سوريون يعيدون تدوير مواد بناء المخيمات لترميم منازلهم

21 ابريل 2025
يصطحبون كل ما يمكن حمله، 12 إبريل 2025 (عبد الباسط هاشتيفي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في مخيمات الشمال السوري، يبذل النازحون جهودًا ذاتية لإعادة بناء منازلهم المدمرة باستخدام مواد بناء مستعملة، في ظل غياب الدعم الدولي، مما يعكس الفجوة بين الاحتياجات والواقع الإغاثي الهش.

- نهاد الأمين، أب لخمسة أطفال في مخيم كفر دريان، يعيد تدوير مواد البناء لحماية أطفاله من الظروف الجوية، وهي ظاهرة شائعة في المخيمات حيث يجمع النازحون مواد مثل النوافذ والأبواب.

- رغم المخاطر والواقع الاقتصادي المتأزم، يواصل النازحون جهودهم للعودة إلى ديارهم، حيث يعيش أكثر من 80% منهم تحت خط الفقر، مما يجعل إعادة التدوير الخيار الوحيد.

في مخيمات الشمال السوري، حيث تتقاطع الخيام مع الغبار، تكررت مشاهد غير معتادة لرجال وأطفال يحملون على أكتافهم كتلاً إسمنتية، أو أسياخاً حديدية ملتوية، أو ألواحاً من الخشب، مع تدقيق المشهد، يتضح أن ذلك ليس ضمن جهود البناء بتمويل من جهة إنسانية، بل مسعى ذاتي من أشخاص يحاولون إعادة بناء منازلهم التي دمرتها الحرب بما يتوفر لهم من مستلزمات.
تلجأ مئات العائلات النازحة التي تعيش على الحد الأدنى من مقومات الحياة في ريف إدلب إلى وسائل بدائية لا تخلو من المخاطر لترميم منازلها أو تأهيلها، أو ما تبقى منها في بلداتها المدمرة، في الوقت نفسه، تتعثر الحلول السياسية مع استمرار غياب الدعم الدولي لخطط إعادة إعمار سورية.
وتعكس الظاهرة الآخذة في الاتساع حجم الفجوة بين الاحتياجات الفعلية والواقع الإغاثي الهش الذي تعيشه مجتمعات الشمال السوري المنهكة، في محاولات ذاتية لاستعادة الحياة من بقايا حياة سابقة، وهي أيضاً تعكس في عمقها غياباً دولياً صارخاً عن واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية المعاصرة.
في مخيم كفر دريان، أحد أكبر مخيمات النازحين في ريف إدلب، بدأ نهاد الأمين، وهو أب لخمسة أطفال، باقتلاع مواد البناء من مسكن النزوح المؤلف من بلوك قديم وسقف من النايلون لإعادة تدويرها في منزله بريف حماة الشمالي، والذي دمر جزئياً إثر قصف جوي قبل ثلاث سنوات. 
يقول الأمين لـ"العربي الجديد": "لا نملك رفاهية الانتظار، فلا مشاريع لإعادة الإعمار تلوح في الأفق، وهذه البقايا كل ما أملك، إذ لا أستطيع شراء إسمنت أو حديد جديد، لذا أستعيض عنها بهذه المواد المستعملة لبناء غرفة صغيرة في بلدتي من البلوك المهشم لأحمي أطفالي من برد الشتاء وحر الصيف".
لا يحمل الأمين معه إلى بيته المدمر أعباء الحياة وحدها، بل يحمل أيضاً بقايا أحلام تدعمها إرادة البقاء. يقول "حين نزحنا إلى هذه المناطق، ساعدتنا جهات إنسانية في تأمين بعض مواد البناء لتجهيز مأوى، والآن ليس لدي من المال ما يكفي لشراء الحد الأدنى من المواد لإصلاح منزلي بعد تحرير مناطقنا في ظل الفقر وقلة فرص العمل، فكان هذا الإسمنت المتشقق والحديد الصدئ ملاذي الوحيد".
تنتقل ظاهرة إعادة التدوير من مخيم إلى آخر، وتستهدف كل ما يمكن الاستفادة منه، من النوافذ والأبواب والبلاط والأخشاب، والبراغي والمسامير أيضاً، وتخزن هذه المواد في زوايا الخيام تمهيداً لنقلها لاحقاً.

