يعدد الأتراك، بمجرد سؤالك عن فوائد الشلغم، فوائد عدة، تبدأ من علاج الصداع ولا تنتهي عند السرطان، ليدخل هذا الشراب أخيراً، بالطرائق الشعبية، في الوقاية من فيروس كورونا الجديد
يُوجِد الترويج وحسن التصرف فارقاً كبيراً بين الشهرة وعدمها. فمياه مخلل اللفت المعروفة في بلاد الشام، التي تُشرَب مع بعض المأكولات الشتوية، وفي مقدمتها المجدرة (برغل بعدس) هي نفسها شراب الشلغم التركي، مع فارق بسيط في التحضير، لكن مع بون شاسع جداً في الترويج والاستثمار. باتت "مرقة المخلل" علامة مسجلة في تركيا، وصلت إلى الأسواق الخارجية بعدما باتت طقساً غذائياً ومرافقاً إلزامياً لبعض الأطعمة، في ولايتي أضنة وعثمانية، جنوبي تركيا، على وجه التحديد.
ويروي بولانت باش، من أضنة، لـ"العربي الجديد" أنّ عشرات المحال منتشرة في الولاية، لبيع الشلغم في كؤوس للعابرين، توضع فيها أحياناً قطع الجزر الأسود، فضلاً عن كونه يقدَّم إلى جانب الكباب الأضني الحارّ، حتى من دون أن يطلب الزبون ذلك. وعن انتشار هذا المشروب في تلك الولاية حصراً، بل وتصديره إلى الولايات التركية كافة، يبيّن العامل في القطاع الغذائي باش، أنّ التربة وتوافر المياه في أضنة، هما السبب الرئيسي لهذا التخصص: "هنا موطن زراعة اللفت الأصلي، وهنا يتوافر الجزر الأسود والشمندر اللذان يدخلان كمكوّنين رئيسيين، إلى جانب اللفت، في إعداد الشلغم، وهذا الشراب بات مصدر رزق لآلاف الأسر في الولاية، بعد الانتقال من التصنيع البيتي البسيط إلى مصانع ما زالت يدوية".
وعن طرائق إعداد الشراب والمكونات اللازمة فيه، يقول باش ضاحكاً: "تذكروا أنّ الشلغم هو بمثابة الشراب الوطني هنا، وقد أدمن أهل الولاية شربه، ولو كأساً في اليوم، ويصنع من اللفت والجزر الأسود وخميرة البرغل (يصنع من القمح) الطبيعية والماء والملح. ولا نضع خلاً مع الشراب كما في البلدان العربية. بعد ذلك يوضع الشراب طوال عشرين يوماً في براميل مخصصة مصنوعة من خشب التوت لإعطائه طعمه المميز، وحينما تطفو الخميرة البيضاء على سطح البراميل، يكون قد نضج، فيُباع بعدها ببراميل للمحال التجارية في أضنة، ليعلب بعدها ويُباع للولايات بقوارير بأحجام مختلفة". يضيف أنّ هذا الشراب "بات يصدَّر إلى خارج تركيا، خصوصاً ألمانيا من دون أيّ مواد حافظة. وقد انتشرت المعامل اليدوية، فهناك في أضنة وعثمانية نحو 40 معملاً، ينتج أكبرها نحو 50 طناً سنوياً. ويوزع الشراب على الولايات التركية بثلاث علامات تجارية معروفة ومشهورة".
وبينما لا يوجد تأكيد طبي لفوائد الشلغم، تقول الرواية الشعبية التركية إنّه يشفي فوراً من الصداع وآلام الحلق، ويفيد الأمعاء، ويعالج من أمراض خطيرة كالسرطان. وقد ارتفعت مبيعات الشلغم خلال العام الجاري، بعد تفشي وباء كورونا، بحسب تصريحات نسرين هيتاي، من ولاية أضنة، وهي التي تعمل في إنتاج اللفت وبيع مشروبه: "اللفت الحارّ له تأثير فعال في القضاء على البكتيريا في الحلق، وقد أكد الخبراء ذلك بالفعل... لذلك، دعونا نشرب اللفت، فهو مضاد لفيروس كورونا". وتشير هيتاي إلى أنّ مبيعات اللفت المرّ زادت بنسبة 25 في المائة منذ الشهر الأول لتفشي فيروس كورونا، فيما مشروب اللفت الحارّ مصنوع بنحو طبيعي من خضار اللفت، ومن جهتها، فإنّها تنتج اللفت وتبيع مشروبه برفقة عائلتها منذ 35 عاماً. تضيف أنّ مبيعات مشروب اللفت الحارّ زادت أيضاً خارج المدينة: "الجميع يدرك فوائد مشروب اللفت الحارّ. هم يشربونه ويحبون نكهته المرّة ويريدون المشروب المصنوع يدوياً من دون أي منكهات وعناصر صناعية حافظة، فمشروب اللفت الذي يحتوي على إضافات ينفر منه كثيرون، ويطلبون ما هو طبيعي 100 في المائة".
من جهته، يؤكد إبراهيم كان أوغلو، صاحب مطعم في منطقة الفاتح بإسطنبول، زيادة استهلاك الشلغم خلال هذا العام، ففي السابق، كان الطلب يقتصر على من يأكل التشي كوفتا (لحم نيء) أو الكباب أو من يشربون العرق التركي "يني راكي"، لكن بعد ما قيل عن فوائد الشلغم، بات معظم الزبائن يطلبونه مع الوجبات، إلى حدّ أنّه بات يرافق الطعام، خصوصاً اللحوم والأسماك. ويقول كان أوغلو لـ"العربي الجديد" إنّ "الطلب زاد على الشلغم الحار، للاعتقاد أنّه يعقّم الحلق والأمعاء ويكافح الأمراض، ولا سيما فيروس كورونا". يضيف: "كان الشلغم طقساً أضنياً، لكنّ إسطنبول اليوم تستهلك أضعاف ما يباع في أضنة وعثمانية، لأنّ الترويج له زاد، وتكاثر الاعتقاد بأنّه مفيد للقلب ويقوّي الجهاز المناعي ويقي من الإصابة بالسرطان ومفيد للجهاز الهضمي ويساعد في التخلص من الوزن الزائد". يختم ضاحكاً: "ربما كان للشائعات التي تقول إنّه مقوٍّ جنسي دافع إضافي لتناوله، إلى جانب العرق التركي خصوصاً".