زيادة ملوحة المياه تهدد الصحة والأرزاق جنوبي العراق

17 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 16:09 (توقيت القدس)
يعاني العراق من شح المياه وملوحتها، جنوب بغداد، 20 مارس 2018 (حيدر محمد علي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه جنوب العراق أزمة ملوحة مياه حادة تؤثر على السكان، مثل أم علي التي فقدت مصدر رزقها بسبب نفوق دواجنها. تراجعت مستويات نهري دجلة والفرات، مما زاد من ملوحة نهر شط العرب، ودفع الحكومة لاتخاذ إجراءات مثل زيادة الإطلاقات المائية.

- تعاني النساء العاملات في الزراعة من تأثيرات ملوحة المياه على محاصيلهن، وتواجه الأسر صعوبة في الحصول على مياه صالحة للشرب، مما أدى لنزوح نحو 170 ألف شخص بحثاً عن مصادر مياه أفضل.

- تتفاقم الأزمة بسبب سياسات دول الجوار المائية، وتتهم الحكومة العراقية تركيا وإيران بتقليل تدفق المياه. أطلقت الحكومة مشروعاً لتحلية مياه البحر في البصرة، لكن الأسر لا تزال تعاني من تأثيرات الملوحة.

في جنوب العراق، تخشى أم علي (40 عاماً) على مصدر رزقها الأساسي بعدما فقدت عدداً من دواجنها، جراء زيادة قياسية بمعدل ملوحة المياه في منطقة المسحب شمالي محافظة البصرة، ما جعل المياه غير قابلة للشرب، ولا حتى لأي استعمال. وتقول الأم لثلاثة أطفال: "وجدتُ الحلال ميتاً بسبب المياه المالحة، وبكيتُ قهراً، لأن كلّ تعبي راح". وتضيف الأرملة: "في الماضي، كنا نشرب من مياه النهر ونستخدمها للغسل والطبخ، لكنها باتت اليوم تؤذينا"، مشيرةً إلى أن المياه قضت على 40 بطّة و15 دجاجة هذا الموسم.

ويشهد العراق واحدة من أكثر سنواته جفافاً وأسوأ أزمة شح مياه في تاريخه الحديث، جرّاء قلة المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى تراجع قياسي في مستوى نهرَي دجلة والفرات اللّذين يرويان المنطقة منذ آلاف السنين. ويلتقي هذان النهران في البصرة حيث يشكلان نهر شط العرب الذي يصبّ في الخليج العربي، محمّلَين بالتلوّث الذي "يراكمانه على طول مقطع جريانهما"، ما يجعل "تركّز الملوثات بالمياه والملوحة أعلى من أي مكان آخر في العراق"، بحسب الأستاذ في جامعة الكوفة، حسن الخطيب.

ويقول الخطيب، إنّ تصريف مياه شط العرب تراجع هذا العام بشكل ملحوظ، بسبب تراجع مستوى دجلة والفرات، ما أثّر على تقدم مياه الخليج المالحة نحو شط العرب، مؤكداً ضرورة أن "يطالب العراق الدول المجاورة بالمياه"، بالإضافة إلى الاعتماد على تحلية جزء من مياه شط العرب لتلبية الطلب.

وفي 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، وصل مستوى الملوحة في مركز محافظة البصرة إلى نحو 29 ألف جزء في المليون مقارنةً بـ2,600 في المنطقة نفسها وفي اليوم نفسه العام الماضي، بحسب وثيقة وزارة الموارد المائية العراقية. وقال المتحدث باسم الوزارة، خالد شمال: "لم نشهد مثل هذه المستويات من الملوحة منذ 89 عاماً". وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي، قال شمال لوكالة الأنباء العراقية، إنّ الحكومة "اتّخذت حزمة من الإجراءات الفاعلة للحدّ من تفاقم أزمة اللسان الملحي في شط العرب، وفي مقدمتها زيادة الإطلاقات المائية".

