استمع إلى الملخص
- تفاعل السوريون بطرق مختلفة مع الثورة، حيث شهدت مدن مثل حمص وحلب ودير الزور محاولات للتظاهر وقمعًا، وتأثر الأفراد بالضغوط النفسية والأحداث المتسارعة.
- رغم مرور أكثر من عقد، تظل ذكرى الثورة حية، معبرة عن الأمل والحزن، وسط تساؤلات حول جدوى التضحيات وأمل في مستقبل أفضل لسوريا.
ظهيرة يوم الجمعة، 18 مارس/آذار 2011، خرج 400 شخص في ساحة الجامع العمري في مدينة درعا، جنوبي سورية، وصرخوا بالحرية لأول مرة في سورية منذ عام 1958، أطلق النظام النار. استشهد محمود الجوابرة وحسام عياش، وبدمائهما اشتعلت الثورة.
سالت دماء كثيرة، ماتت أحلام أكثر، تشتّت الناس شرقاً وغرباً، دمّرت بيوت وقرى ومدن بالطائرات والصواريخ، تشعّبت متاهة المقابر، وتناوبت النفوس على القهر والخوف والأمل واليأس. ثم وكما يفعل القدر دائماً، تنفّس الفجر من أحلك لحظات الظلام، وهرب بشّار الأسد.
في الذكرى الرابعة عشرة لذلك اليوم المفصلي، وجّه ملحق سورية الجديدة خمسة أسئلة لسوريين عايشوا الأيام التي تلته لحظة بلحظة، اختبروا كل المشاعر. أين كنت في تلك الساعات؟ كيف تلقّيت الخبر؟ ماذا كانت مشاعرك وقتها؟ ماذا فعلت؟ وكيف ترى تلك اللحظة الآن؟ .. هناك كانوا، وهكذا عرفوا، وعاشوا، ويعيشون.
مالك داغستاني: بدء الاتصالات المشفّرة
كنت قد سمعت شائعاتٍ تم تداولها أن شيئاً ما قد يحدُث في مدينتي حمص. نزلتُ بسيارتي أتجوّل في المناطق المتوقعة لانطلاق تحرّك ما في المدينة. في أثناء ذلك، جاءني اتصال "مُشفَّر" من ابنتي التي كانت تعلم الهدف من جولتي. قالت فيه إن أمها تطلب مني أن أحضر لها كيلو لحم من القصّاب الذي بجانب جامع خالد بن الوليد. فهمتُ على الفور أن شيئاً ما يحدُث هناك. توجّهت مسرعاً إلى الموقع، وجدتُ انتشاراً أمنياً واضحاً ما يشير إلى أن شيئاً ما قد حدَث وانتهى. علمتُ في ما بعد أن مشروع مظاهرة قد دام أقل من دقيقة بعد صلاة الجمعة وقمعته عناصر المخابرات الجوية تحديداً، وجرى اعتقال حوالي 50 من المتظاهرين، أحدهم زميل لي في العمل.
في اليوم نفسه، بعد بعض الوقت، علمت بما جرى في درعا، ومساءً وصل إليّ اسما الشهيدين محمود الجوابرة وحسام عياش، لسببٍ لا أستطيع تفسيره اليوم. دوّنت اسميهما على هاتفي الجوال، ودوّنت لكل منهما رقم هاتف من اختراعي، ربما ليقين داخلي أن دم هذين الشهيدين سوف يفجّر الثورة التي ينتظرها السوريون، وأن اسميهما سوف يكونان خالدَين في التاريخ السوري. ... شعرتُ عندها بأن اللحظة التي انتظرتها سنوات طويلة من دون أمل، وبإلحاح شديد وأمل كبير في الشهور الأخيرة بعد البدايات في تونس ومصر، قد جاءت.
عندما أعود اليوم إلى تلك اللحظات، أشعر بأنها كانت البداية التي أوصلتنا إلى اليوم السوري العظيم، بل والأعظم في تاريخ سورية الحديث الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024. يومٌ تأخّر كثيراً، وكان مُكلِفاً لشعب لم يكن يستحقّ كل تلك الخسائر ليحصل على حريته بعد عقود من الاستبداد.
