استمع إلى الملخص
- تواجه المستشفيات نقصاً حاداً في وحدات الدم نتيجة ارتفاع الإصابات بسبب المجازر الإسرائيلية، مثل مجزرة الشجاعية، مع عدم كفاية الكميات المتوفرة لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
- تعاني وزارة الصحة من صعوبات في تأمين وحدات الدم بسبب الحصار، مع تأخر إدخال المساعدات من الأردن والضفة الغربية، وتبذل جهوداً لإطلاق حملات تبرع رغم التحديات.
ينعكس سوء التغذية، نتيجة التجويع الذي يتعرض له أهالي قطاع غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على حملات التبرع بالدم. ويعجز الأهالي عن التبرع نتيجة قلّة الغذاء والاعتماد على طعام التكيات الخيرية، وسط الحرمان من تناول اللحوم والمكملات الغذائية والخضار والفاكهة.
ومع استمرار إصابة المئات يومياً بفعل المجازر التي يرتكبها الاحتلال، تزداد حاجة المستشفيات إلى وحدات دم على نحوٍ مستمرّ، ورغم مناشدة وزارة الصحة الفلسطينية والمستشفيات الأهالي بضرورة التبرع، إلّا أن كمية وحدات الدم المتوفرة تعد قليلة مقارنة بالحاجة، ما دفعها إلى طلب وحدات دم من الأردن والضفة الغربية.
قبل نحو أسبوع، تبرّع عبد الله العرعير بوحدة دم، ونتيجة لقلة مستلزمات الفحص، لم يُجرَ له فحص تعداد الدم، ولم تظهر عليه أيّ أعراض حينها، لكنّ الأعراض التي أصابته منذ أسبوع تشير إلى معاناته من فقر الدم. يقول لـ "العربي الجديد": "تبرعت وكان دافعي تعويض نزيف الدماء الكبير جراء كثرة المصابين في غزة. أثناء التبرع، لم أعانِ من أيّ أعراض، ونجحت في إكمال وحدة الدم. لكن في اليوم التالي، بدأت أشعر بدوار وصداع".
يضيف: "لم أعد أشعر كما ما قبل التبرع. وهذا طبيعي؛ فالظروف التي نعيشها من حصار وتجويع أثرت على أجسادنا. نشرب مياهاً غير صالحة للشرب، ونأكل من طعام التكيات الخيرية التي توقفت الآن، وبالكاد نستطيع تقاسم رغيف الخبز مع العائلة". ويلفت إلى أنه خلال التبرع، رافقه أصدقاؤه، الذين لم يتمكن بعضهم من التبرع بسبب انخفاض مستوى الهيموغلوبين لديهم.
على أحد أسرّة مختبر الدم في المستشفى المعمداني بمدينة غزة، كان يحيى الزرد ينتظر نتيجة الفحوصات لمعرفة إن كان سيتمكن من التبرع أم لا، بعد إطلاق المستشفى مناشدات للأهالي بضرورة التوجه إلى المستشفى للتبرع بوحدات الدم نتيجة ارتكاب الاحتلال مجازر عدة، خصوصاً مجزرة الشجاعية التي راح ضحيتها عشرات الشهداء والمصابين بعد استهداف مربع سكني، ما أدى إلى نقص في فصيلتَي دم O- وA-.
20 إلى 30% ممن يأتون للتبرع في غزة يعانون من فقر الدم
جاء شخص إلى المستشفى للتبرع بالدم، إلّا أنه لم يستطع إكمال وحدة دم كاملة، وتبلغ 450 غراماً، ما أدى إلى فشل عملية التبرع. يقول لـ"العربي الجديد": "جئت إلى هنا للمشاركة بالحملة لأن شعبنا يتعرض للإبادة، والتبرع بالدم أقل ما يمكن أن نقدمه لإنقاذ المصابين. طوال الحرب، حرصت على التبرع لكن كنت أشعر أن سوء التغذية بسبب التجويع ينعكس على قدرتنا على التبرع".
أما منتصر بالله رجب، ورغم أنه قادر على التبرع، إلّا أن بنك الدم لم يكن في حاجة إلى فصيلة دمه. يقول لـ"العربي الجديد": "كنت خائفاً ومتردداً بسبب الجوع الذي نعيشه، ما انعكس على قدرة أجسادنا على التبرع بالدم. لكنّ ما دفعني للقدوم إلى هنا هو الرغبة في تقديم دمائي لأبناء شعبنا وسط هذه الجراح والآلام"، وبعد أسبوعين على بدء الحرب، كان رجب قد تبرع بوحدة دم. يومها، لم يكن قد تأثر بعد بظروف الحرب، ولم تحدث له أي مضاعفات.
داخل المختبر، كانت أخصائية الطب المخبري هدى أبو دلال وطاقم العمل داخل المختبر، يتابعون أمور سير الحملة، ويفرزون وحدات الدم لوضعها في الثلاجة. تقول لـ"العربي الجديد": "لدينا عجز في وحدات الدم، خاصة فصيلتَي O- وA-. أحياناً، تحدث مجزرة ما يؤدي إلى شحّ في وحدات الدم، إذ قد يحتاج مصاب واحد إلى عشر وحدات. بعد مجزرة الشجاعية الأخيرة، ناشدنا الأهالي بضرورة التبرع بالدم، فغالبية أهل المصابين كانوا تحت الأنقاض. وهذه مشكلة أخرى نواجهها أثناء تعويض وحدات الدم".
