مع معاودة ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا الجديد في روسيا واقتراب عددها اليومي من 15 ألف إصابة، تتكثّف النقاشات حول ضرورة جعل اللقاحات المضادة لكوفيد-19 إلزامية لأصحاب المهن التي تقتضي تواصلاً مستمراً مع الناس، من أمثال المدرّسين والأساتذة والأطباء. وبعد مصادقة مجلس الدوما (النواب) الروسي، الأسبوع الماضي، في القراءة الأولى، على مشروع قانون إدراج التحصين ضدّ كوفيد-19 ضمن الجدول الوطني للتحصين الوقائي في البلاد، ازدادت التساؤلات حول احتمال أن يشكّل ذلك خطوة نحو إلزامية التحصين على الرغم من النفي الرسمي لذلك.
وقبل ذلك، كان لجمهورية ساخا (ياقوتيا) الروسية في نهاية مايو/ أيار الماضي السبق في الإعلان عن التحصين الإلزامي ضدّ كوفيد-19 مع استبدال التسمية بـ"العام" في وقت لاحق، وذلك لجميع العاملين في قطاعَي التعليم وتنظيم الاستجمام الصيفي للأطفال وكذلك العاملين في تنظيم الفعاليات العامة على مستوى الجمهورية. أمّا في مقاطعة إيفانوفو في وسط روسيا، فقد وصل الأمر إلى نشر نقاط تفتيش لمراجعة إفادات التحصين ضدّ كوفيد-19 على مدار الساعة، مع إخضاع الوافدين من المدن الأخرى للعزل الذاتي لمدّة 14 يوماً في حال كانوا لا يحملون إفادة تحصين أو نتيجة سالبة لاختبار كورونا أو إفادة تؤكد أنّ لديهم أجساماً مضادة.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير القانوني في نقابة المعلّمين المستقلة الروسية، يوري فارلاموف، إلى أنّ إدراج التحصين ضدّ كوفيد-19 في الجدول الوطني للتحصين لا يعني جعله إلزامياً تلقائياً، وفي الوقت نفسه للدولة حقّ في ذلك في حال أثبتت الدراسات الطبية أمان اللقاحات. ويقول فارلاموف لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة جدولَين للتحصين، أحدهما وقائي والآخر وبائي. وبما أنّ التحصين ضد كوفيد-19 يأتي من ضمن جدول التحصين الوقائي، فهذا يعني أنّه ليس إلزامياً. وفي حالة جمهورية ساخا، جُعل التحصين إلزامياً بقرار من كبار الأطباء المحليين وأُدرج ضمن الجدول الوبائي. لكنّه حتى في هذه الحالة، لا يجوز تسريح رافضي تلقّي التحصين من العمل، لكنّه من الممكن إبعادهم عنه من دون أجر بشكل مؤقّت".
وحول مدى أحقية الدولة في إلزام فئات معيّنة من السكان بالتحصين، يقول فارلاموف إنّ "الأمر يعتمد على وتيرة تمدّد فيروس كورونا الجديد، خصوصاً أنّنا ندخل الآن في المرحلة الثالثة من الوباء. وبرأيي، فإنّه من حقّ الدولة جعل التحصين إلزامياً في حال كانت اللقاحات آمنة من وجهة النظر الطبية، وفي حال كان للمواطنين الحقّ في رفض تلقّيها لأسباب صحية موجبة".
وفي هذه الأثناء، ما زالت وتيرة حملة التحصين ضد كوفيد-19 في روسيا منخفضة، إذ لم يتلقَّ اللقاح حتى الآن إلا 18 مليون مواطن أو نحو 12 في المائة من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ 146 مليون نسمة. ويعلّق فارلاموف على ريبة الروس تجاه التحصين والامتناع عنه، قائلاً إنّ "ثمّة دراسات تؤكّد أمان اللقاح الروسي سبوتنيك-في. وفي المدرسة التي أعمل بها مثلاً، تلقّى المدرّسون بمعظمهم اللقاحات. ولكن في أحيان كثيرة، يُرصَد إدلاء الخبراء بمعلومات غير دقيقة عبر وسائل الإعلام التي تتحمّل كذلك مسؤولية الاستعانة بأشخاص غير متخصصين ونشر حالة من انعدام الثقة".
وفي السياق، فرضت السلطات المحلية في العاصمة الروسية موسكو إجراءات جديدة لمنع تمدّد فيروس كورونا الجديد، بما في ذلك تمديد أيام عطلة العيد الوطني الروسي الذي حلّ في 12 يونيو/ حزيران حتى 19 يونيو/ حزيران الجاري، بالإضافة إلى توصية أرباب العمل بتحويل ما لا يقلّ عن 30 في المائة من الموظفين إلى نظام العمل عن بُعد، وتعليق تقديم خدمات المطاعم في ساعات الليل باستثناء خدمات التوصيل.
وقد أرجع عمدة موسكو سيرغي سوبيانين فرض الإجراءات الجديدة إلى تزايد الإصابات بكوفيد-19 في العاصمة إلى أعلى مستوياتها منذ بداية العام الجاري. أضاف: "وما يثير القلق أكثر من غيره هو حديث الأطباء عن عدد كبير من المرضى في حالات حرجة، علماً أنّ المرضى ليسوا من الفئات التقليدية الأكثر عرضة فحسب إنّما كذلك من الفئة العمرية المتوسطة وحتى الشباب، وعدم التعامل مع مثل هذا الوضع أمر غير ممكن". في المقابل، أكدت نائبة عمدة موسكو لشؤون التنمية الاجتماعية، أناستاسيا راكوفا، أنّ سلطات العاصمة لا تناقش ولا تعتزم إعادة فرض نظام تصاريح التنقل الذي كان سارياً في الربيع وبداية الصيف من العام الماضي.
وبحسب الأرقام الواردة في موقع "ستوب كورونا فيروس" الحكومي الروسي، فإنّ إجمالي عدد الإصابات بكوفيد-19 في روسيا منذ بدء الوباء يتخطّى 5.2 ملايين إصابة، بما فيها أكثر من 126 ألف وفاة. وتستحوذ موسكو على ما يقارب ربع إجمالي الحالات وأكثر من 50 في المائة من الحالات الجديدة.