استمع إلى الملخص
- التقت رئيسة اللجنة بوزير العدل لمناقشة السبل القانونية والاجتماعية لمواجهة العنف، واتفقا على إعداد مقترح قانون مستمد من الشريعة والعادات الليبية، مع تعزيز دور التعليم وإنشاء مكاتب متخصصة في المحاكم.
- أشار أستاذ علم الاجتماع خليل العيادي إلى أن العنف الأسري ناتج عن تفاعل الضغوط النفسية والاقتصادية، مؤكدًا على ضرورة معالجة شاملة تشمل بناء شبكة دعم اجتماعي.
حذرت لجنة شؤون المرأة والطفل التابعة لمجلس النواب في ليبيا من تنامي العنف الأسري، وطالبت بتحرّك عاجل لمواجهته بعدما وقع أطفال ضحايا هذا العنف في مدينتَي بنغازي وأجدابيا شرقي البلاد. ورأت اللجنة، بحسب ما جاء في بيان أصدرته في هذا الخصوص، ضرورة تفعيل القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية الأطفال من مختلف أشكال العنف، وتنظيم حملات توعية شاملة بمخاطر العنف الأسري وآثاره النفسية والاجتماعية العميقة، مع التركيز على أهمية الإبلاغ الفوري عن أيّ حادثة تهدّد حياة الأطفال أو سلامتهم.
وشدّدت لجنة شؤون المرأة والطفل التابعة لمجلس النواب في ليبيا على الدور الحيوي الواجب تأديته للإحاطة بموضوع العنف الأسري، وذلك في المؤسسات التربوية من قبل المتخصصين النفسيين والاجتماعيين، إلى جانب دور المساجد في تقديم الدعم النفسي وكذلك الاجتماعي وتحصين الأسر من الانهيار الداخلي. ودعت إلى تنسيق الجهود ما بين الأجهزة الأمنية وتلك القضائية لاتّخاذ تدابير عملية في هذا السياق ووضع خطط واضحة تهدف إلى الحدّ من تفاقم هذا النوع من العنف.
وإذ طالبت اللجنة الليبية بمحاسبة المتورّطين في هذه الجرائم البشعة وبتطبيق العقوبات الرادعة عليهم، مشدّدةً على ضرورة عدم إفلات أيّ جانٍ من العقاب، حثّت المجتمع على تكثيف الجهود لبناء بيئة آمنة وصحية للأطفال، تضمن لهم النموّ بطمأنينة.
وفي متابعة لهذه القضية، التقت رئيسة لجنة شؤون المرأة والطفل النائبة انتصار شنيب وزير العدل في الحكومة المكلفة من مجلس النواب خالد مسعود، وذلك في اجتماع خُصّص لمناقشة السبل القانونية والاجتماعية من أجل مواجهة العنف الأسري المتفاقم في ليبيا. واتّفق الطرفان على إعداد مقترح قانون لمناهضة هذا النوع من العنف، "يُستمَدّ من أحكام الشريعة الإسلامية والعادات الليبية الأصيلة، بما يحافظ على تماسك الأسرة ويحمي أفرادها من الانتهاكات". كذلك رأى الطرفان، بحسب ما جاء في بيان صدر عقب الاجتماع، وجوب إنشاء مكاتب متخصصة في المحاكم الجزئية والابتدائية تُعنى بدراسة حالات الطلاق للتخفيف من العبء عن القضاء، ومعالجة قضايا الحضانة الكاملة عبر الأوامر الولائية بدلاً من الأحكام المطوّلة، بالإضافة إلى تعزيز دور التعليم في التوعية من خلال مرشدين نفسيين واجتماعيين، وتمكينهم من أداء مهامهم الوقائية والعلاجية. كذلك شدّد الطرفان على أهمية اعتماد برامج وطنية للمقبلين على الزواج، ومراجعة آثار منحة الزواج السابقة من الناحيتَين الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى مخاطبة الجهات القضائية والاجتماعية والتعليمية لتكثيف جهودها في حماية الأسرة من عوامل التفكّك والانهيار.