وأكد أنّ "العراق لا يزال يعاني من عجز كبير في الإيرادات المائية الواردة من دول الجوار"، مشدداً على "أن الجهود مستمرة داخليّاً وخارجيّاً لمعالجة الأزمة". وتحدّد هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، مستوى المياه "متوسطة الملوحة" بين ثلاثة و10 آلاف جزء في المليون، فيما تعتبر أن المياه التي تحتوي على أكثر من 35 ألف جزء في المليون من الملح هي مياه المحيطات. وتقول المزارعة، زليخة هاشم (60 عاماً): "هذه السنة أصبحت المياه مالحة لدرجة أنه لا يمكن سقي الزرع"، متخوّفة من تأثير ذلك على خراطيم الريّ على المدى الطويل، وبالتالي على استمرارية عملها في مشتل تديره منذ أكثر من 15 عاماً، وتزرع فيه التوت والتين والرمّان والسدر والمانغا.

وفيما تُباع المياه الصالحة للشرب بنحو عشرة آلاف دينار (7 دولارات أميركية) لكل ألف لتر في منطقتها، تؤكد هاشم عدم قدرتها على شراء المياه العذبة، سواء لها أو للزرع. وتتابع "لا يمكننا أن نهاجر. فإذا قرّرنا الهجرة، أين نذهب؟".

ووفقاً للأمم المتحدة، تعمل نحو 25% من النساء في محافظة البصرة ومحافظات جنوبية مجاورة في مجال الزراعة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وصل عدد النازحين في وسط وجنوب العراق، بحسب المنظمة الدولية للهجرة، إلى نحو 170 ألف شخص، بسبب عوامل مناخية وبيئية، بينها زيادة ملوحة المياه. ومن بين هؤلاء، مريم سلمان التي نزحت قبل ثلاثة أعوام من محافظة ميسان إلى البصرة، بحثاً عن المياه للجواميس التي تربّيها مع زوجها، والتي تحتاج إلى البقاء في المياه أكثر من 14 ساعة يوميّاً خلال الصيف، وإلى شرب عشرات اللترات.

وتقول السيدة الثلاثينية: "كان الوضع جيداً حينما وصلنا، لكن وضع المياه اليوم سيئ"، حتى أن طفلتها البالغة ثلاثة أعوام بدأت تعاني طفحاً جلديّاً تقول إنّه بسبب سوء نوعية المياه. وعن وجود هياكل عظمية لثلاثة جواميس، كشف سكان محليون أنّها قضت قبل نحو شهرين، بسبب قلّة المياه والملوحة. وتندّد حكومة بغداد بانتظام بإقامة تركيا وإيران المجاورتين سدوداً على المسطحات المائية التي تتشاركها مع كلّ منهما، متّهمةً إيّاهما بأنّهما تقلّلان بشكل كبير من تدفق دجلة والفرات لدى وصولهما إلى الأراضي العراقية. ويتلقّى العراق اليوم أقلّ من 35% من الحصة المائية التي يُفترض أن تصل إليه من هذين النهرين، وفقاً للسلطات.

وفي نهاية يوليو، أطلق رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، مشروع محطة لتحلية مياه البحر في البصرة، بطاقة مليون متر مكعّب يوميّاً. وتؤكد حمدية مهدي (52 عاماً) أنّ ملوحة المياه أثّرت على عمل زوجها بصيد الأسماك في قرية أبو ملح، وبالتالي على الأجواء المنزلية بسبب قلة الإمكانات المادية. وتقول داخل منزلها الذي يفتقر للأثاث، إنّها تعاني وبعض من أطفالها وأحفادها حساسية في كلّ جسمهم، "بسبب المياه القذرة والمالحة". وتختم بالسؤال: "ماذا عسانا أن نقول؟ لا مال لدينا ولا مياه. كلّنا نغضب من بعضنا البعض بسبب هذا الوضع".

(فرانس برس)

المساهمون