صدمة في الكويت: التعليم يهوي إلى "الأميّة"

صدمة في الكويت: التعليم يهوي إلى "الأميّة"

21 أكتوبر 2021
تلميذات الابتدائي دُهشن من المدرسة (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

كشفت تقارير سُرّبت عن لجان للمتابعة والرصد في وزارة التربية الكويتية إحصاءات صادمة تشير إلى انهيار كامل للتعليم في المرحلة الابتدائية، بتأثير الانقطاع عن الحضور إلى المدارس خلال فترة الإجراءات الصحية المشددة لمواجهة فيروس كورونا الجديد في الأشهر الـ18 الماضية، وإغلاق المدارس وحصر التعليم في نظام التعليم عن بُعد. وأشارت الإحصاءات إلى أن 30 في المائة من تلاميذ الصفوف الثلاثة الأولى في التعليم الابتدائي لا يعرفون "طريقة الإمساك بقلم وكتابة أسمائهم وتهجئتها. أما باقي التلاميذ فمستوياتهم ضعيفة". 

ويرى أساتذة تربويون واختصاصيون تربويون أن التعليم في الكويت "هوى إلى مرحلة الأمية"، وأن المدارس تحتاج إلى تدخل سريع وعاجل لمحو أمية التلاميذ في المراحل الابتدائية والذين عانوا من الإهمال طوال عامين بسبب عدم ملائمة التعليم عن بعد لهم، خصوصاً أنهم يحتاجون إلى إشراف مباشر لم يوفره بعض الأهالي الذين ألقوا كل العبء على المعلمين الموجودين خلف الشاشات. 

ويطالب الباحث التربوي وخبير المناهج حمزة الخياط الذي يعد أحد أشهر وجوه الحقل التعليمي في الكويت، وزارة التربية بضرورة وقف العمل بالمناهج الحالية لمدة شهرين بالنسبة إلى الصفوف الابتدائية الأولى، والبدء في تحديد مستوى الأطفال في القراءة والكتابة تمهيداً لتدشين منهج تأسيسي خاص بتعليم التلاميذ القراءة والكتابة مجدداً يطبق في شكل منفصل عن المناهج الحالية، "كي يتعلموا ما فاتهم، ويلحقوا بركب المتعلمين". 

من جهته، يدعو المعلم ومساعد مدير إحدى المدارس عبد الرحمن الجاسر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تتدخل وزارة التربية بسرعة لإنهاء الأزمة الحالية عبر تعليق المناهج وفرض حال الطوارئ، لأننا أمام أميّة حقيقية يحتاج التلاميذ فيها إلى عملية إنقاذ. والأزمة لا تتعلق فقط بالمرحلة الابتدائية، بل تمتد إلى المتوسطة والثانوية إذ إن نسبة كبيرة من تلاميذ الصف العاشر لا تعرف كيفية تهجئة الأسماء باللغة الإنكليزية، رغم أنها مدرجة في دراستهم منذ تسع سنوات. 

طلاب وشباب
التحديثات الحية

ويقول معلم المرحلة المتوسطة في إحدى المدارس الحكومية ظاهر الشمري لـ"العربي الجديد": "ليست أزمة مستويات التلاميذ جديدة بالكامل، فهي تعود إلى مرحلة ما قبل وباء كورونا، لكن التعليم عن بعد فاقم الأزمة كثيرا، والخلل موجود في المناهج وآليات التطبيق، فتعليمات وزارة التربية تجعل المعلمين ينشغلون بتطبيقات وبرامج لا تهم التلاميذ في الحقيقة، ولا تندرج في قلب مهماتهم الوظيفية الأساسية في تعليم التلاميذ ودعم تأسيسهم. وهنا كيف يمكن أن أقيّم نشاطات التلاميذ، في حين يوجد جزء كبير منهم خارج عملية التعليم بسبب عدم قدرتهم على القراءة أو الكتابة بشكل صحيح". 