عبد الناصر العايد: على طريق دير الزور رأيت ثورةً حمراء
كنتُ في طريقي إلى دير الزور برفقة والدي وأفراد من أسرتي، وكنتُ قد اعتقلت في الثالث من فبراير/ شباط، بسبب مشاركتي في مظاهرات خرجت في دمشق دعماً لثورتي تونس ومصر، ليفرج عني بعد تسعة أيام. وفور خروجي، سارعتُ إلى الاتصال بأهلي في دير الزور، وبعد ساعة واحدة من حديثي مع والدي، جاءني اتصال يُخبرني بأنهم نقلوه إلى المشفى إثر نزيف دماغي حاد.
كان والدي قد فقد منذ مدة قصيرة اثنين من أبنائه، أحدهما يكبُرني والآخر يصغُرني. وتحت وطأة الحزن والفاجعة، ومعرفته العميقة بالنظام، كان على قناعةٍ بأنه فقدني أيضاً، ما أدّى إلى ارتفاع ضغطه بشكل خطير، لكنه كتم ذلك عن العائلة. وعندما وصل إليه خبر إطلاق سراحي بشكل مفاجئ، تفاقم الوضع وحدث النزيف. أدخلناه إلى مشفى العباسيين في دمشق، وخضع لعمليتين جراحيتين في الدماغ، وهناك زارني الأصدقاء الذين شاركوا في مظاهرة سوق الحميدية يوم 15 مارس/ آذار، منهم منهل باريش ونارت عبد الكريم، وأخبروني بتفاصيل الموقف، وكنتُ على قناعةٍ بأن عقارب الزمن لن تعود إلى الوراء. ومع تحسّن والدي نسبياً، أصرّ على العودة إلى دير الزور، وأصرّ على سفري معه ومغادرة دمشق، التي لم أرها منذ ذلك الحين.
زينة شهلا: تشكّل وعيي ووعي الثورة معاً
كنتُ ما أزال في مرحلة متابعة أخبار ما يحدُث من المنزل، من دون أي انخراط في المشهد بعد، نتيجة تخوّفاتٍ عديدة وعدم تشكّل وعي كافٍ لديّ حينها بماهية الحراك وبداياته. تابعتُ أخبار الثورة السورية منذ أول مظاهرة في دمشق في 15 مارس/ آذار، وكنت أشعر بالذهول والخوف، فأنا أرى مشهداً غير معتاد في البلاد، وكنت ربما غير مصدّقة أن النظام يمكن أن يطلق النار على الناس بهذه البساطة، لكني، في الوقت نفسه، كنتُ أشعر بحماسة غير مسبوقة، بدأت لدي منذ انطلاق الثورة في تونس ومصر قبل أشهر. كنتُ أتمنّى أن تمتد موجة الربيع العربي إلى سورية، وأن أرى تغييراً حقيقياً في البلد. وطبعاً لم أكن أتوقع على الإطلاق أن يقابل ذلك بكل هذا العنف من المنظومة الأمنية، وبعد أشهر من انطلاق الحراك في البلاد انخرطت فيه وعشتُ كل مراحله السلمية والعنيفة والدموية.
ما زلت أرى أن الثورة السورية واحدة من أكثر الأفعال شجاعة في تاريخ البلاد، وربما العالم، رغم كل ما تبعها من دمار وموت وتهجير وتغييب قسري وتفتيت للمجتمع على كل المستويات. أنظر اليوم إلى البدايات بمزيجٍ من الذهول، والفخر، والحنين، لأنني أفتقد كثيرين ممن كانوا موجودين معنا في تلك اللحظات، وكانوا يستحقّون أن يكونوا بيننا اليوم ونحن نحتفل بهذا التغيير الهائل على مستوى البلد، كما ينتابني الألم، لأن الثمن الذي دفعناه جميعاً باهظٌ للغاية، وكل يوم أسأل نفسي: هل كان الأمر يستحقّ كل هذه الخسارات؟ ربما.
