استمع إلى الملخص
- يواجه النازحون نقصًا في المواد الغذائية والمساعدات المالية، مما يضطرهم للاعتماد على الديون، ويزيد من خطر الجوع والفقر.
- تراجع الوضع الإنساني في إدلب يتطلب تدخلاً عاجلاً واستراتيجيات مستدامة لتوفير المياه النظيفة وتحسين ظروف المعيشة في المخيمات.
اكتظت محافظة إدلب السورية خلال سنوات الثورة وصولاً إلى احتضانها نحو 5 ملايين مهجر ونازح. وبعد التحرير، اتجهت أنظار جهات إنسانية إلى مناطق أخرى
تواجه مدن وبلدات في إدلب، شمال غربي سورية، بعد التحرير، تحديات كبيرة على صعيد إعادة الإعمار واستمرار الخدمات الأساسية، في وقت توقفت مشاريع خدماتية كثيرة كانت تدعمها منظمات محلية، ما أثرّ سلباً على الحياة اليومية للناس.
تشكو ياسمين عموشة، التي تقيم في مخيمات معرة مصرين، في حديثها لـ"العربي الجديد"، من قلّة الخدمات الصحية في المخيم، وعملها بقدرات محدودة بسبب غياب المعدات الطبية والاختصاصيين والتمويل، وتقول: "باتت الخدمات الصحية محدودة جداً بعد انتهاء الصراع، في حين كانت أفضل في السابق وترافقت مع توزيع أدوية مجانية، أما اليوم، فباتت مفقودة بحجة أن الدعم اتجه إلى مناطق أخرى. يعاني أطفالي من أمراض الشتاء، وأصبح نقلهم إلى أقرب مركز صحي لتلقي العلاج مكلفاً بسبب المسافة البعيدة جداً".
ويقول محمد سلطان (45 عاماً)، النازح من ريف حماة والمقيم في مخيمات قاح شمالي إدلب، لـ"العربي الجديد": "كنا نعتمد على مشروع دعم وفر مياهاً نظيفة للمخيم، لكنه توقف منذ أن انتهى الصراع، وأصبحنا نشتري المياه من صهاريج بأسعار مرتفعة. لا يمكن أن نتحمل هذا الوضع في وقت لا نستطيع تأمين قوت يومنا. أيضاً توقف مشروع الصرف الصحي في المخيم ما زاد الأضرار، إذ لا توجد دورات مياه صالحة للاستخدام، وتملأ برك مياه الصرف الصحي المخيم. وأصبح الوضع أكثر مأساوية مع هطول الأمطار، وزادت الأمراض والأوبئة".
يضيف: "فقدنا العديد من الخدمات الأساسية في المنطقة بعدما تحوّل عمل منظمات المجتمع المدني إلى مناطق أخرى، وأصبحت المساعدات الإغاثية تُوزّع في مدن حلب ودمشق وحماه، في حين تُستثنى مناطق إدلب، كأنها خرجت عن الخريطة السورية رغم أنها المنطقة التي تؤوي أكبر عدد من النازحين والمتضررين".
ويُطالب سلطان بأن "تُسمع صرخات النازحين وعدم نسيانهم لأنهم الشريحة الأكثر حاجة لمساعدات مقارنة بمن يعيشون مستقرين في منازلهم. ويؤكد ضرورة التدخل العاجل وتوفير الاحتياجات المتنوعة التي تحتاج إلى حلول استراتيجية ومستدامة".
من جهته، يقول حسن عسكر، من أهالي بلدة حربنوش، لـ"العربي الجديد": "كان هناك مشروع لتأهيل الطرقات في منطقتنا، لكنه توقف وبقيت الطرقات في حالة يرثى لها، ما يصعّب الوصول إلى المناطق المجاورة. نشعر بعزلة بسبب توقف المشاريع الخدماتية في البلدة".
