Skip to main content
سجين عراقي يتوسل والده مساعدته على الانتحار.. وانتقاد واسع للانتهاكات في السجون
محمد علي ــ بغداد
كثر هم الذين يتعرّضون لعمليات تعذيب وابتزاز في سجون العراق (سفين حميد/ فرانس برس)

أثارت مناشدة أطلقتها امرأة عراقية نشرها مرصد حقوقي واسع الانتشار في البلاد اهتمام عراقيين كثيرين، منذ أمس الأحد، إذ تناولت أوضاع النزلاء في "سجن الناصرية" الواقع جنوبي العراق، في ظل مطالبات شعبية واسعة للحكومة بوقف عمليات التعذيب والابتزاز التي باتت ظاهرة في السجون ومراكز الاحتجاز العراقية.

ونشر مرصد "أفاد" العراقي المعني بشؤون حقوق الإنسان ورصد الانتهاكات في البلاد بياناً مرفقاً بتسجيل صوتيّ لامرأة عراقية توجّه نداءً إلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس القضاء فائق زيدان للالتفات إلى وضع ابنها في سجن الناصرية، الذي يُعرَف أيضاً باسم "سجن الحوت". 

وقالت المرأة في تسجيل صوتي إنّ ابنها السجين طلب من والده في زيارته الأخيرة له أقراص أدوية حتى يضع حداً لحياته، فهو يريد إنهاء معاناته من جرّاء التعذيب الشديد على يد أحد حرّاس السجن ويدعى (سيف ر.ع)، الذي يتباهى أمام السجناء بممارسة التعذيب.

وأفادت المرأة نفسها بأنّ النزلاء يتعرّضون للتجويع إلى جانب منع المياه والكهرباء عنهم وانعدام الرعاية الصحية، مضيفة أنّ سجناء كثيرين يتعرّضون لما يوصف بـ"الموت البطيء"، إلى جانب الابتزاز من خلال ما يُعرف بإعادة المحاكمات على يد قضاة ومحامين يطلبون مبالغ كبيرة للموافقة على إعادة محاكمات بعض السجناء، والنظر في شكواهم على الرغم من تقارير التعذيب التي أثبتتها جهات صحية وقانونية.

وأوضح مرصد "أفاد" أنّ السجين الذي أطلقت والدته الصرخة من أجله يحمل شهادة عليا في الهندسة المدنية، وقد اعتُقل في عام 2015 بـ"دعوى كيدية"، عن طريق ما يُعرَف بـ"المخبر السري" خلال زيارة لأهله في بغداد.

ورأى المرصد أنّ "توالي الشهادات بتواتر ناقلة ما يوصف بأنه جحيم سجن الناصرية، الذي لا يختلف عمّا تشهده سجون التاجي والمطار ببغداد وسجن الكفل في بابل، من انتهاكات لحقوق الإنسان"، يبيّن ما يُعَدّ "ترسيخاً لعمليات التعذيب والانتهاكات بشكل ممنهج في سجون العراق".

ودعا المرصد "الحكومة العراقية ووزارة العدل ومجلس القضاء ولجنة العفو إلى التحقّق ممّا يتعرض له كثير من السجناء، والسعي إلى إنهاء هذا الملف المحتقن الذي غيّب كثيراً من الرجال والشباب العراقيين في ظلمات السجون"، بالإضافة إلى أنّه خلّف آلاف العائلات في العوز، إذ اضطرّت إلى بيع أغلى ما تملك لإطلاق أبنائها.

وتعليقا على ذلك، قال المتحدّث باسم مرصد "أفاد" حسين دلي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "استمرار تجاهل الحكومة العراقية ومجلس القضاء شكاوى مئات من السجناء وذويهم عن تكرار سوء المعاملة في السجون العراقية يُعَدّ مؤشّراً خطراً، في ظلّ تواتر الشهادات عن انتهاكات واسعة تشمل التعذيب والتجويع وفقدان الرعاية الصحية المناسبة وابتزاز السجناء وذويهم، الأمر الذي يؤكّد انحدار العراق في سلّم حقوق الإنسان".

أضاف دلي أنّ "المرصد يطالب الجهات المسؤولة بوقف هذا التدهور بتغيير شامل يتضمّن مراجعة حقيقية لإدارات السجون وطبيعة عملها ومحاسبة فعلية علنية لمن ثبتت عليهم الإساءة بحقّ السجناء، فضلاً عن تفعيل قانون العفو الذي تعمد جهات حزبية إلى تفريغه من محتواه الحقيقي الذي أُقرّ من أجله".

وفور بثّ المناشدة، رفع ناشطون عراقيون وسم "حاسبوا سيف رعد" على مواقع التواصل، في إشارة إلى الحارس الذي ورد اسمه في قضية تعذيب النزلاء.

وسأل الناشط والمدوّن العراقي حسن الشمري في تغريدة على موقع تويتر: "أين منظمات حقوق الإنسان ممّا يجري في السجون العراقية؟"، أضاف أنّ سيف "يلجأ إلى التعذيب النفسي والجسدي في حقّ السجناء في سجن الحوت في الناصرية، وكذلك يعمد إلى الشتم"، مشدداً على أنّ أحداً لا يستطيع محاسبته.

وأوّل من أمس السبت، بيّن المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب في تقرير أنّه رصد وفاة نحو 50 معتقلاً نتيجة "عمليات التعذيب والإهمال الطبي في السجون التابعة لحكومة بغداد"، أضاف أنّه في المدّة المتراوحة ما بين يناير/ كانون الثاني الماضي وأغسطس/ آب الجاري توفّي 49 معتقلًا؛ 39 منهم في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي (شمالي بغداد)، بالإضافة إلى توثيق حالة انتحار في مراكز شرطة إجرام الموصل في محافظة نينوى (شمال)، ووفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في العاصمة بغداد.

كذلك، كشف المركز عن "احتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، بوضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات عدّة بدوافع انتقامية وطائفية"، موضحاً أنّ "الظروف الصحية معدومة في معتقلاتهم، وأنّها ذات درجة حرارة ورطوبة عاليتَين، ممّا يؤثّر على صحتهم بشكل مباشر".

وأشار المركز في التقرير نفسه إلى وفيات أخرى في السجون الحكومية التابعة لوزارات العدل والداخلية والدفاع في حكومة بغداد، فضلاً عن السجون السرية التابعة للمليشيات، إلا أنّه لم يتمكّن من الحصول على معلومات مؤكّدة بشأنها.

تجدر الإشارة إلى أنّ سجن الناصرية يقع في ضواحي مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، جنوبي العراق، ويضمّ نحو 40 ألف سجين، وهو أكبر السجون العراقية بعد إغلاق سجن أبو غريب، ويوصَف كواحد من أكثر سجون البلاد تسجيلاً للوفيات بين النزلاء، علماً أنّ إدارته رفضت في مرّات عديدة محاولات منظمات حقوقية وأعضاء من البرلمان زيارته والاطّلاع على الأوضاع في داخله.