استمع إلى الملخص
- دور المثقف الحقيقي: يشدد النص على أهمية دور المثقف في التعبير عن صوت الشارع والوقوف ضد الاستبداد والفساد، مستشهداً بأفكار مفكرين مثل سارتر وإدوارد سعيد، ومؤكداً على ضرورة رفض أنصاف الحقائق.
- الازدواجية الأخلاقية: ينتقد النص المثقفين الذين يظهرون ازدواجية في مواقفهم، حيث يعارضون الظلم في مكان ويدعمونه في آخر، مشيراً إلى أن الظلم لا يتجزأ وأن الوضع المأساوي في البلاد يتطلب موقفاً أخلاقياً ثابتاً.
يحار المتابع لوسائط التواصل الاجتماعي إزاء الوله بتأييد الحاكم حدّ التشبيح، حتى نخال أن أمسنا بأبواقه يحطّ في يومنا. والتهم جاهزة، سابقاً وحاليّاً. تهم ثنائيّة إقصائيّة أو استئصاليّة للرأي الآخر. وأخصّ بالذكر الماجدون والماجدات من النخبة الثقافيّة.
يقول الباحث هاشم صالح: "كلّ مثقّف يتحدّث بصراحة عن الأمراض أو الرواسب التي يعاني منها الشعب يعتبرونه ضدّ الشعب." فما بالنا أنّ موقف السلطة الجائر هذا، يطلق مدعوماً بأصوات مثقّفين متنوّعين، بعضهم اكتفى بأن كان معارضاً للنظام الآفل، ليظهر مؤيّداً للسلطة الانتقاليّة بعجرها وبجرها. موال آخر اختار الصمت المطبق إزاء الظلم السابق، لينطلق صوته صاخباً بتمجيد العهد الجديد، وأحياناً مهاجماً شرساً للصوت المختلف. وصنف آخر من المتحمّسين الجدد انخرطوا في العمل في النقابات والاتحادات، بعد تعيينهم وفق قرارات سياسيّة.
لطالما انشغل الأحرار من المفكّرين بتعريف المثقف ودوره، وعلاقته بالسلطة السياسيّة. وأجمعوا على ضرورة التزامه بصوت الشارع ونبضه، صوت ضحايا الاستبداد والفساد، والاستغلال والحروب. وتبعاً لسارتر، فإنّ "المثقّف هو موقف وليس مهنة". وبحسب القول الشائع "الإنسان موقف". وإذاً، ما ينطبق على عامّة الناس لا ينطبق على النخبة، النخبة التي عليها امتثال صوت الناس.
أن يكون خيار المثقّف الصمت أمر جائز، على الأقلّ من باب احترام حريّة الأفراد، بل قد يكون صمته، شرط انتفاء أيّ نزوع لديه لتحقيق مآرب شخصيّة، خياراً أكثر أخلاقيّة. أمّا أن يكون صمت المثقّف عن جرائر السلطة، لمطامع ومكاسب شخصيّة، ففي ذلك صمت عن الجرائم والانتهاكات بحقّ الشعب، بل الإقرار بها أحياناً بغية تبريرها مثلاً، فيصبح هنا مشاركاً لها. أو أن يدعو مثقّف لوجوب النظر إلى الواقع مثله بعينين، ادّعاء منه بتوخّي الموضوعيّة والمنطق وإجهار الحقيقة، وهو الساعي لتحقيق مكاسب خاصّة، وأجاز لنفسه بأن يكون أحد أبواق السلطة في الآن ذاته، فإنّنا نجده يستنكر جريمة أو انتهاكاً ما عبر التشكيك بحدوثه، وطرح التساؤلات حول كيفيّة حدوثهما، أو اتهام قائليه بالمبالغة المغرضة، وبذلك يشوّه أنصاف الحقائق أيضاً. وأحياناً يتجاهل، ويغفل عن ذكر بعضها. وفي هذا أيضاً نفي مبطّن لوقوعها، في إصرار دائم على أنّه يجسّد صوت الحقيقة، وبالتالي صوت الناس عامّة، حدّ استغبائهم إحساسه بالتفوّق عليهم معرفيّاً وثقافيّاً. وكيقظة حارس أمين للسلطة، يهاجم معارضيها، إلى درجة أنّه لا يتورّع عن مهاجمة رموز وطنيّة كانت دفعت أثماناً باهظة لأجل حريّة الشعب وكرامته. ثمّ سيتبيّن بشكل فاضح أنّ دعوته الآخرين إلى النظر بعينين إنّما هي دعوة إلى النظر بعينيه هو. يقول إدوارد سعيد: "مهمّة المثقّف تتطلّب اليقظة والانتباه على الدوام، ورفض الانسياق وراء أنصاف الحقائق أو الأفكار الشائعة. ولا يصحّ أن يكتفي المثقّف بتأكيد أنّ شعباً ما قد سلبت أملاكه، أو تعرّض للظلم أو للمذابح، أو لإنكار حقوقه ووجوده السياسيّ، بل عليه أن يربط بين تلك الفظائع وبين ألوان المعافاة المماثلة لغيره من البشر، ولا يعني هذا أطلاقاً أيّ انتقاص من الخصوصيّة التاريخيّة، لكنّه يحمي الناس من تعلّم درس ما عن الظلم في مكان ما ونسيانه أو انتهاكه في مكان آخر".
كيف يكون المثقّف معارضاً لظلم ومؤيّداً لظلم آخر، كيف يكون المثقّف عبداً ويطالب بالحرّيّة؟ فالمواقف الأخلاقيّة والإنسانيّة كالشخصيّة لا تتجزّأ إطلاقاً. والظلم هو الظلم. ... فأيّ خير في بلاد، فيها قتيل أو جريح، وبائس، ونازح ومهجّر، معتقل رأي، وطالب حُرم من حقّه في التعليم، دمعة أمّ وأب تسيل، مخطوفون ومغيّبون في المجهول، بلاد تستجدي العدالة، وما تزال.