وتتحدث أبو دلال عن المعاناة داخل المختبر بسبب انعكاس سوء التغذية على عملية التبرع، تضيف: "يعاني الكثير من الشباب من فقر الدم دون معرفتهم بذلك. كما أننا لا نستطيع إجراء بعض الفحوصات نتيجة شحّ المواد. لذلك، نسحب معظم وحدات الدم دون فحص العينات"، تتابع: "أثناء عملية التبرع، قد يشعر المتبرع بالتعب والدوار أو الصداع أو الرغبة في التقيؤ أو ضيق في النفس أو الرجفة، وهذه علامات فقر الدم نتيجة سوء التغذية. بالتالي، لا يستطيع إكمال التبرع ونضطر إلى إتلاف ما جرى سحبه منه إذا كانت تقل عن 300 غرام".
وتقدر أبو دلال أن نسبة 20 إلى 30% ممن يأتون للتبرع يعانون من فقر الدم، مشيرة إلى أنه خلال الحملة الأخيرة، جرى سحب نحو 150 وحدة دم، وإتلاف ما نسبته 10 إلى 15% من إجمالي الوحدات المتبرع بها نتيجة عدم قدرة المتبرعين على إكمال عملية سحب الدم. وترى أن النسبة كبيرة، خاصّة مع عدم إجراء فحص تعداد الدم للمتبرعين الذين قد تكون نسبة كبيرة منهم مصابة بفقر الدم، لكن لم يظهر ذلك خلال عملية التبرع، وتلفت إلى أن الوحدات التي جمعت من خلال حملة التبرع بالدم الأخيرة، قد تستخدم في يوم واحد في حال حدوث مجزرة.
ونتيجة النقص في وحدات الدم في غزة، وعدم وصول النسبة المأمولة من حملات التبرع، لجأت وزارة الصحة للاستعانة بوحدات دم من الأردن والضفة الغربية، وفق مدير وحدة نظم المعلومات في وزارة الصحة بقطاع غزة زاهر الوحيدي.
ويؤكد الوحيدي لـ"العربي الجديد" أنّ الوزارة تعاني نقصاً شديداً في وحدات الدم، وكانت تصل من الأردن والضفة الغربية دفعات متتالية بالتنسيق مع وزارة الصحة في رام الله، وكانت تأخذ فترة طويلة من الانتظار والمماطلة من الاحتلال قبل السماح بإدخال تلك الوحدات إلى غزة.
وخلفت الحرب أكثر من مئة ألف مصاب، وهو ما ضاعف الحاجة إلى وحدات الدم بصورة متكررة مع استمرار ارتكاب المجازر، ويلفت الوحيدي إلى أن الاحتلال يمنع إدخال الأدوات اللازمة لفحص الدم، كما أن أجهزة الفحص المتوفرة قديمة ومتهالكة، مع خروج 20 مستشفى عن الخدمة وتدمير أجهزة المختبر في داخلها، وبقاء 18 مستشفى تعمل بإمكانيات محدودة.
وحول انعكاس سوء التغذية على التبرّع، يتحدث الوحيدي عن تأثير مباشر، في ظل عدم قدرة كثيرين على التبرع، علماً أنه كان من المتوقع أن ينحصر التأثير على الأطفال والنساء، ويلفت إلى أن الوزارة أطلقت حملات عدّة للتبرع بالدم، لكن العائد منها كان قليلاً.
وبلغت كمية الوحدات القادمة من الأردن نحو 4 آلاف وحدة دم موزعة على ثلاث دفعات، جرى إدخالها على فترات متباعدة خلال الحرب. ومن الضفة، أرسلت نحو 4 آلاف وحدة دم ونحو 1500 وحدة بلازما. ومنع الاحتلال إدخال 1500 وحدة دم جرى جمعها خلال حملة تبرع بالدم خلال شهر رمضان الماضي، في ظل إغلاق المعابر بداية مارس/ آذار الماضي واستئناف العدوان، بحسب مديرة دائرة المختبرات في وزارة الصحة سحر غانم.
وتؤكد في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ هناك نقصاً حاداً في وحدات الدم نتيجة الطلب المتزايد عليها وتكرر الإصابات، وعدم وجود متبرعين بما يكفي لتعويض النقص بسبب سوء التغذية وانتشار فقر الدم، وتشير إلى أن بعض الشباب تبرّعوا بنحو ثلاث مرات منذ بدء العدوان، وقد يتعرضون للإغماء بسبب الحصار والمجاعة.
وعن حملات التبرع بالدم التي تنشرها الوزارة، تشير غانم إلى أن نسبة الدم لدى الكثير من المتبرعين لا تسمح بالتبرع بالدم، ومن يجري قبوله يتعرض للإغماء أثناء التبرع، لافتة إلى أن الوزارة تطلق يومياً مناشدات لحملات تبرع.
ويؤدي نقص المخزون من وحدات الدم، وفق غانم، إلى حالة من الضغط في محاولة لسد العجز وتوزيع الأرصدة بين بنوك الدم، وفي حال استمرار إغلاق المعابر وعدم إدخال المستلزمات المخبرية، قد ينفد رصيد البنوك من أكياس الدم.
وتلفت إلى أنه منذ بداية الحرب، لم يُعَد ما سُحب من احتياطيّ بنوك الدم، نتيجة كثرة الإصابات والعمليات الجراحية، فما يُجمع من حملات التبرع يُستهلك.