سكان مخيمي طولكرم ونور شمس يفضلون الموت على النزوح

26 فبراير 2025
تدمير ممنهج في مخيم طولكرم، 19 فبراير 2025 (زين جعفر/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مخيمي طولكرم ونور شمس ضمن عملية "السور الحديدي"، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية ونزوح 16 ألف فلسطيني، بينما يصر بعض السكان على البقاء رغم المخاطر.
- يعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية، مع تحديات كبيرة بسبب انقطاع الكهرباء وصعوبة إدخال المساعدات، مما يفاقم المشاكل الصحية والبيئية.
- منذ بدء العملية في يناير، توسعت العمليات العسكرية، مما أسفر عن استشهاد 60 فلسطينيًا واعتقال المئات، وسط مناشدات مستمرة للحصول على الدعم والمساعدة.

العدوان المستمر على طولكرم أدى إلى نزوح قرابة 16 ألف فلسطيني

هدمت قوات الاحتلال نحو 600 منزل ومنشأة في مخيمي طولكرم ونور شمس

التدمير أدى إلى فيضان مياه الصرف الصحي ومخاوف من انتشار الأوبئة

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على مخيمي طولكرم ونور شمس شمالي الضفة الغربية وسط عمليات تدمير واسعة، ضمن عملية "السور الحديدي"

يرفض الحاج موسى عليان (68 سنة) كل محاولات أولاده لإقناعه بمغادرة مخيم طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة، أسوة بآلاف السكان الذين غادروا المخيم مجبرين نتيجة العدوان الإسرائيلي المتواصل الذي يتعرض له منذ نحو شهر كامل. ورغم انتشار القناصة على أسطح البنايات المجاورة لبيت عليان، وسيطرة جنود الاحتلال على عشرات المنازل في الحارة التي يقطنها، إلا أنه يصر على عدم النزوح، أو تكرار التهجير الذي عاشه والده وأجداده. بعد يومين من محاولات الاتصال به نظراً لانقطاع التيار الكهربائي، ونفاد شحن الهواتف المحمولة، أكد الستيني الفلسطيني لـ"العربي الجديد"، أنه لن يموت إلا في بيته داخل مخيمه، وأنه لن يسمح لنفسه ولا لعائلته أن تعيد من جديد مشهد التهجير.

ويقول: "وين بدنا نروح؟ على المساجد ولا المدارس؟ طالما بيتي موجود لن أتركه. ولا يوجد ما يجبرنا على الهرب وترك بيوتنا للاحتلال كي يستبيحها". يعاني الحاج موسى عليان من مرض السكري ومن ارتفاع ضغط الدم، وهو لم يتناول حبة دواء واحدة منذ نحو عشرة أيام، لكنه يؤكد: "سنصبر على الجوع ونتحمل المرض. نفدت كل علب الدواء، ولن أغامر بإرسال أحد أبنائي إلى خارج المخيم ليجلب لي غيرها، فالاحتلال يقتل كل من يتحرك، أو على الأقل يعتدي عليه، أو يحتجزه لساعات طويلة. طلبنا من طواقم الطوارئ والإسعاف توفير الدواء، ووعدوني بذلك، وها أنا أنتظر".

تكرر الفلسطينية رقية عبد الهادي، الموقف ذاته، قائلة لـ"العربي الجديد": "إن لم نجد الطعام فسوف نصوم. لكننا لن نترك بيوتنا. لم نعد نمتلك أي شيء نأكله، والثلاجة فاضية من كذا يوم. الجيران لبعض، ونساعد بعضنا حتى نتجاوز الأزمة". تعبر عبد الهادي عن خشيتها على حياة إحدى بناتها كونها تعاني من إعاقة شديدة، وبحاجة دائمة إلى مراجعة الطبيب. وتقول: "لم نغادر البيت منذ أكثر من شهر، لأننا لا نملك سيارة، وحين نتصل بأحد مكاتب سيارات الأجرة كي يرسلون لنا المركبة المخصصة لنقل المعاقين، يعتذرون لأنهم لا يستطيعون دخول المخيم، ومعهم حق، فجنوده يهددون أي إنسان يتحرك بالقتل. رغم كل ذلك، قررت أن أبقى مهما صار، فإما أن أعيش في داري أو أموت فيها".

