سورية: مخيمات إدلب وسط المقالع

سورية: مخيمات إدلب وسط المقالع

17 ابريل 2022
يعاني سكان مخيمات إدلب من الغبار والدخان (محمد سعيد/ الأناضول)
+ الخط -

تنتشر عشرات مقالع الحجارة التي تنتج مواد البناء من حجارة وحصى ورمل، بين مخيمات المناطق الجبلية في شمال إدلب، وينبعث منها الغبار والأدخنة التي زادت أمراض الجهاز التنفسي لدى سكان هذه المخيمات، كما تشكل أصوات التفجيرات والجلبة التي تحدثها الآليات الثقيلة مصدر إزعاج وقلق دائمين، خصوصاً للأطفال، علماً أنّ فرق العمل في المقالع تبدأ في تفجير الصخور مع طلوع الشمس.
ويدير أشخاص ذوو نفوذ في هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) جزءاً من هذه المقالع، في حين يملك الجزء الثاني أشخاص من أبناء المنطقة، وبعضها كان موجوداً قبل إنشاء المخيمات لكن عددها محدود، والبقية في فترات لاحقة لعمليات نزوح المدنيين إلى المناطق الجبلية التي تقع في ريفي شمال وغرب المحافظة القريبة من الحدود التركية.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

يقول مدير مخيم "أهل التح" الذي يقع قرب قرية باتنتة بمدينة معرة مصرين شمال غربي إدلب عبد السلام اليوسف لـ"العربي الجديد"، إن "ما يسمّى بمقلع الهبّاط الذي يبعد نحو 500 متر من مخيمنا أصبح مصدراً للأمراض والأوبئة/ خصوصاً لدى الأطفال وكبار السن". يضيف: "لا يقتصر تأثير هذا المقلع على مخيم أهل التح الذي يقطنه 1800 شخص يتوزعون على 258 عائلة، إذ يطاول ضرره خمسة مخيمات أخرى، وثلاث قرى تحيط به، علماً أن قرية الهباط ومخيم مريم لا يبعدان إلا عشرات الأمتار منه. وقد تضاعفت الآثار الصحية بعدما تحوّل المقلع أيضاً إلى مركز لتجميع القمامة وحرقها، حيث انتشر الذباب والحشرات في المنطقة، وتلوّثت مياه آباره الجوفية".

يقول الطبيب المتخصص في الأمراض الصدرية ومدير مركز السلّ بمدينة إدلب عبد الرؤوف محمود حاج يوسف لـ"العربي الجديد": "يتسبب الغبار والدخان اللذان تحدثهما المقالع الحجرية بمشاكل وأمراض تنفسية كثيرة، خصوصاً العاملين في هذه الأماكن في حال لم يتقيدوا بإجراءات السلامة اللازمة. ومن أبرز الأمراض الناتجة من استنشاق الهواء الملوّث الصادر عن المقالع تغبّر الرئة الذي يظهر على شكل عقيدات في الرئة، والذي قد يتطور إلى تليّف رئوي شديد وقصور تنفسي وأورام في الرئة". ويوضح أن "السكان الذين يمكثون في مناطق محيطة تقع ضمن مسافة لا تزيد عن كيلومتر واحد من هذه المقالع مهددون بالإصابة بمضاعفات الأمراض الرئوية والتنفسية مثل الربو والتهاب القصبات الرئوية. وقد ارتفع عدد المصابين بالأمراض التنفسية في المنطقة نتيجة استنشاق الغبار، خصوصاً مرض التليّف الرئوي الشديد لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و50 عاماً، بتأثير تعرّضهم لغبار لفترات تجاوزت العام الواحد. وأقدّر الزيادة في عدد حاملي هذه الأمراض بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المائة". ويلفت إلى أنّ "التعرّض للغبار لفترات طويلة قد يتسبّب في نوبات حادة وخطيرة من الربو لدى الأطفال خصوصاً، وفي التهاب القصبات المزمن عند البالغين. وقد تستدعي هذه الأمراض إحالة المصابين إلى المستشفى، علماً أن تأثيراتها على المدى الطويل تشمل الإصابة بسرطانات القصبات والرئة، وأمراض القلب كما تساهم في حدوث تصلب في الشرايين، أما حل الوقاية منها فيتطلب إبعاد هذا المخيمات عن المقالع أو العكس".

الصورة
يبدأ تفجير الصخور مع طلوع الشمس (العربي الجديد)
يبدأ تفجير الصخور مع طلوع الشمس (العربي الجديد)

الوضع أسوأ في مخيم "الضياء 2" الذي يقع قرب مدينة سرمدا، فهو لا يبعد إلّا 50 متراً عن مقلع "أهل سرمدا". يقول الناشط أحمد العكلة الذي يقيم في المخيم لـ"العربي الجديد": "يعاني سكان المخيم البالغ عددهم 3800 شخص يتوزّعون على 550 عائلة، من الغبار والدخان الناتجين من الآليات، ويتعرضون لإزعاج وخوف كبيرين من التفجيرات، خصوصاً الأطفال، فهي تبدأ قبل شروق الشمس، وتهتز بسببها كل محتويات الخيم، وتتزعزع أو تتهّدم جدران يبنيها سكان هذه الخيم للاحتماء من الحيوانات، والحفاظ على خصوصيتهم".
يضيف: "تسبب الغبار بأمراض تنفسية كثيرة لسكان المخيم، ومشاكل صحية في العيون، خصوصاً لدى الأطفال. وتحتاج أواني المطابخ والألبسة دائماً إلى تنظيفها من الأتربة كلما أرادت العائلة استخدامها. وتنطبق هذه الحال على سكان نحو 20 مخيماً يعيشون في محيط المقلع، خصوصاً أنّ الطرقات التي تؤدي إليه تمرّ بينها. وفي الصيف تصبح المعيشة كلها تراب بتراب، كون هذه الطرقات غير معبّدة وتسلكها يومياً مئات من الآليات الثقيلة، وتتساقط منها الأتربة كما تحدث غباراً ينبعث من الأرض".
وبسبب طول سنوات الحرب وحملات النزوح المتلاحقة تشكّلت مدن من قماش وطين في الشمال السوري يقطنها نازحون منعتهم ظروفهم الاقتصادية من تركها والبحث عن مساكن في المدن والبلدات القريبة، حيث إن مجرّد سكنهم فيها يخوّلهم الحصول على مساعدات غذائية من المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، لكنهم مضطّرون إلى تحمّل درجات الحرارة المنخفضة والغبار وأذى الحيوانات والزواحف.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وبحسب فريق "منسقو استجابة سورية"، يبلغ إجمالي عدد المخيمات في إدلب وحدها 1293، تتوزّع على شكل شريط قرب الحدود السورية - التركية، بينها 393 مخيماً عشوائياً. ويقطن هذه المخيمات 1.043.689 شخصاً.

المساهمون