استمع إلى الملخص
- تعرضت قرى جبلي الأكراد والتركمان لأضرار بيئية وزراعية جسيمة نتيجة القصف والحرائق، مما أثر على الأراضي الزراعية كمصدر رزق رئيسي للسكان.
- تشكل الألغام ومخلفات الحرب عائقاً كبيراً أمام عودة النازحين، حيث تسببت في مقتل وإصابة العديد من المدنيين، مما يستدعي جهوداً لتأمين المناطق المتضررة.
يُواجه نازحو ريف اللاذقية الشمالي المُهجّرون منذ سنوات إلى مخيمات عشوائية عند الحدود السورية التركية صعوبات بالغة تمنع عودتهم إلى قراهم وبلداتهم، رغم سقوط نظام بشار الأسد وإزالة الحواجز العسكرية التي كانت تمنعهم من العودة.
على بعد أقل من 50 كيلومتراً شمال شرقي اللاذقية غربي سورية، تتربع بلدة سلمى وسط جبل الأكراد. تلك البلدة التي كانت تعج بالسياح والزوار أشهراً طويلة في السنة، باتت اليوم كتلة من الخراب لم يسلم من منازلها سوى عدد محدود من المباني. ومن بين خمسة آلاف من سكانها، لم يعد سوى عدد محدود من العائلات، وبقي معظمهم مقيماً على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا يعاني حر الصيف وبرد الشتاء في خيام عشوائية.
لم يخف إسماعيل حاج علي، وهو من سكان البلدة، فرحته بزيارة بلدة سلمى لأول مرة منذ 14 عاماً، رغم رؤيته منزله مدمراً وفارغاً من كل شيء. يشير حاج علي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى معالم البلدة التي اختفت تقريباً بسبب القصف والمعارك. وأضاف: "فرحتنا منقوصة، كنا نأمل أن نعود بعد سقوط الأسد، لكن لا منازل ولا كهرباء أو ماء، ولا بصيص أمل يلوح في الأفق لإعادة الإعمار".
نازحون بلا مساعدات
ومنذ نهاية عام 2015، هُجّر ما يزيد عن 200 ألف من سكان جبلي الأكراد والتركمان شمال اللاذقية من قراهم بعد حملة عسكرية مشتركة بين قوات النظام السابق وروسيا. وقال الناشط الإعلامي في مخيمات ريف اللاذقية، أحمد بدرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ أقل من 5% من سكان المخيمات البالغ عددهم نحو 70 ألف نازح غادروها بعد سقوط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، متابعاً: "حتى الفئة القليلة التي غادرت توجهت إلى مدينة اللاذقية ولم يستقر في القرى سوى عدد محدود من العائلات".
وأضاف بدرة أن النازحين تُركوا لمعاناتهم مع قلة المساعدات الإنسانية في المخيمات، وصعوبة العودة إلى القرى في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن بعض الميسورين من الأهالي بدأوا إعمار منازلهم على حسابهم رغم التكاليف المرتفعة.
وتتميز قرى جبلي الأكراد والتركمان بطبيعتها الخلابة التي تغلب عليها الأشجار المثمرة ويعمل معظم سكانها بالزراعة، ويقع جبل الأكراد شمال شرق مدينة اللاذقية، غربي سورية، ويحاذيه جبل التركمان شمالاً ومدينة الحفة والقرى القريبة منها غرباً. وأغلب مساحته تتبع اللاذقية، كما أن هناك مساحة صغيرة منه داخل محافظتي حماة وإدلب، في حين يمتد جبل التركمان من قرية برج إسلام وصولاً إلى الحدود التركية، ومن ناحية بداما شمالاً محاذياً لشاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى النهر الكبير الشمالي جنوباً حيث جبل الأكراد، وتبلغ مساحته 530 كيلومتراً مربعاً.
خسائر في الأراضي الزراعية
يشير محمود خليلو، وهو من سكان قرية ربيعة في جبل التركمان، إلى أشجار التفاح والإجاص المدمرة التي اقتلعت من جذورها، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المنزل يمكن أن يبنى لكن كم من السنوات نحتاج لإعادة هذه الأشجار التي هي مصدر رزقنا؟". ويضيف: "ما لم يدمر على يد مليشيات نظام الأسد أنهاه لصوص الحطب، وأدى إهمال الأراضي طوال تلك المدة إلى نمو الحشائش وخراب الشجر، هذه الخسائر كبيرة جداً ونحتاج سنوات لإعادتها كما كانت".
وتعرضت غابات الجبلين خلال السنوات الأخيرة لتدمير واسع من خلال التحطيب الممنهج والحرائق، وهي غابات تعتبر الأوسع والأكثر كثافة في سورية، ومقصد سياحي مهم قبل عام 2011، لكن تبعات الحرب أفقدتها الكثير من غطائها النباتي.
الألغام في ريف اللاذقية.. عائق آخر
من جهة ثانية، قُتل قبل أيام قليلة شاب وأُصيب شقيقه بجروح إثر انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب في قرية عين العشرة بريف اللاذقية، خلال تنظيفهما أرضهما الزراعية، ومثل هذه الحوادث تكررت عدة مرات في المنطقة وأودت بحياة العديد من المدنيين بعد عودتهم إلى مناطقهم، وشكلت بالتالي عامل رعب جديد للنازحين.
ووثّق الدفاع المدني السوري مقتل 80 مدنياً، بينهم 18 طفلاً وأربع نساء، وإصابة 116 مدنياً، بينهم 43 طفلاً، بجروح بليغة، جراء انفجار مخلفات الحرب والألغام في المناطق السورية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 حتى 14 مارس/ آذار 2025. وبحسب المصدر نفسه، تشهد سورية بشكل شبه يومي حوادث انفجار لمخلفات الحرب التي زرعها نظام الأسد، وتتسبب بإصابات بليغة بينهم وتعمق مأساة المدنيين وتحدُّ من أنشطتهم وتنقلاتهم والعودة إلى منازلهم.
وفي هذا الصدد، قال خالد الشيخ، أحد العاملين في مجال نزع الألغام ضمن الدفاع المدني باللاذقية، لـ"العربي الجديد"، إن النظام السابق زرع عشرات من حقول الألغام في مناطق التماس السابقة مع فصائل المعارضة في اللاذقية، ولا يزال الكثير منها مزروعاً حتى اليوم، مشيراً إلى أن هذه الألغام تشكل مصدر تهديد دائم للأهالي ويجب تأمين جميع القرى ومسحها قبل عودة السكان إليها.
ويضم ريف اللاذقية الشمالي خليطاً من السوريين التركمان والعرب والأرمن، وأهم بلدات الجبلين كسب وسلمى وربيعة وقسطل معاف وكنسبا، وشهدت هذه المناطق خلال الحرب معارك عنيفة بين قوات النظام السابق وفصائل المعارضة.