زواج السوريين... المهر بالدولار الأميركي أو الليرة التركية

زواج السوريين... المهر بالدولار الأميركي أو الليرة التركية

28 ابريل 2021
في إحدى حفلات الزفاف في ريف حلب (رامي السيد/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يشكو العديد من السوريّين ارتفاع قيمة المهور التي يفرضها أهل العروس، واشتراط أن تكون بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة السورية. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عبارات من قبيل: "خفّضوا المهور قبل أن تذبل الزهور وينتشر الفجور.. يسّروا الحلال ليمتنع الحرام"، وتحديداً في منطقة سرمين، وهي آخر منطقة محررة شرقي إدلب شمال غرب سورية من سيطرة النظام. ومنذ أعوام، تُدفع المهور بالدولار الأميركي وبالليرة التركية مؤخراً وقد تراجع التعامل بالليرة السورية. 

تقول السورية منى ل.، وهي من محافظة إدلب، لـ "العربي الجديد"، إن مهرها تحدّد بالدولار لأن الليرة السورية لم تعد متداولة وقد تهاوى سعرها. تضيف أن مهرها الذي رآه كثيرون من حولها كبيراً، هو مواز وربما أقل من قيمة المهور ما قبل الثورة، إذا ما قيس الدولار بحسب أسعار أيام زمان وليس كما هو عليه اليوم. تضيف أن مهرها "تحدد الأسبوع الماضي بألفي دولار كمقدم مقبوض وثلاثة آلاف دولار كمؤخر غير مقبوض، بالإضافة إلى مائة غرام من الذهب"، لافتة إلى أن مبلغ الألفي دولار بالكاد يكفي لشراء ملابس واحتياجات العروس، لأن الأسعار في مدينة إدلب محددة بالليرة التركية والدولار، وهي مرتفعة. وترى أن أهلها لم يتشددوا في هذه الناحية رغم أن دخل العريس جيد، مشيرة إلى أن صديقاتها اللواتي تزوجن وانتقلن إلى تركيا أو ينتظرن لم الشمل للالتحاق بأزواجهن في أوروبا حصلن على مهور مرتفعة فضلاً عن "الخلاص من الواقع الخطر في سورية وقلة الخدمات".

إلا أن ارتفاع المهور، كما يرى البعض، يحول دون إقدام معظم الشباب على الزواج، لأن غالبية السوريين في المناطق المحررة من سيطرة النظام من دون عمل ويعتمدون على تحويلات ذويهم في الخارج أو المعونات الإغاثية، وقد يحظى البعض بأعمال بسيطة بالكاد تغطي التكاليف المعيشية المرتفعة.

من جهته، يقول أبو مصطفى (60 عاماً)، وهو من بلدة سرمين في ريف إدلب: "لديّ شابان في عمر الزواج (25 عاماً و28 عاماً)، إلا أن ارتفاع المهور حال دون إقدامهما على هذه الخطوة"، مضيفاً أنهما بالكاد يؤمنان مصاريف الأسرة لأن العمل قليل والعائد محدود، معتبراً أن عدوى ارتفاع المهور تعد مشكلة كبيرة تؤثر على زواج الشباب السوريين في الداخل. في الوقت نفسه، يشير إلى أن الكثير من الفتيات "يطلبن السترة ولا تتشدد عائلاتهن في المهر". ويطالب بـ "الرأفة بأحوال الشباب وتسهيل أمور زواجهم"، لافتاً إلى الكثير من النساء ترملن، لكن قلما يطلبن للزواج بسبب وجود الأولاد أو تقدمهن في العمر. ويشير أبو مصطفى إلى زيادة نسبة الزاوج بين أبناء القرى والمدن بشكل كبير. "مدينتنا سرمين فيها مهجرون من معظم مدن ومناطق سورية. الآن ابن حمص يتزوج من بنات سرمين، كما أن شبابنا يتزوجون من بنات درعا أو مناطق بعيدة من محافظة إدلب، وذلك نتيجة للحرب والنزوح".

المرأة
التحديثات الحية

وتزيد نسبة الإناث على الذكور بسبب ظروف الحرب ومقتل الكثير من الشبان في المعارك، كما يقول الباحث الاجتماعي محمد الحسين، وهو من مدينة إدلب. ويشير إلى زيادة نسبة العنوسة في مناطق شمال غرب سورية، والتي يزيدها غلاء المهور الآن. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "الحرب أدت إلى تراجع نسبة الشبان، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الهجرة والسفر إلى تركيا للعمل أو الهجرة إلى أوروبا، ويظهر ذلك جلياً في المخيمات لأن معظم قاطنيها من عائلات الشهداء أو اليتامى".

