زواج وهمي للتغلب على الضغوط الاجتماعية في الصين

25 مايو 2025
يظهر المرتبطان بزواج وهمي في المناسبات المختلفة، 15 مايو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ظاهرة "الزواج الوهمي" في الصين تعكس الضغوط الاجتماعية على الشباب بسبب العمل وصعوبة المواعدة، حيث تلجأ العائلات للضغط على أبنائها للزواج، مما يدفعهم للجوء لحلول مؤقتة مثل تأجير العرائس.
- ازدادت شعبية هذه الظاهرة خلال الأعياد، مما أدى إلى ظهور سوق لتأجير العرائس والشبان، رغم التحديات مثل الاستغلال وسوء السمعة.
- يشير الخبراء إلى أن الضغوط الاجتماعية والتمييز ضد العزاب يعكس الأعراف الثقافية، داعين لتغيير نظرة المجتمع وخلق بيئة داعمة، خاصة مع اختلال التوازن بين الجنسين.

شاركت فتاة صينية في الـ27 من العمر قصتها مع "الزواج الوهمي" على مواقع التواصل الاجتماعي في إبريل/ نيسان الماضي، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن الضغوط الاجتماعية التي يواجهها الشباب بسبب عزوفهم عن الزواج. وقالت الفتاة التي تدعى كاو مي، إنها تقمصت دور العروس في 20 مناسبة، وإن مغامرتها بدأت قبل ثلاثة أعوام عندما طلب أحد الأصدقاء منها أن تتظاهر بأنها صديقته في اجتماع مع والديه.

وخلال التجربة الأولى شعرت بأن هناك فرصة عمل، إذ إن العديد من الأفراد في الصين الذين يعانون من الضغوطات الأسرية لحثهم على الزواج يجدون صعوبة في المواعدة بسبب الانهماك في العمل، ويضطرون إلى اللجوء إلى هذا النوع من الحيل للالتفاف على ضغوط الأسرة والإلحاح المستمر في كل زيارة على الارتباط.

ويزداد الطلب على هذه الخدمة خلال فترة الأعياد والإجازات الرسمية في البلاد التي تشهد لمّ شمل الأسر والبدء في المساءلة بشأن الزواج والمشاريع المستقبلية. وقد خلقت الظاهرة سوقاً كبيراً ولاقت رواجاً واسعاً بين الشباب.
ومن بين الدوافع الأخرى لانتشار الظاهرة الاحتياجات الملحة لفئة العزاب في المجتمع الصيني التي تزداد (300 مليون بحسب مكتب الإحصاء الصيني)، ومن بينها ترتيبات المعيشة والتفاعلات الاجتماعية ومكافحة التمييز والتنمر في بعض الحالات، إذ يُنظر إلى من تجاوزوا سن الـ28 من دون زواج من كلا الجنسين بأنهم بقايا أفراد فشلوا في الارتباط وجذب الجنس الآخر لهم، لذا يضطر هؤلاء إلى استئجار فتيات أو شبان في إطار ما يعرف بالزواج الوهمي للظهور معاً في مناسبات مختلفة، ما يخفف عنهم عبء الضغوط الاجتماعية.

ومع رواج هذه الظاهرة، انتشر العديد من مكاتب الوكلاء توفير الخدمات ذات الصلة على الإنترنت، حيث يمكن للأفراد استئجار العرائس لأدوار محددة. وتصل أسعار هذه الخدمات إلى 200 دولار في اليوم الواحد بحسب متطلبات العملاء وطبيعة الخدمات المطلوبة، مثل حفلات زفاف وهمية وجلسات تصوير، ومرافقة ميدانية في جولات، لكن القائمين على هذه الخدمات يؤكدون خلوها من أي اتصال حميمي بين العملاء وشركائهم. وقد اعترف بعضهم بأنهم واجهوا بعض المشاكل، بما في ذلك الحالات التي تعرضت فيها بعض الممثلات لتهديد عملاء طالبوا بميزات جنسية أو امتنعوا عن الدفع.

الزواج الوهمي ظاهرة رائجة في الصين، 8 ديسمبر 2016 (Getty)
بات الزواج الوهمي ظاهرة رائجة في الصين، 8 ديسمبر 2016 (Getty)

تقول الباحثة في مركز دونغوان للإرشاد والتأهيل النفسي، لورا شانغ، لـ"العربي الجديد"، إن الزواج الوهمي يبدو في ظاهره غير مؤذٍ، لكنه في الواقع لعبة تعاقدية محفوفة بالمخاطر، فهو لا يدوس على قدسية الزواج فقط، بل يدفع في اتجاهات غير محمودة العواقب، مثل الاستغلال، وسوء السمعة، والاستسهال. وهذا بطبيعة الحال يشكل تحدياً اجتماعياً حيث يصعب التمييز بين الحقيقة والزيف، وهنا يكمن التهديد الخطير للقيم والمثل الاجتماعية. ومن عواقب هذه الخطوة أيضاً، أنها لم تعد تقتصر على أفراد مع دخول شركات وسلسلة صناعية غير قانونية خفية، وانتهاز شركات الوساطة والمجرمين هذه الفرصة التجارية، مستغلين احتياجات الشباب وسهولة انجذابهم لهذه الوسائل الالتفاف لخداع المجتمع، في حين أنهم في الوقع يخدعون أنفسهم أولاً".

ويقول أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة شينزن، لي شانغ، لـ"العربي الجديد": "من الطبيعي أن يواجه الأشخاص العازبون الكثير من الضغوط الاجتماعية والتمييز، وهذا أمر لا يمكن تجاهله إذ تؤثر المواقف الثقافية والاجتماعية بشكل عميق على اختيارات الأفراد فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والزواج. وفي الصين على وجه التحديد يثير واقع كون شخص عازباً تصورات سلبية لدى أفراد المجتمع والمقربين، وبدرجة أعلى بالنسبة إلى النساء العازبات اللواتي يواجهن مواقف أسوأ في محيط الأسرة أو دائرة العمل".

يضيف لي: "من المؤسف أن مثل هذه المسرحيات قد تتحوّل إلى مأساة، لكن في المقابل لن تؤدي محاولة دفع الشباب إلى الزواج إلى زيادة معدل المواليد وخفض نسب الشيخوخة في المجتمع، لذا يجب درس الدوافع غير العقلانية بعناية لأنها نتاج الأعراف الاجتماعية التي تستبعد القوى الجديدة المتنامية في المجتمع. ويزيد ذلك أيضاً الحاجة إلى أن تدرس السلطات المحلية وأصحاب القرار كيفية ضمان حقوق الأفراد، فلم يعد العزاب أقلية مهملة، بل غالبية، ويحتاجون إلى مزيد من الاهتمام سواء عبر خلق بيئة أكثر ودية للأفراد العازبين، أو العمل لتغيير نظرة المجتمع إليهم".

وتفيد بيانات صينية رسمية بأن سياسة الطفل الواحد التي جرى تطبيقها لعقود زادت عدد الذكور عن الإناث بمقدار 32 مليوناً، ويعتقد بأنه على المدى الطويل سيستمر حماس الشباب للزواج وإنجاب الأطفال في التراجع، ما قد يشكل تهديداً للأهداف الديموغرافية للصين.

المساهمون