روسيا: حرق الجثامين يتزايد بسبب كورونا

روسيا: حرق الجثامين يتزايد بسبب كورونا

24 نوفمبر 2021
إقبال متزايد على خدمات حرق الجثث (سيرغي سيبونسكي/ فرانس برس)
+ الخط -

ألقت جائحة كورونا بظلالها على كل مجالات حياة الروس، وصولاً إلى تقاليد توديع موتاهم، مع تزايد الإقبال على خدمات حرق الجثث بدلاً من دفنها كما تجري العادة في القبور. ورغم أن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تتحفظ على الحرق، لم يمتنع الروس الذين يقطنون في المدن الكبرى عن حرق جثث موتاهم في ظروف جائحة كورونا التي أودت بحياة أكثر من ربع مليون مواطن حتى الآن، علماً أن أكثر من ألف وفاة جديدة تسجل يومياً حالياً، ما رفع إلى أكثر من 9 ملايين إجمالي عدد الإصابات منذ بدء الجائحة.
ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأسبوع عطلة في البلاد لمحاولة كبح الوباء. لكنّ حكومته رفضت فرض قيود أكبر خشية إضعاف الاقتصاد، ما أبقى الحانات والمطاعم والمقاهي مفتوحة في شوارع موسكو التي تُعَدّ بفارق واسع أكبر بؤرة لانتشار الفيروس في روسيا، علماً أن سكانها لا يلتزمون وضع الكمامات، الأمر الذي لا تراقبه السلطات المعنية. أمّا التحصين، فيتقدّم ببطء شديد في مواجهة الحذر التقليدي للروس، وقد تلقّى بالكاد ثلث الروس اللقاح عندما طُرح "سبوتنيك-في"، أوّل لقاح وطني في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2020.

وفيما أصدرت الهيئة الفيدرالية الروسية لحماية المستهلك "روس بوتريب نادزور" سابقاً توصيات غير إلزامية بحرق جثث ضحايا كورونا، يعزو رئيس اتحاد محارق الجثث في روسيا، أليكسي سولويف، في حديثه لـ"العربي الجديد" زيادة إقبال المواطنين على إحراق الجثث إلى مجموعة عوامل، وفي مقدمها تكاليفه المنخفضة مقارنة بعملية الدفن التقليدية، ونقص الأماكن في المدافن، والتوجه العام السائد في العالم إلى اختيار السبيل "الأنظف بيئياً" لتوديع الموتى. 
ويقول: "يزداد إقبال المواطنين على حرق الجثث في جميع المدن التي توجد بها محارق، في ظل نقص الأماكن في المدافن التقليدية، وانخفاض كلفة الحرق بمقدار الضعف تقريباً، مقارنة بالدفن التقليدي. ونتيجة لذلك، ارتفعت نسبة حرق الجثث أكثر من 70 في المائة في العاصمة موسكو ومدينة سان بطرسبورغ، وأكثر من 50 في المائة في المدن الأخرى التي تتوافر فيها هذه الخدمة". 
ويلفت إلى أن "زيادة الإقبال على حرق الجثث ظاهرة تشمل كل دول العالم باستثناء تلك التي يمنع الدين فيها الحرق. وأصبح الناس يفضلون الطريقة الأنظف بيئياً لتوديع موتاهم. وفي أوروبا تتجاوز نسبة حرق الجثث 85 في المائة، بينما تتوافر في الولايات المتحدة مثلاً محرقة واحدة لكل 150 ألف شخص، في مقابل محرقة لكل 5 ملايين في روسيا. وحرق الجثث أنظف بيئياً من المدافن التقليدية التي تلوّث الجو والمياه الجوفية، بينما لا تزيد الأضرار الناجمة عن الأفران الحديثة على انبعاثات سيارة.

الصورة
الكنسية الأرثوذكسية لا تؤيد الحرق (سيرغي كاربوخين/ Getty)
الكنيسة الأرثوذكسية تتحفظ على الحرق (سيرغي كاربوخين/ Getty)

ويعلّق سولويف على موقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية من حرق الجثث وتفاعل ذوي الموتى مع الأمر بالقول: "هذه هي الحياة، تصدم وفاة إنسان عائلته التي تعاني من مأساة فقدانه بغض النظر عن مصير الجثة. وهنا يأتي دور الخدمات الشعائرية لتنظيم مراسم الوداع بطريقة تخفف من آلام الأسرة. وسينودس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية لا يحظر حرق الجثث، لكنه لا يحبذه ولا يروّجه. ورغم ذلك، تتوافر قاعات كنسية في كل المحارق لأداء الصلاة على الموتى مثلما يحصل في مراسم الدفن التقليدي".
وفي وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ربط عضو المجلس البطريركي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية ليونيد كالينين إقبال الروس على حرق جثث الموتى بعدم إيمانهم بما بعد الموت، وحذرهم من تقاليد الماضي. وقال لإذاعة "غوفوريت موسكفا" (موسكو تتحدث): "بالنسبة إلى الأشخاص خارج التقاليد والمفاهيم الشعبية للإيمان، وأولئك الذين لا يعتبرون أن هناك شيئاً بعد القبر، فهم لا يهتمون كثيراً إذا كانت جثثهم ستحرق أو تتحلل في الحامض، لأنهم يعتبرون أنهم لن يستطيعوا تحقيق رفاهية إلا في الدنيا، من دون أن يدركوا الخطأ الذي يرتكبونه". 
ولا يخلو إنشاء محارق الجثث في روسيا من فوائد تجارية تزيد اهتمام المستثمرين بهذا القطاع "المستقر" في سوق الأعمال بصرف النظر عن الأوضاع الاقتصادية السائدة في البلاد. وهي لا تزال قليلة في البلاد، ولا يتجاوز عددها 30 بينها 19 مملوكة من القطاع الخاص، وفق أرقام اتحاد محارق الجثث.
ومع زيادة دور القطاع الخاص في مجال الدفن وإحراق الجثث، تسعى الدولة الروسية إلى تعزيز تنظيمها لهذا القطاع الحساس، وسط إعلان وزارة البناء الروسية عن إعداد مشروع قانون لتنظيم سوق الدفن في روسيا على مستوى الدولة والذي من المنتظر أن يناقشه مجلس الدوما (النواب) في العام المقبل. وبلغ مجموع عائدات وكالات الدفن في روسيا خلال النصف الأول من العام الجاري ما يعادل نحو نصف مليار دولار، بينما قارب متوسط فاتورة توديع الموتى في موسكو ما يعادل ألفي دولار، شاملة سعر التابوت وجميع الخدمات الشعائرية واللوجستية.  

ومنذ تفشت في ربيع عام 2020، رفعت جائحة كورونا، وفق تقديرات علماء السكان، معدل الوفيات في روسيا إلى أعلى مستويات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.  
وتفيد بيانات موقع "ستوب كورونا فيروس" الحكومي الروسي بأن 252 ألف شخص توفوا بفيروس كورونا، بينما تتحدث أرقام هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" عن أكثر من 460 ألف وفاة تشمل تلك التي لم تنتج مباشرة من كورونا، أو اكتشفت الإصابة بأثر رجعي بعد حدوث المكروه الصحي.  

المساهمون