إعادة تدوير كل ما يصلح، 12 إبريل 2025 (عبد الباسط هاشتيفي/ الأناضول)
إعادة تدوير كل ما يصلح، 12 إبريل 2025 (عبد الباسط هاشتيفي/الأناضول)

في أحد الأزقة الضيقة داخل مخيم أطمة، يجر الطفل بشار النجار (13 سنة) بثياب مهترئة ووجه مغبر، عربة حديدية صغيرة ملأها بالحجارة والبلوك المهشم، والتي جمعها من بقايا منازل العائدين إلى بلداتهم. يقول: "أنا الرجل الوحيد في البيت، ولا وقت للدراسة أو اللعب. فقدت أبي، وأمي مريضة، وأختي صغيرة، وفي كل صباح أذهب إلى البيوت المهجورة للبحث عن البلوك والنوافذ القديمة، فهي أملنا الوحيد لبناء بعض من منزلنا الذي دمره قصف الطيران الحربي في خان شيخون. لا نستطيع البقاء وحدنا هنا طويلاً، فقد بدأ الجيران من حولنا يعودون إلى ديارهم الواحد تلو الآخر".
وباتت ظاهرة اقتلاع مواد البناء ونقلها مع الأمتعة شائعة بين العوائل التي قررت مغادرة المخيمات والعودة إلى ديارها، إذ يخرج عشرات النازحين يومياً إلى بلداتهم حاملين معهم ما تيسر من مواد بناء ليعيدوا تدويرها في ترميم منازلهم المدمرة، أو تدعيم جدرانها المهترئة.
يقول محمد العبد الله، وهو عامل مياومة في أحد المخيمات، إن "سعر طن الإسمنت يتجاوز 150 دولاراً، وسعر الحديد يرتفع كل شهر، حتى شراء الأخشاب بات رفاهية لا يقدر عليها كثيرون، فكيف يمكنهم إعادة إعمار منازلهم في ظل هذا الغلاء؟ إعادة تدوير مواد البناء المستعملة باتت الخيار الأفضل لكثيرين في ظل الغلاء والاستغلال وعدم ثبات الأسعار بحجة الضرائب والجمارك وارتفاع قيمة الدولار".
وتتجاوز الظاهرة مجرد الحاجة إلى البناء، لتعكس واقعاً اقتصادياً متأزماً، ووفق إحصائيات منظمات إنسانية عاملة في الشمال السوري، يعيش أكثر من 80% من سكان المخيمات تحت خط الفقر، بينما يعاني معظمهم البطالة، أو يجدون بعض الأعمال المؤقتة التي لا تكفي لتأمين الغذاء، فكيف بمواد البناء؟

ولا تخلو محاولات الحصول على مواد يمكن تدويرها من مخاطر، فمحاولات الحصول عليها قد تؤدي إلى إصابات، كما أن حمل كتل إسمنتية أو السير بين الأنقاض قد يؤدي إلى كسور أو جروح خطيرة، خصوصاً بين الأطفال.
يقول المهندس المدني خالد الأحمد لـ"العربي الجديد": "هناك حاجة إلى توعية النازحين بخطورة بعض المواد، كما أن الاستخدام العشوائي للحديد المنحني أو البلوك المتشقق قد يؤدي إلى انهيار الأبنية، لكن رغبة النازحين في العودة تتغلب على مخاوفهم، فهم مستعدون للمخاطرة بكل شيء مقابل الخروج من المخيمات. ضعف المقاومة الإنشائية للبلوك المستعمل الذي تعرض لعوامل جوية مثل الرطوبة أو الشمس يقلل من متانته، فلا يتحمل، ما يؤدي إلى تشقق الجدران، أو انهيار جزئي مع الوقت".
ويوضح الأحمد: "التأثر بالرطوبة وامتصاصها يتسبب في نمو العفن داخل الجدران، إضافة إلى تآكل وفقدان الشكل الهندسي من جراء تعرضه للكسر أو فقدان زواياه الحادة أثناء اقتلاعه، ما يجعل من الصعب التراص الجيد أثناء البناء، وبالتالي قصر العمر الافتراضي للمبنى، وزيادة حاجته إلى الصيانة بشكل مستمر".

المساهمون