ضرب المصريات... ممارسات علنية بغطاء التقاليد

ضرب المصريات... ممارسات علنية بغطاء التقاليد

21 فبراير 2022
الضرب قد يطاول النساء في الشارع (فريديرك سلطان/ Getty)
+ الخط -

بعد واقعة اعتداء عريس مصري على عروسه بالضرب في الشارع في وضح النهار، وجرّها عنوة إلى داخل سيارة، التي أُطلق عليها اسم واقعة "عروس الإسماعيلية"، وشغلت المصريين في الأيام الماضية، تجددت المطالب بإصدار تشريعات تحمي النساء من العنف الأسري. وتزامن ذلك أيضاً مع الصدمة التي أحدثها تسامح العروس ظاهرياً على الأقل مع العنف ضدها، وظهورها في لقطات لاحقة تجلس في المنزل إلى جانب زوجها وعدد من أفراد العائلة الذكور الذين تكلموا عن أسباب العنف والضرب، وحق العريس في ضرب عروسه، لأنها زوجته أولاً وابنة عمه ثانياً. 

عادات وتقاليد أقوى
وفيما يتناغم التسامح مع الضرب والعنف الأسري الذي كشفته الواقعة مع الثقافة الشائعة لأفراد في المجتمع المصري، وقيمهم العرفية، وتزييف خطابهم الديني ومحتواه الفني الذي يقبل كل أشكال العنف ضد المرأة، سواء البدني أو اللفظي أو السلوكي أو التشريعي أو القانوني، يقرّ حقوقيون وخبراء في علم النفس والاجتماع، بأن الإصلاح التشريعي وحده لا يكفي في هذه القضايا المجتمعية، كما لا يمكن أن يواجه تطبيق القانون رغم أهميته، العنف الأسري وحده عادات وتقاليد ذات تأثير أقوى غالباً.
وسبق أن أعدّت 9 منظمات حقوقية بينها المجلس القومي للمرأة اقتراح قانون لمناهضة العنف ضد النساء، لكنه لم يناقَش تمهيداً لتجريم كل أشكال العنف ضد النساء. كذلك لم تشكل مفوضية لمكافحة أشكال التمييز التي يتعرضن لها، تنفيذاً للمادة الخامسة من الدستور المصري، ما أبقى خضوع هذه الجرائم لأحكام قانون العقوبات العام.

أرقام العنف
وفيما يغيب الإطار التشريعي لتجريم العنف ضد المرأة، تكشف دراسات وإحصاءات أجريت أخيراً، فداحة الظاهرة وتغلغلها في المجتمع المصري. وتعد ظاهرة ضرب الأزواج للزوجات بين الأكثر شيوعاً في كل المجتمعات والثقافات، وتراوح نسبتها بين 20 و50 في المائة، وهي تزيد في الطبقات الاجتماعية والتعليمية الأدنى. ويفيد إحصاء أجراه المجلس القومي للمرأة أخيراً بأن نحو 8 ملايين مصرية يتعرضن لعنف، وأن نحو 86 في المائة من الزوجات يُضرَبن.
أيضاً، تظهر دراسة حقوقية أعدتها مؤسسة المرأة الجديدة، أن 5.6 ملايين امرأة مصرية يتعرضن لعنف من الزوج أو الخطيب، وأن 2.4 مليون أُصبن بجروح بالغة من ممارسات عنف ارتكبها زوج أو خطيب. وتتحدث عن أن العنف الزوجي يمثل أحد أشكال العنف الأسري الذي يشهد تعنيف المرأة على يد الزوج الحالي أو السابق أو الخطيب.

