استمع إلى الملخص
- يروي معلمون مثل فؤاد الأزرق وسلمى البكر تجاربهم مع الفصل التعسفي، مطالبين بإعادتهم إلى وظائفهم وتعويضهم عن السنوات التي قضوها بعيدًا عن العمل.
- تعمل الحكومة السورية الجديدة على معالجة أوضاع المعلمين المفصولين بإصدار تعميمات للتسجيل الإلكتروني، بهدف إعادتهم وتعويضهم ماليًا، في محاولة لإصلاح النظام التعليمي.
تعرض الآلاف من المعلمين للفصل من وظائفهم بسبب مواقفهم السياسية المنحازة للثورة السورية خلال حكم نظام الأسد، بذريعة "مخالفة التعليمات" أو "المساس بهيبة الدولة"، في إجراء تعسفي حرم الكوادر التعليمية من مصدر رزقهم الأساسي، ودفع آخرين إلى اللجوء للخارج، ومن ضمنهم معلمون ومدرسون تركوا وظائفهم قسراً ليُفصلوا منها لاحقاً. ومع سقوط نظام الأسد، ظهرت دعوات لإعادة هؤلاء المعلمين إلى وظائفهم التي حرموا منها.
وقال فؤاد الأزرق، وهو معلم سابق في حماه، فُصل من عمله منذ عام 2013 بسبب مشاركته في تظاهرة سلمية، إنه عانى من صعوبات معيشية كبيرة، ولم يتمكن من تأمين عمل بديل مستقر طوال تلك المدة. مضيفا أن قرار فصله لم يكن مقتصراً على العمل، بل كان خطاباً واضحاً لجميع الموظفين الحكوميين يحدد مصير مخالفة النظام، بخسارة عمله ومصدر رزقه، مطالباً بإنصاف هؤلاء وضرورة إعادة النظر في ملفات المفصولين وإعادتهم إلى وظائفهم وتعويضهم عن كل السنوات التي فصلوا فيها، ومنح المتقاعدين تعويضات ورواتب تقاعدية تمكنهم من العيش بكرامة.
أما المعلمة سلمى البكر من مدينة حمص التي فصلت من وظيفتها بسبب تأييدها الثورة السورية وانتقلت للعيش في تركيا خوفاً من الملاحقة الأمنية، فتقول: "أرغب بالعودة إلى مدينتي والالتحاق بالمهنة التي أحبها، لكنني انتظر رد المسؤولين على طلبي في العودة إلى العمل بعد أن تقدمت للرابط الذي وضعته الإدارة الجديدة لأجل هذه الغاية". وتابعت: "كانت الصدمة كبيرة عندما فوجئت بقرار الفصل مع العشرات وفقدت مصدر رزقي الوحيد، لكن الأنكى من ذلك ليس فقط الفصل التعسفي، إنما الاعتقالات أيضاً والضياع في غياهب السجون، فالنظام كان يريد إسكاتنا بأي وسيلة، والعنف الذي مررنا به والإقصاء الذي تعرضنا له لن يُنسيا بسهولة". تتساءل عما إذا كانت تدابير الإدارة السورية الجديدة ستستمر وتمكنها من العودة إلى عملها بشكل طبيعي وتعوضها عن كل تلك السنوات، أم ستكون مجرد إجراءات من دون تأثير وتنفيذ حقيقي في الواقع.
المعلمون المفصولون.. غربة وشقاء
أما غادة الأسعد، وهي مدرسة من محافظة إدلب وكانت تسكن وتدرس في مدينة حرستا بريف دمشق، فتقول لـ"العربي الجديد" إنها نزحت إلى إدلب مع توتر الأوضاع في ريف دمشق وملاحقة النظام المواطنين بحسب انتمائهم المناطقي، ومن ثم غادرت إلى تركيا لاجئةً، مضيفة: "تركت وظيفتي قسراً والآن أعتقد أن من واجب الإدارة الجديدة إعادتنا إلى عملنا وعدم تجاهل سنوات الخدمة التي قضيناها في التدريس لأننا أبعدنا عنها قسراً".