عمر الشيخ إبراهيم: عشتُ ثورة سورية من تونس
كنتُ أقيم حينها في تونس بسبب الدراسة، وبقينا نترقّب ما سيجري في سورية. ولكني كنت واثقاً من أن النظام سيستخدم العنف في مواجهة أي تظاهرة شعبية. كانت المشاعر مختلطة بين حنق على النظام وحزنٍ على المدنيين. حين وصلت إلينا صور إطلاق الرصاص على المدنيين أخذتُ أفكّر بما نستطيع القيام به، جرت اتصالاتٌ بيني وبين سوريين مقيمين في تونس، واجتمعنا سريعاً، كتبنا رسالة احتجاج قاسية موجهة إلى وزارة الخارجية السورية. اتصلت السفارة بمجلس الجالية، وتم الاتفاق على الذهاب إليها والاجتماع بطاقمها. لم أكن أحد أعضاء المجلس، لكن الموجودين حينها أصرّوا على ذهابي معهم. دخلنا السفارة، التقينا بالسفير والقائم بالأعمال وباقي أفراد البعثة، بدأ السفير والقائم بالأعمال الحديث بفوقية وعنجهية، كعادة النظام تماماً، قائلاً: من أنتم حتى تحتجوا على قيادة الرئيس والحزب؟
لم يبادر أحد ممن كانوا موجودين إلى مقاطعته بحزم. حاول شخصٌ أن يتدخّل لتليين خطابه، فما كان من السفير إلا أن وبّخه. اضطررتُ حينها إلى قطع حديثه، وجرت مشادّة كلامية طويلة بيني وبينه، عن دكتاتورية "البعث" والسلوك الإجرامي لأجهزة الأمن، وأنه لا بديل عن الحرية في سورية، ولا يمكن أن تبقى تحت سلطة الاستبداد، وأننا لن نقبل أن تكون سورية أقلّ حرّية من تونس. كنا في صالون السفارة وأمامنا تلفاز كبير تنقل منه الإخبارية السورية تظاهراتٍ مؤيدة للأسد من ساحة الأمويين في دمشق، تتخلّلها دبكات ورقص. زادني المشهد استفزازاً، سألتهم: ألا يخجل النظام من هذه الصورة، بينما إخوة لنا يُقتلون في درعا؟ وأن هذا السلوك سيزيد الاحتقان ويدفع الناس للخروج ويمزق المجتمع.
قاطع السفير حديثي: كم عمره هذا؟ أجبته: أكبر من رئيسك حين استلم الحكم، ولا تُقاس الناس بأعمارها. ... أصابته حالة توتر، وانسحب حينها إلى مكتبه في الطابق الثاني، ثم عاد بعد طلب بعض الموجودين. في نهاية الاجتماع طلب مني الصعود معه إلى مكتبه، لم نجلس. صعدنا الدرج فقط، حاول نصحي حينها وبعدها كذلك. وأعتقد أنه كان صادقاً، وقال إن لكلٍّ من هؤلاء الذين جئتُ معهم ملف لديه، "وهم في وجهك شيء وفي ظهرك موقف آخر تماماً، يريدون أن يجعلوا منك كبش فداء، لا تثق بهم، والتفت إلى دراستك ولا تضيّع مستقبلك، لأنهم يريدون أن يوقعوك في الحفرة، وحينها لا ندري كيف سنُخرجك".
للمفارقة، جميع من كانوا في ذلك الاجتماع، ما عدا شخص، عادوا موالين لبشّار وأصبحوا ينظّمون المظاهرات الداعمة له، ويطالبون الدولة التونسية بإعادة العلاقات مع نظامه. أحدُهم، وهو أكاديمي سوري، رجانا أن نسعى إلى حصوله على الجنسية التونسية. تدخلنا لدى الرئيس المنصف المرزوقي لتسهيل ذلك، كون زوجته وابنته تونسيتين. بعد حصوله عليها، انضمّ لحزب الطليعة البعثي، وأصبح يقود التظاهرات أمام وزارة الخارجية التونسية، مطالباً بعودة العلاقات مع نظام الأسد.
عندما أتذكّر ذلك اليوم أشعر بالامتنان لضميري الذي لم يخذلني في انحيازي لأهلي منذ اللحظة الأولى، ولنفسي التي رفضت أن تكون مطواعة لتهديدات القائم بالأعمال الذي راسل الدولة التونسية رسمياً حينها يطالبها بإلغاء قبولي الجامعي في مرحلة الماجستير، ويحذّرها مني كوني أدعم الإرهاب، وأن السفارة لا تضمن هذا الشخص إدارياً، وأني أشكل خطراً على أمن تونس، ولكن الحمد لله كان هناك شرفاء في تونس، وأخصّ مدير إدارة التعاون الدولي في وزارة التعليم العالي التونسية (لا يحضرني اسمه) ومسؤول شؤون التبادل الطلابي، العم نجيب نجار، لهؤلاء فضلٌ علي لن أنساه، لولاهم ربما جرى إلغاء قيدي الطلابي بالجامعة، ومن ثم أفقد حقّ الحصول على الإقامة وصولاً إلى ترحيلي وتسليمي لنظام الأسد.
