استمع إلى الملخص
- يواجه السكان تحديات كبيرة ويطالبون بتوفير مقومات الحياة الأساسية، مع التخطيط لإدخال 200 ألف خيمة و60 ألف كرفان كمرحلة أولى للإيواء العاجل.
- أكد ديفيد ميليباند على أهمية تسريع إدخال المساعدات، مشيرًا إلى الحاجة الماسة للتمويل لتقديم المياه والصرف الصحي والرعاية الصحية وحماية الأطفال.
لم يكن أمام الأهالي الذين عادوا إلى مناطقهم في شمال قطاع غزة، غير نصب خيام فوق ركام منازلهم، في ظل الدمار الكبير الذي حل بمناطقهم، في انتظار وصول الكرفانات
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، يوم الأحد الماضي، عاد العشرات من سكان مناطق شمال القطاع إلى منازلهم المدمرة، ونصبوا خياماً على أنقاضها، في رسالة تُعبر عن مدى تمسكهم بأرضهم ورفضهم الرحيل عنها رغم الدمار الهائل الذي حلّ بها.
ويأمل هؤلاء الذين يتحدرون من مناطق شمال القطاع (مخيم جباليا وبيت لاهيا ومشروعها وبيت حانون)، بتأمين كرفانات تؤويهم وعائلاتهم من برد الشتاء وحر الصيف المقبل، وخصوصاً في ظل الحديث عن السماح بإدخال الكرفانات والخيام إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر رفح البري، جنوبي القطاع.
ويفترض إدخال 200 ألف خيمة و60 ألف كرفان في مرحلة أولى للإيواء العاجل للأسر المتضررة. ويطالب السكان بضرورة توفير مقومات الحياة الأساسية، وهي المأوى والمياه والصرف الصحي، من أجل تمكينهم من البقاء في شمال غزة الذي جعله الاحتلال منطقة غير صالحة للحياة. وكشفت العملية العسكرية التي نفذها الاحتلال في شمال قطاع غزة في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عن حجم الدمار الكبير الذي حلّ في هذه المناطق، وخصوصاً في مخيم جباليا وبيت لاهيا ومشروعها وبيت حانون، حيث لم يفرق بين البشر والشجر والحجر، وهو ما رآه السكان خلال عودتهم لتفقد بيوتهم وممتلكاتهم.
وضع الفلسطيني أبو عمر المقيد (50 عاماً)، أقمشة على أكوام الحجارة التي بقيت من منزله المدمر في مخيم جباليا، شمالي القطاع، وراح يتكئ على فرشة صغيرة. يقول: "الحياة هنا صعبة وتفاصيلها أصعب، فحجم الدمار الذي حلّ في المنطقة يفوق تصور العقل البشري. ما حدث أشبه بزلزال حقيقي". يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "أنا موجود على أنقاض بيتي المدمر منذ اليوم الأول لبدء سريان وقف إطلاق النار، ولا أغادره ليلاً ولا نهاراً، وسأبقى صامداً. ما زلت أبحث عن بقايا الحياة التي أعدمها الاحتلال خلال عمليته العسكرية البشعة". ويطالب المقيد جميع الجهات المعنية والدولية بضرورة الإسراع في توفير الخيام أو الكرفانات لإيواء السكان وتثبيت صمودهم على أرضهم. ويختم حديثه قائلاً: "باقون هنا مهما تحملنا من ثمن".
من جهته، يجلس الفلسطيني محمد سعدة (57 عاماً)، على أحد الحجارة المتبقية من منزله، وأمامه اثنان من أبنائه يغرزان أعمدة حديدية في الأرض لبناء خيمة تؤويهم. يقول: "جئت بسرعة كبيرة إلى مخيم جباليا للاطمئنان على منزلي منذ الساعات الأولى لبدء سريان وقف إطلاق النارة، فكان مشهد الدمار كبيراً لا يمكن للعقل البشري وصفه. كانت صدمتي كبيرة، فالاحتلال جعل شمال غزة منطقة لا تصلح للحياة مُطلقاً". يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "رغم هذه الجراح والمأساة والظروف الصعبة التي سنعيشها في قادم الأيام، سنبقى في المخيم ولن نتخلى عنه. أُقيم خيمة فوق ركام منزلي من أجل البقاء فيها برفقة عائلتي المكونة من سبعة أفراد، حتى نؤوي أنفسنا من برد الشتاء بعدما أصبحنا في العراء".
ويناشد كل الجهات المسؤولة بتوفير خيام وكرفانات ومياه صالحة للشرب وأخرى للصرف الصحي بشكل سريع، وخصوصاً مع اقتراب عودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، الذين لن يكون لهم مأوى بعد تدمير بيوت معظمهم.
من جهته، انتهى المواطن نضال شلحة (40 عاماً)، من نصب خيمة مُلاصقة لبيته الذي أصبح عبارة عن أكوام من الحجارة. ويقول: "مشاهد الدمار في جباليا أصابتني بصدمة كادت أن تودي بحياتي. لكن في وقت لاحق، نقلت خيمتي التي كنت أسكن فيها خلال نزوحي إلى مخيم الشاطئ، غرب غزة، ووضعتها على أنقاض منزلي لأعيش فيها". ويروي شلحة لـ"العربي الجديد": "رغم عدم توفر أي مقومات للحياة في جباليا، إلا أنني نصبت الخيمة بين الركام لأعيش فيها مع أسرتي، وأستقبل بقية أفراد العائلة القادمين من جنوبي قطاع غزة إلى هنا".