وأتت تحرّكات لجنة شؤون المرأة والطفل التابعة لمجلس النواب في ليبيا على خلفية حادثتَين هزّتا الرأي العام في البلاد؛ لعلّ أولاهما الجريمة التي وقعت في مدينة بنغازي، يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، حين أقدم أب على قتل أطفاله السبعة بإطلاق الرصاص عليهم قبل أن يضع حداً لحياته. وقد بيّنت التحقيقات، التي أجرتها مديرية أمن بنغازي، أنّ أحد الأطفال تعرّض للتعذيب فيما أُطلقت النار على الآخرين في رؤوسهم من مسافة قريبة. أمّا الجريمة الثانية فوقعت في مدينة أجدابيا، إلى الغرب من بنغازي، وقضى في خلالها طفل في الرابعة من عمره متأثّراً بإصابات خطرة بعدما تعرّض لضرب مبرح على يد والده، يوم 10 أكتوبر المنصرم، بخرطوم مطاطي قبل أن يُخبَط رأسه بالحائط. يُذكر أنّ الصغير لفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى. وقد أفادت مديرية أمن أجدابيا، التي ألقت القبض على الأب بعدما أبلغها المستشفى بالظروف التي توفي فيها الطفل، بأنّ أباه حاول تضليل الشرطة بالادّعاء أنّ ابنه سقط في أثناء اللعب، لكنّه أقرّ بارتكاب الجريمة لاحقاً، بعد مواجهته بالأدلّة، وأُحيل إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيق.
في تعليق على البيان الصادر بعد اجتماع رئيسة لجنة شؤون المرأة والطفل بوزير العدل في الحكومة المكلفة من مجلس النواب، يرى أستاذ علم الاجتماع في ليبيا خليل العيادي أنّه "تعكس دراسة الجهات المسؤولة أسباب الظاهرة، إذ تضمّنت عدداً منها"، لكنّه ينتقد في الوقت نفسه "تعاطي السلطات في البلاد مع الظواهر المجتمعية والأسرية، بطريقة التعامل مع الحدث ثمّ الصمت". ويقول العيادي لـ"العربي الجديد" إنّ "العنف الأسري في ليبيا ناجم عن تفاعل معقّد ما بين الضغوط النفسية والانهيارات الاقتصادية وارتدادات الحروب المتواصلة التي أنهكت البنية الاجتماعية في البلاد". ويوضح أنّه "على المستوى النفسي، يعاني كثيرون من اضطرابات ناجمة عن تراكم صدمات وفقدان للشعور بالاستقرار والجدوى من الحياة، الأمر الذي يولّد لدى عدد منهم ميلاً عدوانياً داخلياً يُفرَّغ في داخل الأسرة، إذ إنّها البيئة الأضعف في لحظة الانهيار". يضيف الأكاديمي الليبي أنه "من الناحية الاقتصادية، يخلق تراجع مستويات المعيشة وغياب فرص العمل واستمرار الأزمات المعيشية بيئةً من التوتّر الدائم في البيوت. فيتحوّل الضغط المادي إلى عنف رمزي ثمّ جسدي ضدّ الزوجة أو الأبناء، وتأتي آثار الحروب والنزاعات التي عاشها الناس لتخلق جيلاً كاملاً محاطاً بصور الدم والانقسام والفرار والنزوح والخوف من الاعتقالات"، مبيّناً أنّ "وسط كلّ هذا، يعيش الناس في ظلّ غياب مؤسسات فاعلة للرعاية النفسية والاجتماعية".
ويشدّد العيادي على "وجوب أن ندرك، بأهمية كبرى، أنّ هشاشة بنية الحياة التي يعيشها الناس في الوقت الراهن تجعلهم هم وأسرهم في مواجهة مباشرة مع أعباء تتجاوز قدراتهم على الاحتمال. وقد يكون هذا أحد أسباب الانفجار المفاجئ للعنف، على شكل جرائم صادمة تمثّل في جوهرها انهياراً عميقاً لمنظومة حماية الأسرة". ويكمل أنّ "هذا أمر تتطلّب مواجهته معالجة شاملة لا تقتصر على سنّ القوانين، مثلما تدعو المسؤولة البرلمانية (انتصار شنيب) ووزير العدل (خالد مسعود)، بل تمتدّ إلى بناء شبكة دعم اجتماعي متكاملة تعيد إلى الأسرة توازنها النفسي كما الاقتصادي وتمنحها نوعاً من الشعور بالأمان في ظلّ الدولة والمجتمع".