ويلقي الشمري بمسؤولية هذه الحال أيضاً على قسم كبير من الأهالي يرفض استيعاب أن التلميذ يحتاج إلى الاهتمام والتشجيع في المنزل، وأن المدرسة ليست نهاية التعليم، بل بدايته، خصوصاً أن عدد التلاميذ في الفصل الواحد كبير، وأن مستوياتهم تختلف بحسب الذكاء ودرجة الاهتمام". ويؤكد أن الحديث عن "مشكلة لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية لا يعبّر عن الحجم الحقيقي للمشكلة وخطرها، فأنا أدرّس تلاميذ في الصف السادس لا يعرفون طريقة الكتابة. ولا يوجد لجنة لبحث مصير هؤلاء، علماً أن أحدهم أبلغني أنه يتواصل مع أصدقائه عبر هاتفه المحمول باستخدام الصوت فقط، وأنا لا أعلم كيف وافق المدرسون الذين أشرفوا على هذا التلميذ في المرحلة الابتدائية على ترفيعه إلى المرحلة المتوسطة". 

الصورة
الترفيع التلقائي خلق مشاكل تعليمية (ياسر الزيات/ فرانس برس)
الترفيع التلقائي خلق مشاكل تعليمية (ياسر الزيات/ فرانس برس)

من جهته، يصف المعلم والناشط التربوي ومنسق مبادرة "معلمون متطوعون" بدر بن غيث الوضع بأنه "كارثي في المرحلة الابتدائية"، مشيراً إلى أن التلاميذ يعانون من ضعف كبير في المهارات الأساسية، وتلك الخاصة بالتواصل الاجتماعي، علماً أن تلاميذ الصفين الثاني والثالث فوجئوا بالوضع، لأنهم لم يشاهدوا مدرسة منذ أن كانوا في مرحلة رياض الأطفال. 

وفي خطوة شخصية، أوقفت معلمة المرحلة الابتدائية ريم المطيري تدريس المنهج الحكومي لتلميذاتها، وباشرت تدريس منهج "القاعدة الحلبية" لتعليمهن اللغة العربية. وتوضح لـ"العربي الجديد": "لو اقتصر تعليمهن على المنهج الحكومي فلن يفهموا شيئاً، لأنه متقدم بالنسبة إلى طالبات الصف الثالث الابتدائي، علماً أن بعضهن لا يعرف القراءة، وحتى أسماء الحروف بسبب التعليم عن بعد الذي نجح فيه كل التلاميذ". وتشدد المطيري على أن التعليم عن بعد لم يسمح للمعلمين بمعرفة المستويات الحقيقية للتلاميذ. أما العودة إلى مقاعد الدراسة "فأحدثت صدمة كبيرة وهائلة لدى مسؤولي وزارة التربية، فحتى أشد المتشائمين لم يتوقعوا بلوغ هذا الحد من التدهور المعرفي". 

ومع تسريب التقارير الخاصة بوزارة التربية ووصولها إلى أيدي السياسيين، تدخل مجلس النواب، وقال رئيس لجنته التعليمية النائب الدكتور حمد المطر لـ"العربي الجديد": "ما يحدث هو جرس إنذار حقيقي لتدهور التعليم في البلاد، ووصوله إلى مستويات ضعيفة تستدعي تدخلاً عاجلاً من وزير التربية الذي قررنا عقد اجتماعات ومباحثات معه لمناقشة الوسائل المتاحة للتدخل سريعاً من أجل وقف الأزمة الكبيرة". 

وتعد الكويت إحدى الدول الأكثر إنفاقاً على التعليم في العالم بميزانية 1.9 مليار دينار (6.2 مليارات دولار). لكن 85 في المائة من هذه الميزانية تذهب لأجور المعلمين والإداريين، وهو ما ينتقده خبراء التربية بشدة، علماً أن وزيرا سابقا للتربية فضّل عدم كشف اسمه لم يتردد في وصف كوادر التعليم بأنها "مكان للتلاميذ الفاشلين الذين أصبحوا معلمين من أجل الحصول على رواتب عالية، ما أثّر في نهاية المطاف على سير عملية التعليم والذي زاده ضغط السياسيين الانتهازيين".

المساهمون