شمال غزة... عائدون يخشون انهيار الركام فوق رؤوسهم

03 فبراير 2025
خيام قرب الركام في مدينة غزة، 2 فبراير 2025 (خليل الكحلوت/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه النازحون في شمال قطاع غزة دمارًا واسعًا وغياب الخدمات الأساسية، مما يضطرهم لاستخدام أساليب بدائية للبقاء، رغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار وتوفير المساعدات.
- يعاني السكان من صعوبة تأمين الماء والطعام والمأوى، حيث يضطرون لقطع مسافات طويلة للحصول على مياه نظيفة ويعيشون في العراء أو بين الأنقاض، مما يزيد من معاناتهم في ظل نقص المساعدات.
- تفاقمت الأوضاع بسبب الحصار والإغلاق المستمر للمعابر، مما أدى إلى نقص المواد الأساسية وتفشي الأمراض، مع تدمير البنية التحتية وعزلة السكان.

القطاع يشهد وخصوصاً الشمال حتى الآن أزمة كبيرة في توفير المأوى

نحو نصف مليون نازح عادوا منذ بدء الهدنة إلى محافظتي غزة والشمال

مئات العائلات في غزة لم تصلها أي مساعدات إنسانية

وجد العائدون إلى شمالي قطاع غزة أنفسهم في واقع أشد قسوة من واقع النزوح، إذ لم يكن الدمار هو المشكلة الوحيدة، وإنما ترافق معه غياب الخدمات الأساسية، ما اضطرهم إلى أساليب بدائية للبقاء.

تتفاقم معاناة الفلسطينيين في محافظتي غزة وشمال القطاع بعد عودة آلاف النازحين من الوسط والجنوب، بسبب عدم توفر المأوى للكثير من العائلات نتيجة الدمار الواسع الذي خلفه جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تكدّس العائلات في مراكز الإيواء أو في الخيام. وينص اتفاق وقف إطلاق النار الموقع على ضخ كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية والخيام والمساكن المؤقتة (الكرفانات) لإيواء العائلات التي فقدت منازلها، لكن القطاع يشهد، وخصوصاً الشمال، حتى الآن أزمة كبيرة في توفير المأوى، وتؤكد عشرات العائلات الفلسطينية أنه لم تصلها أي مساعدات إنسانية.

وتشير المصادر الرسمية في قطاع غزة إلى عودة نحو نصف مليون نازح إلى محافظتي غزة والشمال منذ سريان وقف إطلاق النار، لكن بعض هؤلاء العائدين قرروا لاحقاً القيام برحلات عودة عكسية إلى الوسط والجنوب نتيجة عدم توفر مقومات الحياة.

تبدأ رحلة البحث عن الماء والطعام يومياً في ساعات الصباح الباكر، إذ يخرج الرجال والنساء والأطفال للبحث عن مياه نظيفة، ويقطع بعضهم مسافات طويلة للوصول إلى صهاريج الإغاثة، بينما يحاول آخرون استخدام الآبار القديمة، في حين تحاول النساء تجهيز الوجبات بأبسط المكونات المتوفرة.

مئات العائلات في غزة لم تصلها أي مساعدات إنسانية

عاد الفلسطيني أبو علاء شبير برفقة أسرته المكونة من ستة أفراد من جنوب قطاع غزة إلى مخيم جباليا، شمالي القطاع، ليطالع ركام منزله الذي دمّره الاحتلال، ما اضطره للسكن بين الأنقاض. يقول لـ"العربي الجديد": "لم أتلق منذ عودتي من الجنوب أي مساعدات إنسانية، ولا حتى خيمة أعيش بداخلها مع عائلتي رغم تردي أوضاعي المعيشية وعدم قدرتي على شراء أي من المستلزمات. توجهت لعدة جهات إغاثية من أجل الحصول على مساعدات غذائية أو خيمة، ولكن من دون جدوى، وأناشد بضرورة توفيرها في أقرب وقت، إذ من الممكن أن ينهار الركام فوقنا في أي لحظة".

