استمع إلى الملخص
- يساهم الإحصاء في فهم الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وتحديد معدلات البطالة والفقر، واحتياجات المجتمع في التعليم والصحة، مما يعزز الحوار المجتمعي وتطوير السياسات.
- تعاني سورية من أزمة نزوح كبيرة، حيث نزح نحو نصف السكان داخلياً، ويعتمد 17 مليون شخص على المساعدات، مع تحديات ديموغرافية وزيادة متوقعة في عدد كبار السن.
أفاد مدير دائرة الإحصاء في سورية محمد الموسى بأنّ الإدارة السورية الجديدة تستعدّ لإطلاق عملية إحصاء شاملة سوف تُطلق في البلاد، تهدف إلى جمع بيانات دقيقة عن الأحياء والمجتمعات المحلية، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً مثل الأشخاص ذوي الإعاقة. وذكر الموسى في حديث للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، أمس الخميس، أنّ المبادرة تهدف إلى تحسين التخطيط وتوجيه الموارد لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الخدمات المقدّمة، مشيراً إلى أنّ اللجان المجتمعية سوف تباشر عملية الإحصاء في الأيام المقبلة تحت إشراف حكومي.
ودعا الموسى المواطنين السوريين إلى التعاون مع اللجان وتقديم الوثائق المطلوبة، مشيراً إلى أنّ قاعدة البيانات التي سوف تصدر عن هذه العملية سوف تُربَط بقاعدة بيانات النفوس لضمان دقّة المعلومات وتعزيز الشفافية والتكامل بين الجهات المختلفة في سورية. يُذكر أنّ حكومة تصريف الأعمال في سورية تنفّذ عملية تقييم شاملة تشمل نحو 1.3 مليون موظف مسجّلين في القطاع العام، بهدف الكشف عن الأسماء الوهمية وحذفها من كشوف الرواتب، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز في وقت سابق.
في سياق متصل، يقول مدرّس الرياضيات السوري المقيم في دمشق عبد السميع الجبيلي إنّ "لعمليات الإحصاء فوائد عديدة تساهم في فهم الوضع الاجتماعي بصورة دقيقة. ويشرح الجبيلي لـ"العربي الجديد" أنّ "الإحصاءات توفّر معلومات دقيقة بشأن الوضع الاقتصادي وكذلك الاجتماعي، من قبيل معدّلات البطالة والتضخّم والفقر، الأمر الذي يساعد في تحديد التحديات التي يواجهها المجتمع". ويبيّن الجبيلي أنّ "الإحصاء يساهم في معرفة أعداد الطلاب واحتياجات المجتمع الأساسية، سواء أكان ذلك في مجالات التعليم أو الصحة أو البنية التحتية، الأمر الذي يتيح للأفراد فرصة المشاركة في المطالبة بتحسين الخدمات وتوجيه الجهود نحو تطويرها". يضيف أنّ "الإحصاء يتيح للأفراد كذلك فرصة المشاركة في التنمية، من خلال فهم الاتجاهات والسياسات الحكومية، وبالتالي من الممكن للمواطنين أن يساهموا بصورة أكبر في الحوار المجتمعي وتطوير السياسات العامة".
من جهته، يرى الناشط المدني ناظم سلوم "ضرورة أن تجري عملية الإحصاء بطريقة علمية ومدروسة وبكفاءات عالية"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "سورية الجديدة بحاجة ماسة إلى أرقام دقيقة ومفصّلة، خصوصاً أنّ النظام السابق كان يعتمد على الأرقام التي تخدم مصالحه فقط".
يُذكر أنّ وزارة الإدارة المحلية والبيئة التابعة للنظام السوري السابق كانت قد حدّدت، في 18 سبتمبر/أيلول من عام 2022، أعداد المواطنين داخل الجمهورية العربية السورية بأكثر من 29 مليون نسمة. وأصدر حينها فريق "منسقو استجابة سورية" مقارنة ما بين الأرقام الصادرة عن النظام وتلك الصادرة عن الأمم المتحدة، فلاحظ فروقات كبيرة تجاوزت سبعة ملايين نسمة، إذ كانت المنظمة الأممية قد قدّرت عدد السكان في داخل سورية حينها بنحو 22 مليون نسمة.
في الإطار نفسه، أوضح مسؤول في فريق "منسقو استجابة سورية" لـ"العربي الجديد" أنّ "إجمالي عدد النازحين واللاجئين السوريين يبلغ نحو 13.1 مليون شخص"، وأنّ "النازحين داخلياً، بمن في ذلك أولئك المقيمون في المخيمات، يُقدَّر عددهم بنحو 6.5 ملايين شخص، في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين في مختلف دول العالم نحو 6.6 ملايين لاجئ". أضاف أنّ "القسم الأكبر من اللاجئين موجود في تركيا، حيث يقيم نحو 2.9 مليون لاجئ سوري، تليها ألمانيا التي تستضيف نحو 900 ألف سوري، ثمّ الأردن مع نحو 700 ألف، ولبنان مع نحو 600 ألف، ومصر مع نحو 300، في حين يقيم نحو 130 ألف لاجئ سوري في العراق".
من جهتها، تفيد الأمم المتحدة، في تقارير صادرة عنها، بأنّ نحو نصف سكان سورية نزحوا داخلياً بسبب الصراع في البلاد، في حين يقيم نحو ثلثهم في المخيمات التي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الكريمة. وتبيّن التقارير الأممية أنّ نحو 17 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، في الوقت الراهن. وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة، فقد عاد أكثر من 125 ألف لاجئ سوري إلى وطنهم منذ إسقاط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.
وفي ما يتعلّق بالإحصاءات المتصلة بالفئات الاجتماعية المختلفة، قد لا تتوفّر بطريقة دقيقة خصوصاً مع إهمال هذا الجانب في عهد النظام السابق بالإضافة إلى الظروف التي مرّت بها البلاد، علماً أنّ السكان يتوزّعون على مناطق سيطرة مختلفة، فضلاً عن تنقّلات السكان وحركتهم المستمرّة بسبب النزوح القسري والهجرة.
ووفقاً لإحصاءات صندوق الأمم المتحدة للسكان في منتصف عام 2024 المنصرم، من المتوقّع أن يزداد عدد الأشخاص في سورية الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، بنحو خمسة أضعاف بين عامَي 2020 و2050، إذ سوف يرتفع عدد كبار السنّ من 1.3 مليون أي 7.5% من إجمالي السكان، إلى 6.5 ملايين أي ما نسبته 19.8%. وقد حذّر مدير المكتب المركزي للإحصاء شفيق عربش حينذاك من "خطورة ظاهرة شيخوخة المجتمع السوري مستقبلاً"، بسبب الهجرة الكبيرة المسجّلة لدى شريحة واسعة من المراهقين والشبّان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و36 عاماً.
بدورها، أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير أصدرته في مارس/آذار 2024 بأنّ نحو 7.5 ملايين طفل في البلاد بحاجة إلى مساعدة إنسانية، مشيرةً إلى أنّ دورات العنف والنزوح المتكرّرة والأزمة الاقتصادية المدمّرة والحرمان الشديد وتفشّي الأمراض وزلزال فبراير/شباط 2023 المدمّر الذي ضرب شمال سورية، كلّ ذلك ترك مئات آلاف الأطفال عرضة لمشكلات جسدية ونفسية اجتماعية طويلة الأمد.