ويؤكد مدير فريق منسقو استجابة سورية محمد حلاج، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أهمية مواصلة دعم النازحين في مخيمات شمال غرب سورية، والمنطقة كلها. ويقول: "تعرضت المخيمات لأضرار كبيرة منذ أن سقط نظام الأسد. نحن مشغولون بأمور أكبر، وهي موثقة لدينا، لكن لم يهتم أحد بموضوع الاستجابة للمخيمات، وهذا أمر غير مقبول، فمن الظلم توجيه الأنظار إلى أماكن أخرى ونسيانها".
يضيف: "لا نعارض الاستجابة الشاملة لكل الأراضي السورية، لكن الشخص الذي يقيم في حلب أو دمشق أو حمص لا يواجه نفس الاحتياجات الملحة مثل من يقطن في خيمة. قد يحتاج من يقيم في بيته إلى خبز أو ماء في حال لم يتوفرا، أما من يمكث في خيمة، ففقد بيته وأرضه وأحياناً أفراداً من عائلته، لذا يجب أن توجه الأنظار بشكل أكبر إلى هذه الفئة. وواضح أن هناك نوعاً من الخلل في موضوع عمليات الاستجابة الإنسانية بعد سقوط النظام السوري".
أيضاً يقول خالد عموشة (55 عاماً)، النازح المقيم في مخيمات مشهد روحين، والذي كان يعتمد على قسائم غذائية توزعها منظمات، لـ"العربي الجديد": "توقف هذا الدعم منذ بداية العام الحالي، وأصبحت اعتمد على ديون لا أعلم كيف سأسددها. أرى ان توقف هذه المشاريع مؤشر لخطر الجوع".
أما نهى العبد الله (32 عاماً)، وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال تقيم في بلدة أطمة شمالي إدلب، فتقول لـ"العربي الجديد": "كنت أحصل على كفالة أيتام من عدد من الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، ثم توقفت كلها بدعوى أن كل المساعدات اتجهت إلى بقية المناطق السورية ومشاريع إعادة الإعمار. حالياً لا أعلم كيف يمكن أن أؤمن الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية لأطفالي من دون مساعدات ومن دون عمل".
ويعلّق العامل في مجال الإغاثة والأعمال الإنسانية سالم عدنان بالقول لـ"العربي الجديد": "يزداد تراجع الوضع في الوقت الراهن، ونحن نقدر دور المنظمات الأممية في منح مساعدات إنسانية قبل سقوط نظام الأسد". يتابع: "تأكدنا بعد سقوط النظام من حجم الفساد والحجم الكبير لعمليات نهب المساعدات الإنسانية، وأشك في أن المنظمات الأممية لم تكن تعلم بذلك، فكيف كانت المساعدات الإنسانية تخزن في مستودعات النظام ثم تباع في الأسواق؟".
يضيف: "تحسّن وضع المساعدات الإنسانية في مناطق كثيرة حالياً، لكن مناطق إدلب لا تزال بحاجة ماسة إلى خدمات، ويجب العمل وفق منظور الاحتياجات الذي يشكل أساس الاستجابة الإنسانية، خصوصاً أن قسماً كبيراً من النازحين غير قادرين على العودة إلى مناطقهم المدمرة بالكامل، وبينهم نازحون من مناطق في أرياف شمال وغرب حماة وغرب إدلب وجنوبها الشرقي، ومناطق في حمص. نحن أمام معضلة حالياً لأن المنطقة تضم أكثر من 1900 مخيم يقيم فيها نحو مليوني نازح، وآخرين في المدن، لذا من المهم النظر جدياً في آليات التعاطي مع سكان المناطق".
ويلفت عدنان إلى أن "أزمة المياه من بين التحديات الكبيرة للسكان في المنطقة، خصوصاً بعدما أوقف الكثير من المنظمات مشاريع دعم المياه، ما زاد أعباء وتكاليف الحصول على المياه خلال العامين الأخيرين".