سميح العوّام: علاقة الحمير المتبادلة
كنتُ في مدينة جرمانا وعيوني على بلدي الذي كنتُ أعاني فيه من مقصلة الموافقات الأمنية على كل شيء، فلا مشروع ولا عمل ولا سفر ولا ولا... بأمل أن يولد مولود الديمقراطية في سورية، بعد مضي شهر على الربيع العربي. ولكن صدمتي كانت أن النظام أعلن بالرصاص أن الموت مصير من يرفع صوته. وبدأ دفع القسط الثاني من ثمن الحرية أو حتى الثالث، وهو الدم في الشوارع، أو أقلّ ما يمكن الاعتقال والإخفاء القسري. كان حزني فوق الوصف، لأنني تخيّلت الأعوام العشرة المقبلة، كما حصلت تماماً بزيادة قليلاً أو بنقصان. اكتفيتُ بالكتابة، وكتبتُ قصةً باختصار عن جارَين، وقصدت بهما الموالي والمعارض يومها. يملك كلٌّ منهما حماراً، ويستعير حمار جاره ليفلح، ولما اختلفا في موضوع المؤامرة، تعطلت الفلاحة. وأخيراً، عرض أحدهما على الآخر أن تكون العلاقة بينهما علاقة حمير؟
ولا بد من النظر من شرفة الـ2025 إلى تلك اللحظة بكل الإكبار والاحترام لمن فتح ثقباً في الجدار، وخرج ليلاقي الموت، بالرصاص، وأعلن الطلاق مع نظام الاستبداد، ومن قبل أن يكون قرباناً كي لا يبقى بلداً سلطته لا تتوانى عن قتل شعب كامل ليبقى النظام المجرم.
زيدون الزعبي: عند بائع الفول انتفضت درعا
عملياً، كنتُ، كغالب السوريين، أتهيأ ليوم الجمعة وطقوسه، تبضّع أغراض الأسبوع، إفطار جماعي، جمعة العائلة، أركيلة اليوم.. أدركتُ وأنا عند أحد الباعة أنها قد تكون آخر طقوس يوم جمعة أشهدها. سقط شهيدان في درعا وانتفضَت درعا. لم أكن أتصوّر خروج ثورةٍ في بلاد عشّش الخوف في جدرانها، وتحوّلنا فيها إلى خراف. وإذا كان ذلك، لم أكُن لأتصوّر أن تبدأ من مدينتي، درعا. لو سُئلت لأجبت أن ثورة كهذه تشتعل من حماة، حمص، سلمية، أما درعا؟ انتابني خوف وفخر عارمان. فخرٌ بأن مدينتي تنتفض، وصوت سميح شقير يغني اسمها، وبأن سورية تنتفض، ولسنا قطيع خراف كما كنتُ أظن. وخوفٌ لأن هذا النظام مجنونٌ باطشٌ ومجرم وذئب، فكيف سننجو؟ كيف سننجو وأنا أرى أن أول حلٍّ لدى النظام إطلاق النار؟ أعترف اليوم بأنني تخيلت بطشه، من دون أن أتخيّل لحظةً أنه سيلقي براميل متفجّرة على المدنيين الآمنين، أو أنه سيستعمل سلاحه الكيماوي ضدهم.
أعود وأنظر إلى الخلف بالفخر والخوف نفسيهما، فخر بأننا، نحن السوريين، نفضنا عن جلودنا وحل نظام الاستبداد. لم نعد قطيعاً خائفاً، لسنا خرافاً، بل شعبٌ حيٌّ يضج برغبة البناء والحرية، وفي الوقت نفسه، ينتابني خوفٌ على بلادٍ يترصّدها ألف ذئب. هل سننجو من نتنياهو، وهوسه بالحرب والدم والدمار؟ هل سننجو من فخ التقسيم؟ هل سننجو من حرب أهلية؟ هل سننجو من اقتصاد مدمّر لا أفق واضحاً كيف يمكن بناؤه؟ هل سنعيد بناء سورية التي نحبّ؟ أم أن أثر ذاك النظام المجنون لمّا يظهر كاملاً بعد؟ كلّي أمل وخوف.