من جهته، يقول العامل في مجال الإغاثة في مخيم مشهد روحين محمود عبد الرحمن، إن المهور في مخيمات اللجوء تُدفع بالليرة التركية والدولار بعدما فقد السوريون ثقتهم بالليرة السورية وخصوصاً أن قيمتها تتهاوى يومياً. يضيف أنه "ما من قاعدة للمهور في عموم المناطق المحررة والمخيمات على نحو التحديد، فالقصة عبارة عن اتفاق بين طرفين تؤثر فيه عوامل عدة، منها صلة القربى والوضع المالي للعريس أو أهله وتحصيل العروس العلمي وجمالها. لكن عادة ما تكون المهور مرتفعة إذا ما كان العريس يعمل في تركيا أو إحدى الدول الأوروبية". وفي ما يتعلق بالكلفة التقديرية للزواج في المخيمات، يشير عبد الرحمن إلى أنه "يعد سترة وبالتالي ما من تكاليف كثيرة. فبماذا يمكن أن تفرش الخيمة؟ عادة ما تتم دعوة بعض الأهل والأقارب إلى مشاركة أهل العريس والعروس وليمة طعام بسيطة، بهدف إشهار الزواج ليس أكثر. في المقابل، يعمد الأهل إلى زيادة قيمة المؤخر غير المقبوض كضمان لبناتهم، ويصل أحياناً إلى 5 آلاف دولار أميركي".

 أثواب أفراح في سورية (لؤي بشارة/ فرانس برس)
أثواب أفراح في سورية (لؤي بشارة/ فرانس برس)

ويبقى السؤال عن كيفية توثيق الزواج في محافظة إدلب التي تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين سوري، بعضهم نزح خارج المحافظة المحررة منذ ست سنوات، كما أنه ليس فيها أي تمثيل لمؤسسات النظام السوري أو محاكمه الشرعية. في هذا الإطار، يقول رجل الدين محمد حاج خلف، إن الزواج يتم بحسب الطقوس الاجتماعية القديمة، أي يأتي الأهل ليروا العروس ثم يزور الشاب منزل أهل العروس ليتعرفا. وفي حال قبول الطرفين، يزور أهل العريس ذوي العروس لقراءة الفاتحة وتحديد المهر، ثم يتبادل العريس والعروس المحابس ويعقد القران بصك زواج شرعي (كتاب شيخ)، ويمنح كل طرف نسخة من عقد الزواج ليتم تثبيته في المحاكم الشرعية في محافظة إدلب". يضيف أن حكومة الإنقاذ في شمال غرب سورية تتولى كل المؤسسات الحكومية، من محاكم شرعية وقضائية ودوائر نفوس وأحوال مدنية ومنح دفتر عائلة للعروسين بعد تثبيت العقد.

وفي ما يتعلق بارتفاع المهور، يقول حاج خلف لـ "العربي الجديد": "أعتقد أن المهور مرتفعة جداً ولا قدرة لشبابنا على دفعها، الأمر الذي يزيد من نسبة العنوسة وغيرها من التداعيات، هذا إن لم نقل إن غلاء المهور حرام شرعاً إلا للمستطيع ولا يؤثر دفع المبلغ الكبير على غيره، وهذا نادر عندنا بسبب الحرب وتهديم الممتلكات وقلة فرص العمل". ويكشف حاج خلف أنه "لا يوجد مستوى محدد أو سقف يمكن القياس عليه. وثقتُ عقود قران بالليرة التركية وأخرى بعشرة آلاف دولار غير مقبوض وخمسة آلاف دولار مقبوض"، معتبراً أن صلة القربى والظروف المالية للعريس وأهله، ومواصفات العروس، كلها عوامل تؤثر على قيمة المهر. يضيف أن "غلاء المهور يرتبط أكثر بوجود العريس في أوروبا أو تركيا. في مثل هذه الظروف، نوثق مهراً مرتفعاً أحياناً بالعملة الأوروبية (اليورو)، يتضمن تكاليف توثيق العقد ولم الشمل وسفر العروس، لأن عقد القران في المحاكم السورية في المناطق المحررة غير معترف به في أوروبا، ما يدفع العريس الذي ستذهب زوجته إلى تركيا، إلى توثيق عقد القران كي تقبل دول اللجوء استقدام زوجته".

المساهمون