يحكي وعلامات الأمل ترتسم على ملامحه: "سأبقى صامداً في أرضي وبيتي رغم الدمار الذي لحق به. مع ذلك، نأمل بتوفير كرفانات أو خيام لنا بأسرع وقت ممكن".
ويقف الفلسطيني شادي الصباغ (48 عاماً)، أمام خيمته التي نصبها بين أكوام الحجارة المتبقية من منزله والمنازل المجاورة، ويقول: "أسكن في مخيم جباليا. فيه وُلدت وترعرعت ولن أتركه حتى لو أصبح ركاماً. لم أجد أجمل من تلك المنطقة التي أمضيت فيها سنوات طويلة وعشتُ فيها أجمل الذكريات". يواصل الصباغ حديثه لـ"العربي الجديد" قائلاً: "أصبحنا بلا مأوى بعدما دمّر الاحتلال المخيم بأكمله وحوّله إلى حجارة. مع ذلك، لجأت إلى بناء خيمة صغيرة لا تحتوي على فراش وأغطية تعتبر مصدراً للتدفئة"، مطالباً بإنقاذ المخيم عبر توفير مآوٍ للسكان، وإزالة الركام من الشوارع لتسهيل الحركة.
أما الشاب محمد أبو سعدة (25 عاماً)، فيقول لـ"العربي الجديد": "عدت إلى بيتي في مخيم جباليا، وسأعيش داخل هذه الخيمة رغم كل الظروف الصعبة التي حلّت بالمخيم وعدم توفر مقومات الحياة الأساسية. ندعو العالم إلى أن ينظر إلينا بعين الرحمة ويسرع في إدخال الكرفانات".
أما الفلسطينية سالي شبير (32 عاماً)، فبدت الحسرة على وجهها، بعدما رأت ما وصل إليه حال مخيم جباليا، شمالي القطاع. تقول: "أنا هنا في المخيم ولن أرحل. سأقضي أيامي المقبلة داخل الخيمة مع أسرتي فوق ركام منزلي المدمر". تضيف شبير التي بدا عليها التعب والإرهاق كونها تحمل في أحشائها طفلاً سيبصر نور الحياة بعد أيام قليلة، قائلة لـ"العربي الجديد": "أتمنى توفير كرفان لي يتناسب مع الحالة الصحية الصعبة التي أعيشها، وخصوصاً أن موعد ولادتي اقترب، عدا عن إصابتي بضغط الدم ومرض السرطان".
في مشروع بيت لاهيا، شمالي القطاع، كان المشهد مشابهاً لمخيم جباليا. انتهى المواطن أبو آدم المدهون (33 عاماً)، من نصب خيمته أمام ركام منزله المدمر. ويقول: "سأبيت هنا مع عائلتي وأطفالي، فقد سئمت النزوح في مخيم الشاطئ، غربي مدينة غزة، منذ أكثر من مائة يوم"، ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الخيمة التي نقلها من مخيم الشاطئ إلى مشروع بيت لاهيا صغيرة ولا تكفي عائلته. لذلك يأمل بأن يتم توفير كرفان له.
وكان رئيس لجنة الإنقاذ الدولية ديفيد ميليباند قد قال إن "المساعدات خطوة كبيرة للأمام، ولكن أخشى أن يستغرق الأمر بعض الوقت، ونحن نريد أن نُسرّع وتيرة إدخال المساعدات قريباً"، وأوضح أن "لجنة الإنقاذ الدولية تركز على تقديم المياه وخدمات الصرف الصحي للسكان وحماية الأطفال وخدمات الرعاية الصحية. وما يهم فعلياً هو الدواء والماء والوقود وموظفو الإغاثة، وما إذا كان ذلك سيحصل بأمان"، في إشارة إلى عمليات النهب والتهديدات الأمنية التي كانت تحد من وصول المساعدات إلى غزة خلال الحرب التي استمرت 15 شهراً. وأشار ميليباند إلى "ضرورة توفير التمويل اللازم من أجل استمرار عمليات الاستجابة في غزة بسبب الحاجة إلى أكبر زيادة في المساعدات التي يمكن تخيلها لأن حالة الطوارئ هائلة".
وبدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي يوم الأحد الماضي. ويتضمن الاتفاق ثلاث مراحل، وتشتمل المرحلة الأولى ومدتها 42 يوماً، على الوقف المؤقت للعمليات العسكرية المتبادلة، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة بما فيها محور نتساريم (وسط القطاع)، إلى مناطق بمحاذاة الحدود، وفتح معبر رفح (جنوبي القطاع)، بعد سبعة أيام من بدء تطبيقه، ودخول 600 شاحنة يومياً من المساعدات الإنسانية، وتخفيض القوات الإسرائيلية في منطقة محور صلاح الدين (فيلادلفي)، جنوبي القطاع.