لم يكن إيهاب الحناوي أفضل حظاً من شبير، فقد ذاق مرارة عدم الحصول على المساعدات، وهو أيضاً يعيش بلا مأوى. يقول: "عُدت قبل أيام من الجنوب إلى مخيم جباليا، فوجدت منزلي عبارة عن أكوام من الحجارة، والشارع مدمر بالكامل. لم نحصل على خيمة تؤوينا، ولم نتلقَ أي مساعدات غذائية أو مياه صالحة للشرب، ما دفعنا إلى وضع شادر في مقابل ركام منزلنا، ونعيش في العراء بلا أدنى مقومات للحياة، ولا يوجد ما يحمينا من البرد ليلاً".

بدوره، يضطر الفلسطيني صبحي الصرافيتي إلى قطع مسافة تزيد عن كيلومترين يومياً لتعبئة بضعة غالونات من المياه المخصصة للاستخدام اليومي نتيجة انقطاع الماء والدمار عقب عودته إلى مدينة غزة بعد نزوح قسري دام 15 شهراً، لينتقل إلى فصل جديد من المأساة في المنطقة السكنية المدمرة، والتي تفتقر إلى جميع المقومات الأساسية مثل الماء والكهرباء والإنترنت.

جهود تنظيف المنازل مستمرة. 2 فبراير 2025 (خليل الكحلوت/الأناضول)
جهود تنظيف المنازل مستمرة. 2 فبراير 2025 (خليل الكحلوت/الأناضول)

عاد الفلسطيني محمود الخالدي قبل يومين من مواصي خانيونس إلى الشمال، ليجد منزله قد تحوّل إلى أكوام من الركام. يقول لـ"العربي الجديد": "ما زلت أنتظر الحصول على خيمة أسكن فيها مع عائلتي، إذ كان منزلنا يضم سبع عائلات قبل هدمه، ولا نعرف أين سنعيش. لم أتلقَ حتى اللحظة أي مساعدات غذائية رغم أننا سمعنا عن تدفق المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع".
أما سامح عليان فاضطر إلى نقل الخيمة التي حصل عليها خلال نزوحه من شمالي مدينة غزة إلى غربها خلال العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، ونصبها قرب ركام منزله المدمر في مخيم جباليا، ويوضح لـ"العربي الجديد": "لم تصلنا أي مساعدات غذائية، ومعاناتي مضاعفة لكوني لا أعمل بفعل تداعيات الحرب، كما نلاحظ عدم وجود عدالة في توزيع المساعدات الإغاثية حين توفرها بين فترة وأخرى".

يضيف عليان أن والده يعاني من مرض ارتفاع ضغط الدم، ويجد صعوبة في الحصول على الدواء اللازم له، ما يهدد بتفاقم حالته الصحية، معرباً عن أمله في أن يتم توفير الأدوية والمستلزمات الطبية سريعاً لكل المرضى، خصوصاً أنه جرى التوافق على ذلك ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.

يقول الفلسطيني صبحي الصرافيتي إنه فوجئ بدمار واسع في منطقته السكنية، كما أصيبت شقته بأضرار جسيمة، لكن انعدام الخيارات دفعه إلى البقاء فيها، لكنه يعاني يومياً لتوفير الماء، وكذلك لشحن هاتفه. ويوضح لـ"العربي الجديد" قائلاً: "أحاول إصلاح ما تبقى من المنزل، وأسعى إلى توفير المقومات الغذائية الأساسية عبر تكرار زيارة الأسواق الشعبية للحصول على أي مستلزمات في ظل الشح الشديد في المساعدات الغذائية والإنسانية".

إعمار غزة يحتاج إلى سنوات. 2 فبراير 2025 (علي جاد الله/الأناضول)
إعمار غزة يحتاج إلى سنوات. 2 فبراير 2025 (علي جاد الله/الأناضول)

يشير النجار الفلسطيني أحمد عبد الباري إلى أن الحياة في القطاع صارت شبه بدائية، وأنه يخرج في كل صباح مع أبنائه للبحث عن الماء، وأحياناً ينتظرون لساعات لتعبئة بعض الغالونات، بينما لا توجد كهرباء، ما يعني أنه سيظل بلا عمل وبلا دخل، ولا يعرف كيف يطعم أطفاله. ويقول لـ"العربي الجديد": "مع غروب الشمس في قطاع غزة يبدأ تحد جديد يتمثل في انعدام الإضاءة، ما يجبر السكان على استخدام الشموع أو مصابيح الشحن إن وجدت، أو البحث عن نقاط لشحن الهواتف وبطاريات الإضاءة على الطاقة الشمسية، والتي باتت محدودة بفعل تهالك الأجهزة بسبب طول أمد الحرب، ومع انقطاع الإنترنت والاتصالات يبقى الناس في عزلة تامة، ولا يعرفون ما يدور خارج منطقتهم".

