استمع إلى الملخص
- يعاني العائدون من البطالة ونقص التعليم والرعاية الصحية، حيث يضطر الأطفال للدراسة في مبانٍ مهددة بالانهيار، والمرضى لقطع مسافات طويلة للوصول إلى مراكز صحية شبه خالية.
- تلجأ بعض العائلات إلى ترميم منازلها أو السكن في الخيام، معتمدين على الزراعة وفتح محال صغيرة، بينما تبقى الجروح النفسية تحدياً كبيراً في ظل غياب الدعم النفسي.
عند أطراف مدينة معرة النعمان، تراقب نائلة الجدعان (45 عاما) تقدّم أعمال الترميم في منزلها المتضرر، من جراء القصف وعمليات النهب التي نفذها عناصر جيش نظام الأسد والشبيحة في المدينة، ومعظم مدن وبلدات ريف محافظة إدلب شمال غرب سورية. تقول بحسرة في حديثها لـ"العربي الجديد": "عدنا إلى أنقاض لا إلى بيوت، كنا نظن أن العودة ستنهي معاناتنا، لكنها كانت بداية تحد أكبر، دمار المنازل، غياب الخدمات الأساسية، وشح فرص العمل، وسط جهود إغاثية محدودة لا توازي حجم الاحتياجات".
ونائلة ليست الوحيدة التي وجدت منزلها مجرد أطلال، بل إن معظم العائدين يواجهون مساكن غير صالحة للسكن، تقول "رممنا غرفة صغيرة بالكاد تكفينا للنوم، إذ لا إمكانات لدينا لترميم أكثر من ذلك وسط الفقر والغلاء الكبير، أحمل الماء على رأسي من البئر، وأطهو على الحطب، لم تعد أمامنا خيارات كثيرة، وتابعت: "أزرعها خضارا، نحن بحاجة أن نعيش، مهما كانت الظروف قاسية، لن نغادر بيوتنا مجددا".
وفي الخصوص تؤكد مفوضية اللاجئين أن العائلات السورية العائدة إلى مناطقها بحاجة للدعم من أجل إصلاح منازلها، والحصول على عمل إضافة للوصول إلى الخدمات الأساسية، مع الإشارة إلى الحاجة لمزيد من الدعم الدولي في هذا الخصوص.
أما مصطفى عرفان (39 عاما) فعاد مع عائلته إلى ريف حماه الشمالي ليجد نفسه عاطلًا عن العمل، يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نحلم بالعودة، واليوم نحلم بوظيفة، لا مصانع، ولا ورش، فقط عمل يومي بالكاد يسد الرمق"، يضيف: "كنا في حالة يرثى لها، والوضع في الوقت الراهن أصعب. نحن أمام معضلة ترميم السكن وهي أمر لا يستهان به".
وفي القرى والمدن التي عاد إليها سكانها حديثاً تسود مشاهد الأطفال خارج المدارس والخدمات شبه المنهارة بينما التعليم والرعاية الصحية من أبرز التحديات في مناطق العودة، رنا عبودي معلمة في مدينة كفرنبل، تروي مشاهداتها لـ"العربي الجديد"، وتقول: "الأطفال يفترشون الأرض، لا مقاعد، لا كتب، والمبنى مهدد بالانهيار"، وأشارت إلى غياب الجانب الصحي، حيث يضطر المرضى لقطع مسافات طويلة للوصول إلى مراكز شبه خالية من الأدوية والكادر الطبي.
وبعيداً عن الاحتياجات المادية، يعاني العائدون من جروح نفسية عميقة لم تجد من يداويها وفق ما تحدثت عنه رنا قائلة: "أرى الكوابيس كل ليلة، أصحو خائفة، لا مراكز دعم نفسي هنا، فقط الألم الصامت"، وتتساءل هل يتحرك المجتمع الدولي بما يكفي لدعمنا من أجل إعادة بناء حياتنا، أم سنترك ينهكنا اليأس والإهمال".
وتقتصر عمليات الترميم لدى بعض العوائل العائدة على ترميم غرفة أو غرفتين، ومرافق للمنزل طارئة بهدف استمرار حياتهم في المسكن بالحد الأدنى دون، لا سيما تلك العوائل التي عادت لتعمل ضمن مناطقها كما في مدينة معرة النعمان، أو في مناطق ريف إدلب الجنوبي كما بلدة الهبيط، وريف حماة الشمالي ومنها كفرنبودة وكفرزيتا. وهي مناطق تعتمد على الزراعة.
ويتطلب العمل في الأرض البقاء ضمن المنطقة، وفق ما أشار إليه محمد الضاهر المنحدر من مدينة معرة النعمان في حديثه لـ"العربي الجديد"، لافتا أن بعض العوائل ترمم بما يتاح لها، وبعض سكان المدينة افتتحوا محال وورش صيانة.
ولجأت بعض العوائل غير القادرة على إجراء عمليات ترميم، للسكن في الخيام حتى بعضهم شيد الخيمة على أنقاض منزله، وفي الخصوص أوضح الشاب فراس حمود (18 عاما) المتحدر من ريف حماة الشمالي في حديثه لـ"العربي الجديد" حيث يعمل في البناء، أن بعض العوائل تكتفي بترميم غرفة واحدة، تضع اغطية على النوافذ والأبواب، وبدؤوا بزراعة أرضهم. وقال: "نعمل في تحطيم الأسقف المنهارة، وكذلك إزالة الأنقاض، قلة هي التي تعمل على الترميم الكامل".