استمع إلى الملخص
- التحديات الإنسانية والمعيشية: تعاني العائلات الباقية، مثل عائلة نعمات نغنغية، من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية، وتعيش في ظروف كارثية وسط منطقة عسكرية مغلقة.
- الانتقادات للحكومة الفلسطينية: تواجه الحكومة انتقادات لعدم تقديم الدعم الكافي للنازحين، مع دعوات لتعزيز صمود الأهالي ووقف العدوان الإسرائيلي.
اختار بعض أهالي مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة الصمود فيه رغم الدمار الكبير وانعدام الخدمات، خشية عدم التمكن من العودة إليه
رغم الدمار الهائل الذي حلّ بمخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، جراء تعرضه لعدوان إسرائيلي متواصل منذ أكثر من شهر، يرفض الطبيب محمد نبهان وعائلته مغادرة المخيم، أسوة بنحو 15 ألفاً نزحوا منه. وبعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي منزلهم في المخيم، لجأوا إلى بيت أصغر منه في الحارة الشرقية، وسط نقص حاد بالمواد الغذائية والمياه وانقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي.
يقول نبهان لـ "العربي الجديد": "نعيش وسط دمار مهول لم يشهده المخيم من قبل، باستثناء عام 2002، حين سويت المنازل كلها بالأرض". ويشير إلى أن العدوان الأخير غير مسبوق منذ نحو عقدين من الزمن، قائلاً: "منذ أكثر من 30 يوماً، نعيش استئصالاً ومسحاً للمخيم عن الخريطة. دمروا منزلنا وسوّوه بالأرض ليجد أكثر من 25 فرداً أنفسهم في الشارع بلا مأوى".
تواصل نبهان سريعاً مع أحد معارفه، وأبلغه بوجود شقة صغيرة في الحارة الشرقية في المخيم. توجه وأفراد عائلته إليها رغم خطورة انتشار القناصة على أسطح المباني. ويقول إن "البيت لا يتسع لخمسة أشخاص، لكننا نعيش فيه اليوم رغم أن عددنا أكثر من خمسة أضعاف. المياه شبه مفقودة لأن الاحتلال دمر شبكات المياه، ونعتمد على ما يصل إلينا من لجان الطوارئ. التيار الكهربائي نادر، وبالتالي فإن معظم الأجهزة التي تحتاج إلى الكهرباء لا تعمل".
وتسبب انقطاع التيار الكهربائي بانعزال العائلة عن محيطها الخارجي لمدة ليست بالقليلة، نظراً إلى نفاد بطاريات الأجهزة المحمولة. ويقول: "نستغل الوقت القليل لقدوم التيار الكهربائي لشحن تلك الأجهزة حتى نتمكن من التواصل مع بقية أفراد العائلة ولجان الطوارئ والإعلام".
ورغم الخطر الداهم جراء اقتحامات الاحتلال الإسرائيلي للمنزل وخوفه من تكرار السيناريو وهدمه والاضطرار إلى النزوح، وسط نقص هائل في المواد الغذائية والأدوية، يتمسك نبهان وعائلته بالبقاء في المخيم وعدم الخروج منه تحت أي ظرف. ويقول: "نحن الآن على بعد مئات الأمتار من بيتنا المهدم، وسنعمل على إعادة بنائه. وفي حال خرجنا من المخيم، ستصبح فرص العودة شبه مستحيلة".
أما نعمات نغنغية، فقد آثرت البقاء مع زوجها وطفليها أمجد وأحمد في المخيم، رغم إصابتها بمرض الكلى فيما زوجها شبه مقعد، ولا يوجد من يهتم بالطفلين. تصف الحال داخل المخيم بأنه كارثي، وتقول: "مضلش (لم يبق هناك) مخيم. مسحوه عن الخريطة. ما قدرت أعرف (لم أعرف) معالمه لما (حين) خرجت من بيتي الأسبوع ما قبل الماضي، وكانت الصاعقة في حجم التدمير والتخريب. لا يوجد شوارع ولا بيوت. السيارات محروقة أو محطمة. أكوام التراب عبارة عن تلال ما بتخليك (لا تسمح لك) تشوف (ترى) وراها (ما خلفها)".