تقول الفلسطينية إنعام أبو مرسة إنها تعاني منذ وصولها إلى الشمال، إذ وجدت جدران بيتها مهدمة، ما اضطرها إلى استبدالها بشوادر بلاستيكية لا تحمي من البرد أو المطر أو الحيوانات الضالة والقوارض، فيما تجد صعوبة بالغة في توفير المياه، وتطلب من أبناء الجيران اصطحاب غالون صغير تملكه لتعبئته من مكان بعيد، فيما تحرص على ترشيد الاستهلاك قدر المستطاع.

وتوضح لـ"العربي الجديد" قائلة: "نعيش على الخبز والمعلبات، لكن الأطفال بحاجة إلى طعام طازج، بينما لا يوجد غاز للطهي، وقد بدأت بالطهي على نار الحطب بجوار أكوام الركام، وتتضاعف المعاناة في ساعات الليل بسبب الظلام والبرد وخوف الأطفال. نحاول إشعال الشموع، لكنها لا تكفي. الحياة أصبحت مجرد انتظار بلا أمل".

تقول الطالبة الجامعية ليلى كحيل إنها كانت تدرس عن بعد في المحافظة الوسطى من داخل إحدى مساحات العمل التي توفر الكهرباء والإنترنت بمقابل مادي، لكنها لم تجد أي نقطة مشابهة في محافظة الشمال رغم بحثها المتواصل، وذلك بفعل الدمار الواسع الذي طاول كل أشكال الحياة.

وتبين كحيل، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنها تضطر إلى قطع مسافة طويلة للوصول إلى نقطة لشحن هاتفها وجهاز اللابتوب الخاص بها، ثم تتجه إلى البحث عن وسيلة لالتقاط إشارة الإنترنت في منطقة ثانية، وهذه المحاولات البدائية تكلفها الكثير من المال والجهد والوقت، لكنها مضطرة لمواصلة مسيرتها الدراسية.

إلى ذلك، تقول الفلسطينية أم محمد نبيل، التي عادت إلى بلدة بيت لاهيا بعد نزوح قسري إلى مدينة غزة: "كنا نتوقع أن تكون الظروف أفضل، لكننا فوجئنا بعد عودتنا إلى منزلنا المدمر بأن المنطقة لا تصلح للعيش، ولا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة. نأمل بأن يتم توفير خيمة على الأقل لنسكن فيها، خاصة بعد عودة أحد أبنائي من محافظة خانيونس قبل عدة أيام، الأمر الذي أحدث حالة من التكدس وجعل الخيمة لا تتسع للجميع، ونطالب كل الجهات المعنية بضرورة توفير المأوى والغذاء والماء والدواء، خاصة بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بنا من جراء الحرب".

وكان عدد السكان في محافظتي غزة والشمال يبلغ نحو 700 ألف نسمة عند اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعاش من قرروا البقاء منهم معاناة شديدة بفعل الحصار الذي فرضه الاحتلال عليهم، وتفاقمت الأوضاع مع إغلاق المعابر الحدودية، ومنع إدخال البضائع والمساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تفشي الأمراض بينهم، وأبرزها سوء التغذية الذي أزهق أرواح كثيرين، خصوصاً من الأطفال وكبار السن.

وخلال أشهر العدوان، شددت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحصار على محافظتي غزة والشمال، ونفذت عدداً من العمليات العسكرية البرية، ودمرت مختلف مرافق البنية التحتية، ومن بينها المدارس والمستشفيات، كما أجبرت عشرات الآلاف على تكرار النزوح، سواء بين مناطق الشمال، أو إلى الوسط والجنوب.

المساهمون