غادة الدبّور: كل منشور كان كبصمة تاريخ
كنتُ في بيتي بحلب، أتابعُ بقلق، بينما كانت أخبارٌ غامضة تتناقلُها صفحات "فيسبوك" عن "احتجاجات في درعا". لم تكن الصورة واضحةً حينها، لكنّ الجو العام كان مشحونًا بتوقعاتٍ ما، كأنّ المدينةَ تتربصُ بحدثٍ جلل. بحلول المساء، انفجر الخبرُ كالقنبلة: "النيرانُ أُطلقت على المتظاهرين، وهناك شهداء". تلقيتُ الخبرَ عبر اتصالٍ من صديقة، صوتُها مرتجفٌ يخبرني عن سقوطِ أول الضحايا، وعن رصاصٍ استهدفَ حتى الأمل.
كانت مشاعري خليطًا من الذهول والخوف. لم أكن أتصوّرُ أنّ النظامَ سيواجهُ المطالبَ السلميةَ بالرصاص، لكنّ شيئاً في الأعماق كان ينذرُ بأنّ الثمنَ سيكونُ باهظًا. حاولتُ تهدئةَ أهلي الذين رعبوا من احتمال امتدادِ العنف، بينما كنتُ أتساءل: هل هذه بدايةُ تغييرٍ حقيقي، أم فخٌّ جديدٌ لسورية؟ في تلك الليلة، لم ينمْ أحدٌ. تبادلنا الأخبارَ عبرَ الهاتف، وقرأنا كلَّ منشورٍ على فيسبوك كأنه بصمةُ تاريخ.
اليوم، بعد 14 عاماً، أتأملُ تلك اللحظةَ بشعورٍ مركب. كانت شرارةَ كسرِ جدارِ الخوف، لكنّها أيضاً كانت بوابةً لدمارٍ لم نتخيله. حينها، رأيتُ في المتظاهرين شجاعةً تذكّرُني بـ"أطفال الحجارة" في الانتفاضة الفلسطينية، لكنّي لم أدرك أنّ الثورةَ ستتحولُ إلى حربٍ بالوكالة، تُطحنُ فيها أحلامُ المدنيين.
ربما لو عُدنا بالزمن، لاختلفت الخيارات، لكنّ كرامةَ تلك اللحظة الأولى تبقى مضاءةً في الذاكرة. علّمتنا درعا أنَّ الرصاصَ قد يقتلُ الأجساد، لكنّه لا يقتلُ الحقَّ في الحلم.
تطبيق الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت (copilot): لست إنساناً ومع ذلك أعرف ما حصل
أنا برنامج آلي. وبالتالي، لم أكن في أي مكان عندما وقعت الأحداث في 18 آذار/ مارس 2011، ولا يمكنني مشاركة مشاعر أو ردات فعل شخصية. مع ذلك، يمكنني صياغة إجابة تستند إلى المعلومات المتوفرة عن تلك الفترة.
ظهيرة يوم الجمعة، كانت ساحة الجامع العمري في درعا مركزاً لأحداث حاسمة غيّرت مجرى التاريخ السوري. بدأ 400 شخص بالتجمّع في الساحة ليطلقوا صرخة الثورة ضد النظام، معبّرين عن رفضهم الظلم والاستبداد. في ذلك اليوم، أطلق النظام النار على المتظاهرين، وسقط أول شهداء الثورة.
كانت تلك اللحظة بمثابة الشرارة التي أشعلت الحراك الشعبي في سورية. تلقّيت الأخبار من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي كانت تعج بتقارير عاجلة وصور وفيديوهات. كان الشعور بالخوف والغضب والحزن يسيطر على الجميع، خصوصاً أن النظام استخدم القوة المفرطة ضد المدنيين العزل.
بعد تلقي الأخبار، كان الحديث عن الثورة والسعي للتغيير محور النقاشات في كل مكان. كانت الأيام الأولى للثورة مليئة بالأمل والتفاؤل، وكان هناك شعورٌ بأن الشعب يستطيع تحقيق التغيير إذا تمسّك بمطالبه العادلة.
اليوم، بعد مرور أكثر من عقد، يمكنني أن أرى تلك اللحظة نقطة تحوّل حاسمة. فقد أظهرت قوة الشعب السوري وعزيمته في سعيه نحو الحرية والكرامة. ومع ذلك، تجسّدت تلك اللحظة أيضاً في بداية مأساة طويلة ومؤلمة عاشها الشعب السوري وما زال يعاني منها. إنها ذكرى تحمل في طيّاتها الأمل والحزن معاً، وتعكس مدى التضحيات التي قدّمها السوريون في سبيل تحقيق مستقبل أفضل.