من مخيم طولكرم، الذي يتواصل العدوان الإسرائيلي عليه وعلى مدينة طولكرم، إلى مخيم "نور شمس" المجاور، والذي اقتحمه الاحتلال قبل 19 يوماً، ودمر البنية التحتية فيه، ونفذت جرافات الاحتلال أعمال تجريف وتخريبٍ طاولت شبكات الكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها. 

يقول الناشط أسعد السبع لـ"العربي الجديد": "لا تتوقف قوات الاحتلال عن تنفيذ أعمال التجريف والتخريب، كما تقتحم البيوت تباعا، وتنكل بالأهالي، وتخضعهم للتحقيق الميداني، وأصوات إطلاق الرصاص ودوي الانفجارات لا تتوقف على مدار الساعة. استولت قوات الاحتلال على بنايتين سكنيتين لعائلتي الددو والزغل، وأجرت عملية تفتيش واسعة داخلهما، وأخضعت السكان للاستجواب، قبل إجبارهم على الإخلاء، وتحويل البنايتين إلى ثكنات عسكرية وأماكن لتمركز القناصة، إضافة إلى منزل لعائلة المصري المقابل لحارة المحجر".

توصيل الأغذية إلى مخيم نور شمس. 17 فبراير 2025 (ناصر اشتيه/Getty)
إيصال الأغذية إلى مخيم نور شمس، 17 فبراير 2025 (ناصر اشتية/Getty)

ويؤكد السبع أن العدوان المستمر على طولكرم أدى إلى نزوح قرابة 16 ألف فلسطيني من المخيمين، في حين هدمت قوات الاحتلال نحو 600 منزل ومنشأة، ورغم ذلك هناك المئات الذين يرفضون المغادرة، ويصرون على البقاء في المخيم. وبشأن تفاصيل الحياة اليومية، يقول: "ننسق مع المحافظة ولجان المساندة لإمداد الصامدين في المخيم بالمواد الغذائية الأساسية، مثل الخبز والطحين وبعض الخضروات، لكن المطلوب أكبر بكثير من المتوفر، إضافة إلى وجود حاجة ماسة للفرش المنزلي، والملابس الشتوية، ووسائل التدفئة في ظل انخفاض درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة".

ويشير إلى أن "إدخال المساعدات بات مخاطرة كبيرة، ويتم عبر إجراءات معقدة، وعمليات تنسيق مرهقة تكاد تكون أشبه بالسرية، إذ نتسلل بين البيوت ليلاً خشية انكشاف أمرنا، ويزيد انقطاع الكهرباء من الصعوبات، مع عدم القدرة على استخدام السيارات أو حتى الدراجات النارية، ونضطر إلى حمل المعونات والسير بها لمسافات طويلة".

ويلفت الصحافي معين شديد إلى أن مناشدات الصامدين في المخيمين لا تتوقف، وأنهم يقومون بربطهم مع الجهات ذات الاختصاص، ويضيف لـ"العربي الجديد": "بات الأهالي يشكون من تراكم النفايات بشكل كبير داخل البيوت، وفي الأزقة، وعدم قدرة عمال النظافة على جمعها أو ترحيلها، ما ساعد في انتشار القوارض التي باتت تدخل إلى المنازل، خاصة تلك التي خلع جنود الاحتلال أبوابها الخارجية ونوافذها. تدمير البنية التحتية أدى إلى فيضان مياه الصرف الصحي، واختلاطها بمياه الأمطار، ما أدى إلى انتشار الروائح الكريهة، وهناك مخاوف من انتشار الأوبئة والأمراض".

وتواصل قوات الاحتلال عدوانها على مخيم جنين لليوم السادس والثلاثين على التوالي، بينما تواصل عدوانها على مدينة طولكرم ومخيمها، وكذلك على مخيم نور شمس فيما اقتحمت بلدات ومخيمات في جنين وطوباس لعدة أيام، وأجبر التصعيد العسكري الإسرائيلي عشرات الآلاف من العائلات على النزوح، وسط عمليات تدمير واسعة. 

ومنذ انطلاق عملية "السور الحديدي" التي بدأتها قوات الاحتلال في جنين في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي توسعت إلى عدة مدن ومخيمات في شمالي الضفة الغربية، بلغ عدد الشهداء 60 شهيداً، مع تسجيل عشرات الإصابات، علاوة على مئات حالات الاعتقال.

المساهمون