وعن أوضاعهم، تقول لـ "العربي الجديد": "نعيش كل يوم بيومه. حجم المساعدات لا يلبي الاحتياجات المطلوبة مقارنة بحجم الكارثة والمأساة الإنسانية التي نعيشها. وطوال الفترة الماضية، لم يصل إلينا إلا طردان غذائيان وصناديق عدة من المياه المعدنية للشرب". وتشير إلى أنها تقطن على أطراف حارة الغبز في المخيم "وهذا المكان يكرهه الاحتلال كثيراً لأنه شهد تفجير المقاومة عدداً كبيراً من العبوات الناسفة في آلياته أدت إلى مقتل وإصابة عدد من جنوده. لذلك، يركز عدوانه على حارتنا وقد نسف عدداً من البيوت بالمتفجرات وهدم عدداً آخر بالجرافات وعمل على توسيع الشارع. حتى أن دبابات ضخمة باتت قادرة على أن تمر فيه، بعدما كانت المركبات الصغيرة تجد صعوبة في ذلك".
تتابع نغنغية: "نقطن في منطقة عسكرية مغلقة، ولا يتم الدخول والخروج إلا بتنسيق مسبق مع الارتباط العسكري الفلسطيني، وقد وصلت إلينا هيئات وجمعيات إغاثية خلال هذا الأسبوع وأدخلت وجبات طعام يومية لأن المخزون البيتي انتهى. كما أن الغاز والكهرباء للطهي غير متوفرين".
أكثر ما يقلق نغنغية هو صحة زوجها التي تراجعت، فيما تعاني بدورها بسبب مرضها. وتقول: "يعيش الناس حياة شبه بدائية هنا، ولا أحد يهتم بقضية المخيم برمته. من بقي فيه ومن نزح يعاني الأمرين على حد سواء".
وفي مقطع مصور حديثاً، شن رئيس لجنة خدمات مخيم جنين محمد الصباغ، هجوماً كبيراً على الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى لتقصيرها والتقاعس حيال النازحين من المخيم، قائلاً: "بعد كل هذه المدة، لم نسمع خطة أو نجد رؤية واضحة لدى الحكومة للتعامل مع النكبة الجديدة في مخيم جنين. أرسلوا فقط منذ شهر ست شاحنات تحمل مواد غذائية كانت في طريقها إلى قطاع غزة، لكن الاحتلال رفض السماح لها بالمرور فأرسلت إلى المخيم. كما أن جزءاً كبيراً منها بات تالفاً لا يصلح للاستهلاك الآدمي".
ويتفق معه الناشط نايف السمري الذي لا يزال صامداً داخل المخيم. يقول لـ "العربي الجديد": "المطلوب فعله كثير جداً ولا يكفي الحديث عنه ساعات طويلة عبر الإعلام. لا بد من تعزيز صمود من بقوا داخل المخيم وقد تقلص عددهم كثيراً في الفترات الماضية، من خلال العمل الجدي أولاً لوقف العدوان وانسحاب الاحتلال، ثم الوصول إلى جميع العائلات التي بقيت. فهناك مرضى وكبار سن وأطفال، وهؤلاء لديهم احتياجات يومية من طعام او دواء".
يضيف السمري: "العدوان على مخيم جنين تجاوز البعد الأمني إلى قرار بإنهاء ملف اللاجئين ورمزية الكينونة الفلسطينية ألا وهي المخيمات. لذلك، نرى عمليات التدمير الممنهجة للبنية التحتية، وهدم مئات المنازل سعياً إلى بنية هيكلية جديدة للمخيم وتغييراً ديمغرافياً ملموساً". ويحذر من أن الأوضاع داخل المخيم تسوء، إذ يتعرض لإبادة مدروسة للحياة المدنية فيه، سعياً لأن يصبح مكاناً غير صالح للسكن ولو بعد عقود".
وتواصل قوات الاحتلال عدوانها على مخيم جنين لليوم الـ31 على التوالي، وعلى مدينة ومخيم طولكرم لليوم الـ 25 على التوالي، ولليوم الـ12 على التوالي على مخيم نور شمس، في وقت أجبرت فيه آلاف العائلات في تلك المخيمات على النزوح إلى خارجه وسط تدمير كبير.