روح الغابة

روح الغابة

07 ابريل 2021
دور الأغنام كبير في حماية الغابات (إيريك لافورج/ Getty)
+ الخط -

كان لحارس الغابة في بزته الكاكية الغبشاء، وغطاء رأسه الغريب، وجواده العملاق، هيبة، إذ نظلّ نترقب ظهوره المفاجئ قاطعاً تلك الغابة الصغيرة بين قريتنا ومجرى النيل في شمال السودان. ولعلّهم في ذلك الزمن البعيد، كانوا يقصدون ألّا يكون مروره معلوم التوقيت (مجدولاً) حتى لا يستغل غيابه من تسوّل له نفسه قطع شجرة أو فرع، من دون إذن ممهور بخاتم شيخ القرية. وفيما كان الكبار يحرّمون علينا دخول الغابة صحبة أغنامنا، كان "العم حسن" يسمح لنا بالدخول، شريطة ألّا نطيل المكوث، فنتعجل جمع الثمار المتساقطة، وكرات الصمغ البلورية الطرية تبذلها لنا في سخاء سيقان أشجار السنط والطلح. وقتها، تكون أغنامنا قد التهمت زهور الأكاشيا الصفراء اللدنة المتناثرة في الظلال، مع بعض الأعشاب، وأوراق الأغصان الطرية القريبة من متناولها، وتكون قد بعثرت كرات مخلفاتها المتماسكة. وأدركنا لاحقاً أنّ القصد أن تقوم الأغنام بدورها غير المرئي لنا في نثر البذور المعالجة الكيميائية في أحشائها، القابلة للإنبات عند لفظها.

يؤكد خبير الغابات، الدكتور عبد العظيم ميرغني، أنّ حارس الغابة هو روح الغابة، إذ تتعدّى مسؤولياته ضبط المخالفات إلى حماية حدود الغابة، ومعاينة نمو الأشجار، وما يعتريها من أمراض وحرائق، ويرفع بذلك تقريراً إلى مفتش الغابات بالمنطقة، كما يساهم في جمع البذور. وعادة يجرى اختياره من المنطقة الحاضنة للغابة نفسها، حتى يستخدم علاقاته وسلطاته كموظف حكومي في بسط هيبة الدولة حماية للموارد.

جاء في تعريف قانون الغابات السوداني للحارس: "يقصد به أيّ شخص معين بالاسم أو معين بخلاف ذلك بموجب أمر صادر من الهيئة القومية للغابات، أو الولاية، وبموافقته ليكون حارس غابات يمارس السلطات والاختصاصات المنصوص عليها في هذا القانون أو اللوائح أو الأوامر الصادرة بموجبه". وكان معيار الاختيار، بحسب ميرغني "يتم وفقاً لمساحة الغابة المحجوزة، بيد أنّ العدد الآن أصبح غير متكافئ، فقد ازدادت مساحات الغابات، فيما ظل عدد الحرّاس كما هو، الأمر الذي مثّل تهديداً حقيقياً للغابات، والتنوّع الأحيائي الذي تحتويه".

موقف
التحديثات الحية

كثيرون لا يرون في الغابة سوى الأخشاب والثمار، بينما هي نظام بيئي متكامل، مثلها مثل الأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات. والنظام البيئي هو المنطقة الجغرافيّة التي تعيش فيها كائنات حيّة، وتتميّز بطقس ومناظر طبيعيّة تختلف عن غيرها، ويحتوي النظام البيئي مع النباتات والحيوانات والكائنات الحيّة، والحشرات والأحياء الدقيقة، عوامل غير حيّة مثل الصخور، ودرجة الحرارة، والرطوبة. 

ولأنّ العلاقة هي بين الغطاء الغابي والعوامل المؤدية إلى الجفاف الملاحظ انتشاره، خصوصاً في المناطق المدارية في أفريقيا، ومن بينها السودان، فإنّ في العودة إلى نظام الغابات المحجوزة وحراسها، وإعمال وتفعيل القوانين ضماناً لعودة الروح المفقودة.

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون