سورية ومشكلة الإنترنت القاتلة

سورية ومشكلة الإنترنت القاتلة

30 مايو 2021
تعليم عن بعد (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يمكن النظر إلى الوضع التعليمي في سورية بمعزل عن الظروف التي تجتازها البلاد أمنياً، وما قادت إليه لجهة وجود الملايين من النازحين في البلاد والمهجّرين منها، ما يعني أنّ ملايين التلامذة في حال انقطاع كلي أو جزئي عن التعليم، ومن يتيسر له الدخول إلى مدرسة ما يعاني من عجزه عن توفير مقومات التعليم عن بُعد، إذ يتعذر على من يسكن في مخيم في لبنان أو الأردن أو تركيا تأمين شبكة الإنترنت، أو من هو نازح من سكنه الأصلي ومقيم في منزل خارج قريته أو مدينته توفير شبكة الاتصال. المسجلون لدى مفوضية شؤون اللاجئين لا توفر لهم المنظمة الدولية مثل هذه الخدمة "الترفيهية". وفي الداخل المستقر تبين أنّ عملية التعليم بواسطة الوسائل الرقمية متواضعة بالقياس إلى الحاجات. وقد بدأت المشكلة ما إن أقفلت المدارس أبوابها وعاد تلامذة المدارس وطلاب الجامعات إلى بيوتهم.  
والواقع أنّه ما إن ظهر شبح الوباء في الأفق حتى بدت البدائل والوصول إليها أمراً متعذراً. وما زاد الطين بلة أنّ ذلك قد حدث مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية ونهاية الفصل الدراسي العام الماضي. ومع أنّ التعليم عن بُعد بدا الخيار الوحيد المتاح، فإنّه تبين عدم توفره بالنظر إلى قدم شبكة الإنترنت، ما يضع سورية تقريباً في أسفل قائمة الدول في تأمين هذه الخدمة للسكان. وكانت النتيجة وقوع الأساتذة والطلاب وأولياء الأمور في ورطة قاسية.
وسط مثل هذا الوضع كانت الحلول المتاحة عبارة عن مبادرات فردية في ظل عجز وزارتي التربية والتعليم والاتصالات عن النهوض بمسؤولياتهما، فكان أن بادرت بداية مجموعات من الأساتذة والطلاب إلى إنشاء مواقع مغلقة خاصة بهم على "فيسبوك" لمتابعة المواد، بما فيه الاستماع إلى الدروس والتواصل مع المربين. ونتيجة غياب الحلول العامة فعلياً توسع نطاق مثل هذه المبادرات لتشمل القسم الأساسي من الأساتذة والمعلمين والطلاب في مختلف المدن والمناطق. 

موقف
التحديثات الحية

لكنّ اعتماد هذا التوسع لا يعني أن الأوضاع تسير نحو استيعاب وفهم الدروس خلاف الأسلوب التقليدي الذي درجوا عليه، حيث يستطيع المعلم أن يشرح الدرس ثم يتأكد من إدراك الطلاب له. مثل هذا الوضع يظل إشكالياً لجهة المواد التطبيقية التي تحتاج إلى مختبرات وعمليات تحضير ووسائل إيضاح وهنا تقع الواقعة. فإذا كانت عملية الشرح تلقى قبولاً لدى الطلاب في بعض المواد، إلّا أنّها لا تجد ذلك في العديد من المواد العملية. 
وما يفاقم المشكلة هو بطء شبكات الإنترنت في سورية والتي تصنف بين الدول بأنها في المرتبة 195 عالمياً، يضاف إليها عدم توافر التيار الكهربائي طوال الوقت، وفقدان أو عدم ملكية التجهيزات اللازمة وتعذر الحصول عليها مع انهيار قيمة الليرة السورية. وكلّها عناصر تعيق عملية تواصل ناجحة.  
وعندما عمدت وزارة الاتصالات إلى اتخاذ قرارها بتحويل بوابات شبكات الإنترنت إلى نظام الباقات بعدما كان مفتوحاً للاستخدام باشتراك على مدار الساعة دون قيود، تبين أنّ هذه النقلة صعبة التحقيق وجاءت نتائجها مخيبة للآمال.
(باحث وأكاديمي)

المساهمون