صهاريج مياه بنايات الجزائر... حل اضطراري وتشويه عمراني

16 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 01:15 (توقيت القدس)
صهاريج مياه مثبتة فوق البنايات في الجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الجزائر أزمة انقطاع المياه، مما دفع السكان للبحث عن حلول بديلة مثل تركيب صهاريج ومضخات، رغم حملة السلطات لإزالتها بسبب تأثيرها السلبي على المنظر العمراني.
- ارتفع الطلب على الصهاريج مع تسليم المساكن الاجتماعية الجديدة، مما أدى إلى زيادة أسعارها، حيث يسعى المواطنون لضمان توفر المياه في ظل تقليص فترات التوزيع.
- قلق خبراء العمران من تأثير الصهاريج على الهياكل المعمارية، مطالبين بتشديد الرقابة وإيجاد حلول بديلة مثل إنشاء خزانات أرضية.

دفعت أزمة انقطاع المياه عن الأحياء في العديد من محافظات الجزائر، بما فيها الأحياء السكنية الجديدة، عدداً كبيراً من الأهالي للبحث عن حلول بديلة لضمان التزود اليومي بالمياه، وتخزين كميات احتياطية كافية لمواجهة الانقطاع الناجم عن تغيير برنامج التوزيع الذي تتبعه السلطات.
وتشمل الحلول الأهلية تزويد المنازل بصهاريج بلاستيكية كبيرة السعة توضع فوق المبنى، مع مضخات لرفع المياه، أو إنشاء أحواض مائية بالطوابق السفلية، ما يتيح التوفر المستمر لحاجتهم من المياه بالتزامن مع شح الأمطار وضعف استغلال السدود. في المقابل، بدأت سلطات الأحياء خلال الأيام الماضية، حملة لإزالة الصهاريج، باعتبار أنها تمثل تشويهاً عمرانياً، خاصة وأن البعض استحدثوا مواقع لوضعها.
اضطر رشيد زواد، وهو موظف بمؤسسة تعليم عال في محافظة تيبازة، إلى شراء صهريج سعة 1000 لتر ومضخة، وتثبيتهما على شرفة المنزل الذي استأجره بالقرب من المؤسسة التي يعمل فيها. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أكن أفكر مطلقاً في امتلاك صهريج ماء، لكن بعد معاناة لأشهر مع أزمة المياه، كنت خلالها أضطر إلى الذهاب بسيارتي إلى الينابيع القريبة لجلب الماء، قررت التخلص من الوضع الذي أثقل كاهلي، واقتنيت الصهريج، وقمت بتثبيته مع المضخة، ما أراحني إلى حد كبير".
ومع كل فصل صيف ترتفع معدلات استهلاك المياه، خصوصاً مع التوزيع على نحو مليوني مسكن جديد، وإنشاء عدد من المدن الجديدة، ولم يجد المواطنون في المحافظات التي تعاني من تقليص فترات التوزيع في إطار سياسات "ترشيد استهلاك الماء" سوى التكيف مع الوضع القائم من خلال هذه الحلول البديلة.
ويؤكد التجار تهافت الأهالي على اقتناء الصهاريج سعة 1000 و1500 لتر على وجه الخصوص. يقول التاجر في منطقة موزاية بمحافظة البليدة، مجاجي مصطفى، إن "الطلب ارتفع بنسبة 150% على الصهاريج خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأصبح المواطن يتخوف من أزمة المياه، بخاصة الموظف الذي لا يملك الوقت لجلب المياه من الينابيع، أو استئجار صهريج يثقل كاهله بمبالغ باهظة".

تختلف سعة وأشكال صهاريج المياه (العربي الجديد)
تختلف سعة وأشكال صهاريج المياه (العربي الجديد)

ويضيف مصطفى لـ"العربي الجديد": "شراء الصهاريج يزيد فور تسليم المساكن الاجتماعية، فكل مستفيد يقوم باقتناء صهريج لوضعه على شرفة منزله في إجراء ضروري لضمان تخزين كمية مياه تسد حاجته طوال الأسبوع، وارتفع متوسط سعر الخزان بنحو 50 دولاراً، ويصل سعر الخزان سعة 800 لتر إلى 120 دولاراً، وسعر الصهريج من النوعية الجيدة سعة 1500 لتر إلى 160 دولاراً،  بعد أن كانت الأسعار لا تتجاوز 90 دولاراً قبل بضع سنوات".
ويفسر البعض انتشار ظاهرة الصهاريج أعلى البنايات بكونها مرتبطة بتوزيع الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة خلال السنوات الأخيرة، من دون أن تكون تدفقات المياه كافية، فصارت كل عائلة تتسلم مفاتيح شقتها تفكر في اقتناء الصهريج والمضخة قبل العيش في المنزل لضمان توفر المياه.
وتشير التقديرات إلى أن عائلة مكونة من أربعة أفراد يكفيها صهريج 500 لتر، غير أن عضو منظمة حماية المستهلك، حمزة بلعباس، يعتقد أن هناك مبالغات في الإقبال على شراء الصهاريج الكبيرة. معتبراً أنّ ذلك يشجع على  تبذير المياه عندما تضطر العائلات إلى استنفاد مخزون الصهريج لإعادة ملئه، في حين تحتاج الجزائر إلى ترشيد الاستهلاك، بخاصة في فصل الصيف.
ويوضح بلعباس لـ"العربي الجديد": "من حق المواطن الحصول على المياه في مسكنه، لكن من دون اللجوء إلى التبذير أو الاستعمال المفرط، وينبغي محاربة ظاهرة الصهاريج التي تشوه واجهات المنازل، وتعطي انطباعاً لزائري المدن الكبيرة والسياحية بوجود أزمة مياه خانقة، ما يشوه صورة البلاد".

وباتت عملية تثبيت الصهاريج بكل أحجامها وأشكالها فوق الأسطح وعلى الشرفات ظاهرة متكررة في مختلف الأحياء السكنية، الشعبية والراقية، القديمة والجديدة، ما انعكس سلباً على الصورة الجمالية والمنظر العام للعديد من البنايات، فبعد تخلى غالبية الجزائريين عن هوائيات استقبال الفضائيات، حلت الصهاريج مكانها نتيجة التذبذب الحاصل في التزود بالمياه.
واذا كان هذا الوضع يمثل حلاً اضطر إليه مواطنون لمعالجة مشكلة انقطاع المياه، فإن خبراء العمران يعتبرونه نوعاً من الفوضى، وتعجز السلطات عن تطبيق قوانين العمران، كما تغيب الرقابة بعد تسليم المساكن، بينما الحمولة الزائدة ترهق هياكل البنايات، وقد تؤدي إلى تصدعها على المدى الطويل، وهو أمر لا يمكن أن يرى بالعين المجردة، لكنه يظل خطراً على المارة وعلى ساكني العمارة.
ويؤكد حمزة مزياني، وهو صاحب مكتب للهندسة المعمارية، لـ"العربي الجديد" أنّ "تثبيت صهريج بسعة 1500 لتر أو 3000 لتر فوق البناية يعني إضافة وزن يقدر بما بين الطن إلى 3 أطنان، ويتضاعف الوزن عدة مرات في حال وقوع هزة أرضية، ما يسهم في احتمالية في حدوث انهيارات بالمباني. ويضيف: "الأمر ممنوع قانوناً، غير أن غياب الرقابة يؤدي إلى انتشار الظاهرة، وينبغي تشديد الرقابة من طرف السلطات المختصة، مع إيجاد حلول بديلة، كإنشاء خزانات أرضية".

المساهمون