العنف الأسري ضد المرأة يمثل مشكلة صحية كبيرة أيضاً (سيمون بيرغاماشي/ Getty)
العنف الأسري ضد المرأة يمثل مشكلة صحية كبيرة أيضاً (سيمون بيرغاماشي/ Getty)

ويورد تقرير رصد جرائم العنف ضد النساء لعام 2021، الذي أصدرته مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، أن "الضرب ليس الشكل الوحيد للتعنيف الذي تتعرض له المرأة داخل الأسرة، أكانت زوجة أم ابنة أم أختاً، فالاغتصاب والتجاهل والتحرش توجد بكثرة خلف أبواب بيوت كثيرة، ما يؤثر سلباً بنفسيات النساء اللواتي يشكلن عصب حياة أي أسرة وركيزتها الأولى".
ويشير إحصاء مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة إلى ارتفاع ملحوظ في جرائم العنف المنزلي، ويحصي 813 جريمة عنف خلال عام 2021، مقارنة بـ415 جريمة عام 2020، بينها 296 شهدت قتل نساء وفتيات من أعمار مختلفة. 
وخلال عام 2021، وثّق مرصد جرائم العنف في تقريره السنوي 74 جريمة ضرب لنساء وفتيات في مصر على يد فرد من أسرتهن أو خارجها. وأشار إلى أن هذا النوع من الضرب ترك عاهات دائمة أو مؤقتة على أجساد الضحايا، ما استدعى نقلهن إلى مستشفيات لتلقي عناية طبية. 

وأكد المرصد الذي أوضح أنه استند في البيانات التي جمعها إلى تقارير النيابة العامة، وما نشرته صحف ووسائل إعلام، ارتفاع عدد جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي من 415 عام 2020 إلى 813 عام 2021. وأعلن تسجيل 296 حالة قتل لنساء وفتيات من مختلف الأعمار، و78 حالة شروع في القتل، و54 اغتصاباً، و74 واقعة ضرب ارتكب 49 منها فرد أو أفراد في الأسرة، إلى جانب 125 جريمة تحرش جنسي، و100 واقعة انتحار. وذكر أن أغلب اللواتي انتحرن أقدمن على أفعالهن بسبب عنف أو مشاكل أسرية، أو ابتزاز جنسي وتعنيف مرتبط بالتحصيل الدراسي.

الدين لا يمكن أن يبرر أي عنف ضد المرأة (فريديرك سلطان/ Getty)
الدين لا يمكن أن يبرر أي عنف ضد المرأة (فريديرك سلطان/ Getty)

ممارسات متنوعة
وتعرّف ورقة نشرها المجلس القومي للمرأة بعنوان "مكافحة القانون المصري للعنف والتمييز ضد المرأة" العنف الأسري ضد المرأة بأنه قد يرتبط بممارسات بدنية وجنسية ونفسية واقتصادية، ويحدث على أيدي أفراد من الأسرة يملكون سلطة على الضحايا. 
وتشير الورقة إلى أن المرأة تقع غالباً ضحية العنف الذي يمارسه زوج أو أب أو أبناء أو أقارب، وأنه لا يقتصر على فئة معينة، أو طبقة اجتماعية من دون سواها. كذلك يشمل المرأة المتعلمة وغير المتعلمة أيضاً، وتلك العاملة وغير العاملة. وتنفي علاقة هذا العنف بالدين الذي لا يمكن أن يبرر أي عنف.

وتتحدث الورقة عن أشكال من العنف الأسري لا تشملها نصوص القانون صراحة، مثل حرمان المرأة الميراث، "الذي يتطلب تدخلاً تشريعياً لإدخال تعديلات تلحظ إضافة مواد جديدة تعاقب من يحرم وريثاً شرعياً، أكان ذكراً أم أنثى، حقه الشرعي في الميراث، وكذلك لمنع ضرب الزوجات في شكل مبرح، الذي قد يلحق بهن إصابات شديدة تحت ستار الحق في التأديب الذي يمارسه الزوج ضد زوجته".
وعن تأثير العنف على النساء، يكشف تحليل حديث أجرته منظمة الصحة العالمية أن "العنف الأسري ضد المرأة يمثل مشكلة صحية كبيرة ودائمة، وينتهك حقوق الإنسان الخاصة بها. وتشير المنظمة إلى آثار أبعد من تلك المباشرة التي يتركها العنف على النساء، وتشمل صحتهن البدنية والنفسية والجنسية والإنجابية".

المساهمون