Skip to main content
روسيا: السجناء لإنجاز المشاريع الكبرى
رامي القليوبي ــ موسكو
في أحد سجون روسيا (بيتر كوفاليف/ Getty)

تتعالى في روسيا الأصوات المنادية بالاستعانة بالسجناء للعمل في ظل نقص العمالة لإنجاز مشاريع قومية كبرى، الأمر الذي سيساهم في إنجازها على وجه السرعة وإعادة اندماج المعتقلين في الحياة الاجتماعية اليومية تمهيداً للإفراج عنهم. ويُتيح الالتحاق بالعمل انتقال السجناء من الزنازين إلى السكن الجماعي في المراكز الإصلاحية التابعة للمنشآت ومواقع البناء الكبرى، مع أداء العقوبة في ظروف مخفّفة، بما فيها السماح باستخدام الهاتف المحمول والإنترنت والذهاب إلى المتاجر والتنقل من موقع العمل وإليه بمعرفتهم، حتى بوسائل النقل العام. 
وبحسب أرقام الهيئة الفيدرالية الروسية لتنفيذ العقوبات، فإنّ عدد السجناء العاملين ارتفع من ألفين إلى 12 ألفاً خلال السنوات الثلاث الماضية، بينما تؤكد السلطات استمرار تواصلها مع قطاع الأعمال لإنشاء مواقع لعمل السجناء.  
وتعتزم وزارة العدل الروسية خلق نحو 70 ألف فرصة عمل للسجناء بحلول عام 2030 مع تقديم تسهيلات لأرباب العمل أصحاب المصانع والمشاركين في المبادرة، ناهيك عن تحقيقهم هامش ربح أعلى في ظل تدني أجور المدانين والتي لا تتجاوز 25 ألف روبل (نحو 350 دولاراً) شهرياً باستثناء العمالة المؤهلة.

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

في هذا الإطار، يقول الخبير القانوني والحقوقي بافيل ماروشاك، إنّ توظيف السجناء يساهم في إعادة دمجهم، كما أنّه حيوي للاقتصاد الروسي في ظل تراجع حركة الهجرة الوافدة منذ انهيار سعر صرف الروبل في عام 2014 من نحو 33 روبلاً للدولار إلى أكثر من 70 روبلاً حالياً. ويقول ماروشاك لـ"العربي الجديد": "تعود المبادرات لتوظيف السجناء إلى قفزة سعر صرف الدولار منذ عام 2014 وعزوف العمالة المؤهلة من الجمهوريات السوفييتية السابقة عن التوجه إلى روسيا، فأصبح هناك توجه نحو وضع قوانين من شأنها التحفيز على الاستعانة بعمل السجناء الذين يتم نقلهم إلى مواقع السكن الجماعي مع تخفيف نظام أداء العقوبة".  
وفي ما يتعلّق بدوافع أرباب العمل لتوظيف السجناء، يقول: "توفر الهيئة الفيدرالية لتنفيذ العقوبات عمالة رخيصة بأجور أقل من المستوى السائد في السوق. وفي القطاع العام، تحتاج الدولة إلى الأيدي العاملة بالمشاريع الكبرى مثل مد السكة الحديدية في سيبيريا والشرق الأقصى. وهناك توجه عام لتحول هيئة تنفيذ العقوبات نحو التحضر والتغلب على الطابع القمعي". 
وفي ما يتعلق بأهمية العمل للسجناء أنفسهم، يتابع ماروشاك الذي كان قد سجن بضع سنوات في قضية ذات أبعاد سياسية: "يحظى هذا الخيار بإقبال بين الذين سجنوا لأول مرة ويستعجلون العودة إلى حريتهم والحفاظ على مهارات التواصل الاجتماعي. كما أن غالبية المشاكل في الإصلاحيات ومراكز الحبس الاحتياطي ناجمة عن عدم انشغال المعتقلين بشيء، بينما يولد العمل شعوراً بأن الوقت يمر بسرعة. مع ذلك، لا يقبل على العمل المجرمون المحترفون الذين سجنوا للمرة الثانية أو الثالثة، فهناك دراسات نفسية تظهر أنه بعد قضاء ثماني أو عشر سنوات خلف القضبان، تحدث تغيرات جذرية في عقول السجناء، فلا يعودون يتطلعون إلى الحرية كونهم لا يملكون شيئاً، لا عائلة ولا منزل، ويفضلون البقاء في الإصلاحيات، حيث يشعرون بالأمان وتوفر لهم وجبات طعام مضمونة وبيئة قد اعتادوا عليها". 

الصورة
حوافز للاستعانة بسجناء في العمل (ماكسيم كيسيليف/ Getty)

ومع تراجع معدل الجريمة وعدد سكان البلاد بشكل عام، تشهد روسيا انخفاضاً في أعداد السجناء عاماً بعد عام. وتشير أرقام هيئة تنفيذ العقوبات إلى تراجع عدد السجناء في البلاد من نحو 524 ألفاً في عام 2019 إلى 483 ألفاً بحلول بداية العام الجاري، بمن فيهم المعتقلون على ذمة التحقيق. ويستوفي 188 ألف سجين شروط التقدم بطلب استبدال عقوبة السجن بالعمل الإلزامي بأجر.  
وكان رئيس هيئة تنفيذ العقوبات ألكسندر كالاشنيكوف قد اقترح في مايو/ أيار الماضي، زيادة الاستعانة بالسجناء لأداء الأعمال التي يقوم بها المهاجرون حالياً، مؤكداً في الوقت نفسه أن ذلك لن يكون "غولاغ" وهو اختصار لعبارة "الإدارة العامة لمعسكرات العمل القسري" باللغة الروسية التي استخدمت للإشارة إلى معسكرات العمل الإجباري في عهد الدكتاتور الراحل جوزيف ستالين.  

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وتتزامن هذه المبادرات مع مواجهة روسيا نقصاً في العمالة الوافدة على ضوء القيود التي فرضت على حركة السفر منذ بدء فيروس كورونا الجديد في ربيع العام الماضي، إذ تشير أرقام وزارة الداخلية الروسية إلى أنّ عدد الأجانب في روسيا بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، بلغ 7 ملايين، في مقابل تفاوته ما بين 9 و11 مليوناً قبل كورونا.