رمضان لا يخفف العقوبات المؤلمة في السجون المصرية

رمضان لا يخفف العقوبات المؤلمة في السجون المصرية

03 ابريل 2022
معاناة مضاعفة لسجناء مصر في رمضان (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

اعتاد السجين السياسي المصري السابق عبد الرحمن الجندي أن يعد جداول لترتيب زيارات الأهالي طول أيام شهر رمضان، حين كان ما يزال خلف القضبان، وذلك بالتعاون مع صديقه أيمن موسى، من أجل ضمان وجبة إفطار طازجة يومية للسجناء، وتجنب تراكم الطعام الذي يجلبه الزوار وتعرضه للفساد بسبب عدم توافر وسائل حفظه وتخزينه. 
تذكر عبد الرحمن الجندي، الذي أخلي سبيله من السجن في نهاية عام 2019، صديقه أيمن المحكوم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، مع حلول أول ساعات شهر رمضان هذا العام، وكتب له على حسابه على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي رسالة لن يقرأها بالتأكيد، وتفيد: "تتولون اليوم مهمة ترتيب جداول الزيارات كي لا تتعرض المأكولات التي تجلب للفساد خلال يوم واحد، وتنادون عبر الباب لمعرفة احتمال توافر ثلج في رمضان الحالي تمهيداً للفه في بطانية، وعمل ثلاجة منه أم لا". وتابع: "يهتم أحد السجناء بوضع ترتيبات أداء صلاة التراويح التي تعتبر ذات أهمية كبيرة لكُثر من أجل طلب الفرج الذي طال انتظاره، في حين ما يزال أولئك الذين أودعوا السجن منذ وقت قريب غير مصدقين أن أول أيام شهر رمضان حلّ عليهم وهم في السجن". وخاطب عبد الرحمن صديقه أيمن مباشرة، وسأله: "هل ما زلت يا أيمن تحاول بأية وسيلة ممكنة أن تجعل السجناء الجدد يتوقفون عن البكاء، أو أنك تنغلق على نفسك كونك تمضي سنتك التاسعة وبالتالي الرمضان التاسع في السجن، وهذا أمر لا يحتمل حقاً حتى على شخص مثلك مليء عادة بالبهجة؟ أرجو أن تخرج بخير يا صاحبي، ولتحصل معجزة لك".

ويقضي الشاب أيمن، المجتهد والرياضي المتفوق، رمضانه التاسع في السجن. وهو يأمل في أن يحصل على عفو رئاسي تأخر كثيراً بعدما مضت أكثر من نصف مدة الحكم الذي ينفذه، أو ربما بمعجزة تستطيع وحدها أن تطوي صفحة العقوبات القاتمة والمؤلمة. وكان أيمن أودع السجن حين كان طالباً في كلية الهندسة بالجامعة البريطانية، ومدرباً لرياضة كرة الماء والغطس في نادي هليوبوليس، ورياضياً في الغطس والباركور (حركات الوثب). وما يزال في السجن منذ أكثر من تسع سنوات بسبب إدانته في قضية جنايات الأزبكية رقم 10325 المؤرخة في عام 2013 والمرتبطة بأحداث حيي الأزبكية ورمسيس، وحكم عليه بالسجن المشدد فترة 15 عاماً، والخضوع لمراقبة لمدة 5 سنوات بعد تنفيذ الحكم، ودفعه غرامة مقدارها 20 ألف جنيه، بعدما أدانته النيابة "بارتكاب جرائم قتل متعمد والشروع في القتل المتعمد، والتجمهر بغرض تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح في محاولة اقتحام ميدان التحرير، والاعتداء على المواطنين، والتأثير على سلطات الدولة وإتلاف ممتلكات العامة، ومقاومة السلطات". 
ورغم وحشة السجن، يبقى وضع أيمن ورفاقه في عنبر السياسيين أشبه بسيناريو حالم مقارنة بسجناء سياسيين آخرين في مصر يعانون من وحشة الحبس الانفرادي المطوّل، ويتمنون أن يجدوا من يشاركونهم الطعام والعبادة والصلاة وتبادل الأحاديث، فيما آخرون يواجهون مشاكل التكدس المزري في الزنازين الذي يضاعف معاناتهم خصوصاً مع تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف. كما أن هناك سجناء يخضعون لتدابير منع الزيارات بالكامل، ويضطرون إلى تناول كميات طعام قليلة جداً وذات نوعية سيئة، في ظل عدم توافر معايير النظافة في إعداده والعناية بجودته وصلاحيته. 

الصورة
يعيش كُثر وحشة الحبس الانفرادي في رمضان (خالد دسوقي/ فرانس برس)
يعيش كُثر وحشة الحبس الانفرادي في رمضان (خالد دسوقي/ فرانس برس)

ويفيد تقرير أصدرته الجبهة المصرية لحقوق الإنسان مطلع العام الجاري، ورصدت فيه أوضاع السجون في مصر أن "السجون تلحق أضراراً كبيراً بالمحتجزين، فكميات الطعام الممنوحة قليلة وجودته سيئة لدرجة قد تتسبب بأمراض لكُثر. أما مياه الشرب فملوثة وتصيب المحتجزين بأمراض في الكلى. كما يحرم محتجزون كثر من الحق في ممارسة الرياضة والتعرض لضوء الشمس ساعة على الأقل يومياً، ويجبرون على عدم الخروج من زنزانتهم لأيام وأسابيع.
وقد زاد عدد السجناء في شكل كبير بعد إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013، ما أدى إلى اكتظاظ شديد في السجون، بحسب منظمة العفو الدولية التي تؤكد تكدّس مئات من المعتقلين في الزنازين، علماً أن متوسط المساحة المتاحة لكلّ سجين في الزنازين تعادل 1.1 متر مربع، وهي أقل كثيراً من الحد الأدنى الذي يوصي به الخبراء، وهو 3.4 أمتار مربعة.

وبينما ترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء، تقدر تقارير هذا العدد بنحو 114 ألفاً، أي أكثر من ضعفي القدرة الاستيعابية للسجون التي قدّرها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بـ55 ألف سجين، بحسب بيان أصدرته منظمة العفو الدولية في يناير/ كانون الثاني 2021.

المساهمون