استمع إلى الملخص
- يعاني السكان من غياب المحاسبة للمتورطين في السرقات، مما يؤدي إلى أعمال انتقام فردية، ويطالبون بجهة متخصصة لضبط الأمن وتفعيل القضاء وتسيير دوريات أمنية.
- تتفاقم السرقات بسبب الفقر والبطالة وغلاء المعيشة وضعف الأجهزة الأمنية، ويطالب السكان بتحسين الوضع المعيشي وتوفير فرص عمل وتعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع.
شهدت مناطق ريف حماة الشرقي في الآونة الأخيرة تزايداً ملحوظاً في السرقات، ما أرق حياة السكان وأضاف إلى واقعهم الصعب معاناة جديدة
يمتاز ريف حماة الشرقي بالتنوع وعراقة التعايش بين مكوناته، ويرسم هذا التنوع الذي يضم مدينة سلمية وعدداً من القرى والبلدات المحيطة بها خريطة مصغرة عن سورية، إلا أن هذا التنوع تنغّصه اليوم ظاهرة السرقة التي برزت تحدّياً حقيقياً للمجتمع.
وتشمل السرقات المواشي وآليات ودراجات نارية وكابلات كهرباء، وعمليات نهب متكررة للمدنيين. يقول السوري نضال عكاري لـ"العربي الجديد": "في ظل الفراغ الأمني الذي حصل منذ سقوط النظام، تقع المنطقة على أطراف البادية السورية، وتضم تنوعاً من قبائل بدوية وقرى يقطنها أبناء الطائفة العلوية وأخرى ينتمي أبناؤها إلى الطائفة الشيعية، إضافة إلى قرى أخرى بغالبية سنية، ما يعطي لمحة عن مدى التنوع الطائفي".
يضيف عكاري: "ما يحصل في الوقت الحالي هو قيام بعض ضعاف النفوس بسرقة جيرانهم والتعدي على ممتلكاتهم بذريعة أنهم كانوا موالين للنظام، وبعض اللصوص أشخاص هجروا مناطقهم وأصبحوا يحملون السلاح للقتال باسم الهيئة أو الفصائل الموالية لها. السلطات القائمة غير مدربة، وتفتقر إلى الخبرة والتنظيم، وبعضهم أشخاص تقودهم مصالحهم وأهواؤهم إلى تصرفات فردية خاطئة لا تنتمي لمفهوم الدولة، وإنما لمفهوم المليشيات، بينما يقف السكان عاجزين أمام حالة الانفلات الأمني، ويصدق علينا المثل الشعبي (طلعنا من تحت الدلف لتحت المزراب)".
يتابع: "محاسبة اللصوص ومرتكبي السرقات غير قائمة، والكثير من اللصوص والقتلة والمجرمين الذين أُطلق سراحهم من السجون لا يزالون طلقاء، ولهم دور فيما يجري، وبعض الفارين من بقايا النظام وميليشياته أيضاً مشاركون، حتى إن بعضهم يزعمون أنهم يديرون شؤون المنطقة أمنياً. تقع في المنطقة أعمال انتقام فردية بين حين وآخر، وكل شخص يريد أن يحصل على حقه بيده، والمطلوب هو إيجاد جهة متخصصة لضبط الأمن، وتفعيل دوائر القضاء المختصة، وتسيير دوريات بلباس موحد لمعرفة تبعيتها".
ويعيش الكثير من سكان المنطقة على اختلاف طوائفهم، حالة استياء من انتشار السرقات. يقول محمد العبدالله، من بلدة أم خريزة شرق السلمية، لـ"العربي الجديد": "أعرف لصوصاً يصولون ويجولون في المنطقة بحرية، ويقومون بمضايقة الناس. بعضهم عناصر سابقون في أمن النظام، والبعض الآخر من ضعاف النفوس. لا أريد اتهام جهة بعينها بارتكاب السرقات، لكننا تضررنا جميعاً منها، وليس طائفة بحد ذاتها أو بلدة وحدها".
