سر الماء في حياة الطيور

سر الماء في حياة الطيور

12 سبتمبر 2021
لدى الطيور البحرية غدد تنقّي أجسامها من الملح (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

في جميع لغات العالم، الماء هو الحياة. وعليه، فإن المخلوقات الحية بحاجة إلى الماء من أجل أن تنمو وتكبر من خلال عملية الأيض التي تستهلك هذا الماء. ولكن هناك حيوانات يقال إنها لا تشرب أو لم تشاهد وهي تشرب، فهل هذا يعني أنها ليست بحاجة إلى الماء؟ طبعاً لا، ذلك لأنها حتماً تحصل على الماء من الطعام الذي تأكله مثل الحشرات أو البذور النضرة أو أوراق النباتات الغضة، وقد تحصل على الماء من رطوبة الليل على أجسادها في الصحاري أو من الندى على الأوراق الصغيرة. أما الطيور، فكل أنواعها بحاجة إلى شرب الماء، بما في ذلك الأنواع الصحراوية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن معظم الطيور لديها غدة تفرز الزيت الذي توزعه على ريشها لمنع الأخير من البلل الذي قد يتسبب بغرق الطائر. لكن الطيور الجد صحراوية مثل الحبارى أو القطا ليست لديها هذه الغدة، لأنها تعيش في مناطق جافة قد لا تشهد سقوط أمطار سنوات عدة. كما أن ريشها الجاف لا يحتوي على زيت تستخدمه هذه الطيور لنقل الماء من البرك أو المستنقعات الصحراوية إلى صغارها في الأماكن البعيدة. والمعروف أن طيور القطا تتجمع عند الغروب حول الماء لتشرب، ولكننا نراها تمرغ ريش صدرها وبطنها بالماء الذي يعلق على الريش، ثم تطير بعيداً نحو أعشاشها لتقدم لصغارها الماء العالق بين ريشها لتشرب منه.

مع ذلك، فإن الطيور الصحراوية لا تعرض نفسها للشمس كي لا يجف جلدها، وبالتالي، فهي تخفض عملية الأيض إلى الحد الأقصى لتمنع الإستهلاك المفرط للماء أثناء عملية الأيض هذه، وتلجأ إلى الظل تحت النباتات لتبريد جسمها بهدف تخفيف فقدان المياه. كذلك، نراها لا تعرق لأن جلدها معدوم الغدد، ولا تلهث فتفقد الماء، وبرازها المختلط ببولها بسبب عدم وجود أنبوب بولي منفصل عن الأنبوب البرازي، يكون جافاً. أما إذا كان رطباً ويحتوي على الكثير من السوائل، فذلك لا شك يدل على مرض ما، غالباً ما يكون داء السكري الذي يصيب الطيور السمينة، وخصوصاً الإناث منها، والتي تصاب أعضاؤها التناسلية أو بنكرياسها، ما يؤدي إلى الإصابة بداء السكري، ما يجعلها تكثر من شرب الماء والتبرز البولي شديد الرطوبة. 

وبالانتقال إلى الجانب الآخر بعيداً عن الصحاري، أي إلى البحر حيث تعيش طيور مثل القطرس والنورس وخطاف البحر (الخرشنة) وجلم الماء، فإننا نجد أن لمعظم أنواع الطيور البحرية غدداً تنقي جسم الطائر من الملح الذي يدخل إلى جسمها أثناء تناولها طعامها من البحر كالأسماك والرخويات وصغار السلاحف البحرية. لكنها، على عكس ما يعتقده البعض، تشرب من المياه العذبة أينما تجدها، مثل تجمع مياه الأمطار في تجاويف الصخور أو في الحفر التي يحفرها الإنسان أو عند مصبات الأنهار. لا بل إن هذه الطيور قد تدخل إلى الأنهار حيث يمكنها أن تشرب وتأكل أو تفرخ، وخصوصاً أن الكثير من أنواع الطيور البحرية تلجأ إلى الأماكن الرطبة وحيث المياه العذبة الداخلية كي تفرخ.

موقف
التحديثات الحية

وبينما تفضل النوارس التعشيش على منحدرات الصخور البحرية أو في الجزر، كما هو حال النورس أصفر الأرجل الذي لا يفرخ في لبنان سوى في محمية جزر النخيل الواقعة قبالة شاطئ طرابلس شمالي البلاد، فإن الزقزاق يعشش على الشواطئ الرملية الجافة في الكورة وفي بيروت. كما أن الدريجة الشائعة (ديك الماء) تعشش بالقرب من المياه العذبة البعيدة قليلاً عن شاطئ البحر. أما خطاف البحر الهجين، فيعشش بعيداً عن البحر، وبالتحديد على جوانب نهر العاصي (البقاع الشمالي) المغمورة في بعض أنحائها بالمياه.

وأخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن الماء في حياة الطيور ليس فقط للشرب بل هو أيضاً للحماية. فمثلاً يقوم قرقف باندولين ببناء عشه على طرف غصن شجرة طري متدل فوق سطح ماء نهر، على ارتفاع تقريبي يقدر بمتر إلى مترين، وما ذلك سوى لحماية الفراخ في العش من الأعداء الطبيعيين. وتقوم البطة الصلندية ببناء عشها على أرض أو فوق أعشاب يحيط بها الماء من كل صوب، لمنع حيوانات مفترسة كالثعلب والواوي من الإقتراب من صغارها.

*متخصص في علم الطيور البرية

المساهمون