بدوره، يقول الموجه التربوي شادي الشبيب لـ"العربي الجديد": "نحن ندرك حجم المعاناة التي مر بها المعلمون المفصولون بسبب مواقفهم السياسية، وأنا كنت واحداً منهم، فُصلت عام 2013، وعُيِّنت في مديرية التربية الحرة عام 2016"، موضحاً أن النظام المخلوع "خلق ترهلاً بمديريات التربية والتعليم وفساداً إدارياً وأخلاقياً ومالياً مبكياً، وتحتاج الإدارة الجديدة لما لا يقل عن أربعة أعوام متواصلة حتى يُتلافي الوضع الكارثي الراهن، لا سيما مع وجود أعداد وأرقام وهمية خيالية لموظفين بأكثر من وزارة يحصلون على أكثر من راتب". ولفت إلى أن وزارة التربية والتعليم تعمل على إعادة أكبر عدد ممكن من الموظفين المفصولين إلى وظائفهم خطوة بخطوة، وتعويضهم مالياً عن سنوات الفصل والضرر الذي لحق بهم وبأسرهم، فما حدث للمعلمين المفصولين هو جزء من سلسلة طويلة من أسلحة النظام المخلوع ضد الكوادر المهنية في سورية.
النظام السوري المخلوع فصل أعدادًا من الموظفين، بسبب مشاركتهم في المظاهرات أو دعمهم للثورة السورية، وذلك بناء على تقارير أمنية من فروع المخابرات
من جهته، يقول سائد قدور، مدير التعليم في وزارة التربية والتعليم، لـ"العربي الجديد"، إنه جرى تعميم رابط إلكتروني على العاملين المفصولين ومن أمسى بحكم المستقيل بسبب انقطاعه لأسباب تتعلق بالظروف الأمنية، من أجل الحصول على إحصائيات دقيقة ومعرفة عدد الراغبين في العودة والأماكن التي يريدون الانتقال إليها لاستيعابهم في الشواغر المتاحة لاحقاً، مضيفاً: "المسافر الذي يتأخر بالعودة لفترة زمنية يمكن أن يتقدم بطلب جديد خلال مدة تحددها الوزارة لاحقاً". وأوضح أن تسوية أوضاعهم تكون من خلال طلب عودتهم للعمل ودراسة تلك الطلبات شريطة أن يكون الفصل لأسباب سياسية وليس بسبب عقوبات متعلقة بالتقصير في العمل، وستكون هنالك قرارات تفصيلية لاحقة مختصة بهذا الموضوع .
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة التنمية الإدارية في الحكومة السورية الجديدة، في بيان لها عبر منصة "تليغرام"، "أنها أصدرت تعميماً يخص العاملين في الجهات العامة الذين فصلهم نظام الأسد المخلوع من العمل خلال فترة حكمه لأسباب تعسفية". وقال البيان: "إن العاملين الذين فصلهم نظام الأسد المخلوع من العمل في الجهات العامة بسبب مشاركتهم في الثورة السورية يحق لهم التسجيل على رابط أرفقته في البيان، تمهيداً للنظر في أوضاعهم وإعادتهم إلى وظائفهم".
وكان النظام السوري المخلوع فصل أعدادًا من الموظفين بسبب مشاركتهم في التظاهرات أو دعمهم الثورة السورية، وذلك بناء على تقارير أمنية من فروع المخابرات. واستمر النظام بهذه السياسة حتى قبل بضعة أشهر من سقوطه. ففي أيلول 2024، أصدرت حكومة النظام السابق قراراً بفصل 41 موظفاً في شركة كهرباء السويداء، بسبب التخلف عن الخدمة الاحتياطية ومشاركتهم في التظاهرات. وعقب سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أصدرت المديريات والوزارات التابعة لحكومة تسيير الأعمال سلسلة من البلاغات التي تدعو فيها الموظفين للعودة إلى عملهم.