤكد كريمته، التي تقول: "كلّ من تعامل مع أبي طوال فترة عمله في القطاع الصحي التي امتدت أكثر من أربعة عقود، يدرك تماماً كم كان قريباً من الناس، وحنوناً على الفقراء من المرضى... نسأل الله أن يرحمه ويجعل ما تبرّع به صدقة جارية عن روحه إلى يوم الدين". كذلك، فإنّ تأثير الخطوة، انعكس على زوجته، التي كتبت وصيتها، مبدية رغبتها أيضاً في التبرع بقرنيتيها، بالإضافة إلى كلّ ما يصلح من أعضاء جسدها لمن يحتاج، خصوصاً بعدما تلقت اتصالين من المريضين اللذين استفادا من قرنيتي زوجها المرحوم، تأثرت بهما كثيراً.
من جهته، يقول الشاب "م. ي." الذي تلقى إحدى القرنيتين، لـ"العربي الجديد: "فرحتي لا يضاهيها شيء بعدما نجحت عملية القرنية"، وخصوصاً أنّه كان قد أجرى قبل سنوات قليلة عملية مماثلة لم تكلل بالنجاح. يضيف: "رحم الله الدكتور حسني ولد علي، الذي أعاد إليّ الحياة بعد موته... لن أنسى معروفه ما حييت، إذ لم أتخيل يوماً أنّني سأتمكن من  الحصول على فرصة ثانية لولا هذا العمل الإنساني".
أما الطبيب محمد شحادة، فقد أقرّ بدوره، بأهمية تعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء لدى المجتمع الفلسطيني، خصوصاً القرنيات، معللاً ذلك بوجود قوائم انتظار تضم مئات المرضى ممن يأملون زرع قرنية. يتابع شحادة لـ"العربي الجديد": "لا يمكن استئصال القرنية إلا بعد وفاة المتبرع، وفي مدة لا تتجاوز 24 ساعة على وفاته، إذ يتطلب الأمر حفظها في سائل خاص لمدة أسبوعين بحدّ أقصى، وفي درجة حرارة معينة، وإلا فإنها ستتعرض للتلف".

ويشير شحادة إلى مصدرين فقط للقرنيات: الأول محلي، وهو التبرع بها، كما فعل الدكتور ولد علي، وفي هذه الحالة يكون الإجراء أسهل وأسرع. أما المصدر الثاني، فيكون من خلال بنوك العيون المنتشرة في العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة. يقول شحادة: "أنا عضو في كثير من تلك البنوك التي تضع ما يتوافر لديها من قرنيات على برنامج خاص، ويمكن طلب القرنية التي تحتاجها وتصل إليك في فترة زمنية محددة". لكنّ شحادة يلفت إلى أنّ المخاطرة في استقدام القرنيات أكبر، "لأنّها تعبر المحيطات داخل حافظات مخصصة لهذا الغرض، وقد تفقد جزءاً من مرونتها، وبالتالي تكون النتائج أضعف من المتبرع بها محلياً". ويعاود شحادة التشديد على ضرورة إنشاء هيئة وطنية تتابع ملف التبرع بالأعضاء تضم رجال دين، وأطباء وعلماء اجتماع، ليعززوا من هذه الثقافة في المجتمع، لأهميتها في إنقاذ حياة كثيرين.