بدورها، تقول سلوى خالدي لـ"العربي الجديد": "بيتنا يقع في بلدة صغيرة شرق مدينة سلمية، وعقب سقوط النظام عدنا إليه بعد تهجير دام أكثر من عشر سنوات، ولم نجد فيه حتى ملعقة، رغم أننا خرجنا بملابسنا فقط. عرف زوجي اللصوص، لكن لا وسيلة لمواجهتهم. نطالب الأمن بالحفاظ على ما تبقى من بيوتنا ومزارعنا، ولا أريد أن يدخل زوجي في مشاكل مع اللصوص المسلحين".
ويروي علاء البرهوم، من قرية الرهجان، تفاصيل سرقة مواشيه في الليل، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه خسر كل ما يملك، ولا يعلم كيف يتصرف، أو كيف يتمكن من استرداد قطيعه الذي أمضى حياته لجمعه، والمؤلف من عشرين رأساً من الأغنام، والتي كانت مصدر رزقه الوحيد. يضيف: "كأننا نعيش في غابة، فالقوي يأكل الضعيف، ولا رقابة ولا حراسة ولا قوانين رادعة، ولا مجال لفعل أي شيء حتى لو رأى الشخص أمواله تنهب أمام عينيه، فعصابات السرقة مستعدة للقتل والتنكيل".
استطاع حمود سعد الدين النجاة من عملية نهب في الطريق المؤدية إلى قرية "أبو دالي" بعد منتصف الليل، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه كان عائداً من المشفى بعد إسعاف جاره المصاب باضطرابات قلبية، ليفاجأ بوضع إطارات على الطريق، يحيط بها مجموعة من الملثمين، ويقول إنه تمكن بصعوبة من الفرار.
أما سعيد الدوري، من قرية جب رملة، فيؤكد أن القرية تتعرض لعمليات سطو ونهب وسرقات متكررة، وأنه تعرض لسرقة سيارته ومعداته الزراعية على يد مسلحين ينتحلون صفة القوى الأمنية، قبل أن يتبين أنهم عصابة. ويقول لـ"العربي الجديد": "يرجع ذلك إلى غياب الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش، إذ تعد بعض القرى النائية شبه معزولة، ما يجعلها أهدافاً سهلة للصوص، إضافة إلى ضعف الاتصالات، وضعف تجهيزات القوى الأمنية، وانشغالها بقضايا أخرى، ما يتيح الفرصة للعصابات لتنفيذ جرائمها من دون رادع".
ويشكل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المنطقة، والغلاء الكبير الذي طاول مختلف المواد الأساسية، إضافة إلى ضعف الأجهزة الأمنية عوامل مهمة في زيادة السرقات، ويطالب الأهالي بتفعيل دور الشرطة والدوريات الأمنية.
تقول عبلة العبد الله، من سكان قرية السعن: "لم نعد ننام مطمئنين، ونخاف على ما لدينا من أرزاق ومواشي منذ سمعنا عن سرقات في القرى المجاورة. ينبغي تحسين الوضع المعيشي قبل كل شيء، إذ لا يمكن فصل السرقات عن الفقر، وإيجاد فرص عمل. هناك تحديات كبيرة أمام الإدارة الجديدة، فالمنطقة تعاني ضعفاً في البنية التحتية، ونقصاً كبيراً في الخدمات. أدرك أننا بحاجة إلى وقت طويل من أجل إحداث تغيرات ملموسة على أرض الواقع بعد سنوات من الحرب التي دمرت البشر والحجر، وهناك ضرورة للتعاون بين الحكومة والمجتمع المحلي لإنجاح أي خطة لتحسين الأوضاع الأمنية والمعيشية على نحو جذري ومستدام".
وفي نهاية عهد النظام المخلوع، كشف مدير شركة كهرباء حماة السابق، حبيب خليل، عن تصاعد وتيرة السرقات التي تستهدف الشبكة الكهربائية ومنظومتها في مختلف مناطق المحافظة، وأنه خلال الربع الثاني من عام 2024، ارتكبت نحو 146 جريمة سرقة واعتداء على الشبكة، بما في ذلك سرقة أكثر من 15 طناً من الأمراس النحاسية، ونحو 16324 متراً من الكابلات، مشيراً إلى أن قيمة المسروقات تجاوزت 7 مليارات ليرة سورية.